مكافحة الفقر في قمة أولويات الملك*د. ضرار غالب العدوان
الراي
بادئ ذي بدء، يعتبر الفقر أحدى أهم الظواهر الأجتماعية السلبية السيئة، والتي تؤرق المجتمع والدولة ككل، وقد أزدادت نسبة معدلاته، وتفاقمت منذ أواخر ثمانينيات القرن الماضي، إذ شهدت -حينذاك- معدلات النمو الاقتصادي تباطؤاً ملحوظاً أدى إلى تراجع حصة الفرد من الناتج المحلي الإجمالي، وتتعدد أسباب ومسببات الفقر وتختلف من دولة إلى أخرى، إلا أن السبب الرئيس والمباشر هو استشراء ظاهرة البطالة، فهناك الآلاف من شبابنا وشاباتنا ما زالوا يبحثون عن فرص العمل.
ومما لا شك فيه أن تنامي مشكلة البطالة وما ينجم عنها من تفاقم لظاهرة الفقر، كما أسلفنا من الظواهر المتعددة الأبعاد، وهذا الأمر جعلها تحظى باهتماماً منقطع النظير من لدن جلالة الملك، فمنذ تولي سلطاته الدستورية وضع مكافحة هذه المشكلة في قمة أولوياته، فقد أصدر توجيهاته السامية للحكومات المتعاقبة مراراً و تكراراً لتلمس الوسائل المجدية لمكافحة مشكلة البطالة، وذلك لما لها من أثر سلبي مباشر على مستوى معيشة المواطنين، وتوفير سبل العيش الكريم لهم، ولكي لا تعيق أهدافنا في تحقيق التنمية الشاملة بمفهومها الواسع وأبعادها?المختلفة.
وأنطلاقاً من إيمان جلالة الملك عبدالله الثاني بأن الاستثمار يشكل أحدى الوسائل التي تحرك النشاط الإقتصادي، وتسهم في زيادة فرص العمل وجذب التكنولوجيا الحديثة، وتطوير قدرات قوانا العاملة، فقد وجه جلالتة الحكومة إلى تهيئة البيئة المحفزة لجذب الاستثمارات العربية والأجنبية ذات القيمة المضافة العالية، وتسهيل الإجراءات المتعلقة بتطوير البيئة الاستثمارية في المملكة وتثميرها على أرض الواقع، داعياً في الوقت ذاته إلى تذليل الصعاب والعقبات التي تواجه المستثمرين، وإلى معالجة الأسباب التي أدت إلى تراجع مستوى حجم تدفق ال?ستثمارات إلى المملكة خلال الفترة الماضية، والتي كان من أبرزها على الإطلاق تراجع مرتبة الأردن في التقارير الدولية الخاصة بتطوير البيئة الاستثمارية، وقد آن الأوان أن يضبط الاقتصاد الأردني اتجاه بوصلته ورفع مستوى جاهزيته وتنافسيته.
وقد دعا جلالته -أيضاً- في أكثر من لقاء مع نخبة من ذوي الخبرة والاختصاص في الشأن الاقتصادي، أن النجاح في تحقيق التنمية الاقتصادية المستدامة، وتهيئة الظروف الملائمة لجذب الاستثمارات سواء أكانت عربية أم دولية، يعد من أبرز الحلول الناجعة للتصدي للتحديات التي تراكمت وتعاظمت في السنوات الأخيرة، وذلك بسبب تداعيات الأزمة المالية العالمية، وآثار الأزمات المتوالية والتي عصفت وتعصف بالمنطقة، والأرتفاع المطرد في أسعار الغذاء والطاقة، والتي يستورد الأردن غالبيتها العظمى، لذلك شدد جلالته اكثر من مرة على أهمية مضاعفة الج?ود الحكومية الهادفة إلى تهيئة البيئة المحفزة لجذب الاستثمارات إلى المملكة، والتي تسهم بشكلٍ مباشر في توفير فرص العمل للمواطنين، وبالتالي نجاح المساعي الحكومية الهادفة إلى معالجة مشكلة البطالة للحد من ظاهرة الفقر، وصولاً إلى مجتمع الرفاه والرخاء.
وقد تركز جل أهتمام جلالة الملك على الاستثمار بمواردنا البشرية تعليماً وتدريبياً وتاهيلاً، وربط العلم والمعرفة والتكنولوجيا بحاجات سوق العمل ومتطلباته الفعلية، وتطوير المناهج والمساقات الدراسية لتحسين جودة التعليم، وتطوير المهارات والكفايات اللازمة لدى الخريجين،وتوجيه الطلبة في البحث عن تخصصات أكثر أستجابة لإحتياجات سوق العمل المتغيرة والمتنوعة، لا سيما إذا ما علمنا أن المشكلة الرئيسة في سوق العمل تكمن فى عدم توافق المهارات والخبرات التي تمتلكها الكوادر العاملة مع الاحتياجات الوظيفة المطلوبة فعلياً في سوق ا?عمل، وذلك في ظل ما شهدناه في هذه الألفية الجديدة من تغير نوعي في أساليب العمل والانتاج.
وبناءً عليه، دعا جلالة الملك إلى تطوير برامج التدريب المهني والتقني والفني، وتوجيهها نحو التركيز على النوعية والجودة، والمواءمة بين مخرجات قطاع التعليم العام، واحتياجات سوق العمل المتجددة، ولذلك أوعز جلالته بإنشاء مراكز متخصصة لتدريب الشباب والشابات على مهن محددة في كل محافظة، بحيث تتولى مهمة تدريبهم وتأهيلهم بما ينسجم مع المتطلبات الفعلية لسوق العمل، وعلى نحو يراعي طبيعية النشاط الاستثماري والاقتصادي في مناطقهم.
بالإضافة إلى ذلك وجه جلالته الحكومات المتعاقبة إلى توفير فرص أكبر للقروض الصغيرة والميسرة، لا سيما في المناطق ذات الظروف الخاصة والأقل حظاً، وبما يشجع روح المبادرة وأسس الإعتماد على الذات، كذلك دعوة جلالته إلى القطاع الخاص والذي يعتبره المحرك الأساس في تحقيق النمو الاقتصادي بأن يسمو على تردده ليعزز شراكته الفاعلة مع القطاع العام ومأسستها، ودعا جلالته إلى تشجيع الاستثمار الوطني في المشاريع الإنتاجية الجديدة المولدة لفرص العمل، والتي نحن بمسيس الحاجة إليها، وذلك بسبب الأرتفاع المتنامي والغير مسبوق في نسبة مع?ل الزيادة السكانية، وتخفيض نسبة معدل البطالة المتفاقم، وبالتالي الحد من مشكلة الفقر، وهذا يستدعي أعلى درجات التوازن التنموي بين المحافظات، وتوزيع عوائدها ومكتسباتها بشكل عادل ومتوازن على مختلف المناطق في المملكة، مما يؤدي إلى تحسين المستوى المعيشي للمواطنين كافة.
وسعياً لبلوغ هذه الغاية، فقد أصدر جلالته توجيهاته السامية إلى الحكومة لإجراء دراسة عملية وعلمية واقعية شاملة، تحدد حجم المشكلة وواقعها وتعالجها من خلال برنامج عمل مؤسسي وشمولي، والبدء بعملية المراجعة الشاملة لإزالة كل المعيقات أمام مسيرة الإصلاح الاقتصادي، وذلك بالتشاركية مع القطاع الخاص والجهات ذات العلاقة، والعمل الجاد على أحلال العمالة الوطنية محل العمالة الوافدة، والبحث عن السبل الكفيلة لضمان تصدير العمالة الوطنية إلى الدول الشقيقة والصديقة، وتحديث التشريعات وعصرنتها، وإزالة كل ما اعتراها من اختلالات،?وضمان الإدارة المثلى للموارد والثروات، والعمل ضمن خطط منهجية وشمولية تحمي اقتصاديا من تداعيات الأزمة الإقتصادية العالمية، وذلك ضمن استراتيجية وطنية محكمة، تحصن اقتصادنا وتمكنه من تحقيق أعلى معدلات النمو رغم جسامة التحديات، هذا فضلاً عن ضرورة المعالجة الاستراتيجية للقضايا الملحة في الزراعة والصناعة وتنمية المحافظات.
ومن المهم لفت الإنتباه إلى توجيهات جلالته السامية إلى الحكومات المتعاقبة في توسيع مظلة شبكة الأمان الاجتماعي، واستحداث آليات جديدة لتوجيه الدعم إلى مستحقيه، وتعزيز دور صناديق التكافل والعون الرسمية والأهلية وتكامل أدوارها، وتوحيد مظلتها الإدارية، وتنفيذ الحزم الاجتماعية بجدية متناهية، وذلك لحماية الطبقى الفقيرة والأسر العفيفة ذات الدخل المحدود، وتقوية أدوات العمل المؤسسي لرعاية المحتاجين، وتأمين مبلغ تكافلي في حالة العجز أو الوفاة -لا قدر الله- وحماية الطبقى الوسطى، والتي تعتبر صمام الأمان في حماية المجت?ع، والرافعة الحقيقة لإنجاح عملية الإصلاح الاقتصادي الشامل.
ليس هذا فحسب، فقد دعا جلالته إلى تعزيز التشاركية والتشبيك مابين قطاع الأعمال والحكومة والمؤسسات الأكاديمية والبحثية، وبما يتطلب ذلك من إصلاح مناهج التعليم العالي لتوائم مخرجاته احتياجات سوق العمل ومتطلباته المتنوعة، وبالتالي توفير قوى عاملة مؤهلة وكفؤة لأصحاب العمل.
ليس هذا فحسب، بل طالب جلالته ربط البحث العلمي بالإنتاج، وتأصيل ثقافة العمل المؤسسي، وتوجيه الطلبة في البحث عن تخصصات أكثر استجابة لإحتياجات سوق العمل المتغيرة والمتنوعة، والأبتعاد عن التخصصات الأكاديمية الراكدة، والتي لم تعد وظائفها متاحة، والقضاء على ظاهرة ثقافة العيب أو العزوف عن العمل في بعض المهن، وتعزيز الإعتماد على الموارد الذاتية، وذلك لإستعادة زخم النمو الاقتصادي، وفق مسار مؤسسي واضح يعيد التوازن للمالية العامة وميزان المدفوعات، والحفاظ على أمننا الاقتصادي والاجتماعي، ولحماية مكتسباتنا الوطنية لتأم?ن مستقبل أفضل للأجيال القادمة.
ويشير جلالة الملك الى أن الظرف الاقتصادي الصعب الذي نعيشه ليس وليد اللحظة، بل هو نتيجة ظروف ضاغطة جلها خارجية، وذلك بفعل غياب الأمن والاستقرار في الإقليم، والذي تسبب في التراجع الحاد في نسبة حجم صادراتنا للخارج، وذلك بسبب اغلاق حدود بعض الدول المجاورة نتيجة التحديات الأمنية التي تواجهها.
وفي هذا الشأن، يقول جلالة الملك عبدالله الثاني أن الدارس والمتأمل لمسيرة الأردن الخيرة، يلمس ما تحقق من انجازات يطول ذكرها، وذلك رغم شح الموارد الطبيعية وقلة الامكانيات، وقد تحمل بلدنا في السنوات الماضية ما تنوء بحمله أعتى وأكبر الدول، فقد شهدنا منذ مطلع الألفية الثالثة موجات متتالية من التباطؤ والركود والأنكماش الاقتصادي العالمي، والتي كان لها آثار سلبية وخيمة على اقتصادنا الوطني، والتي تمثلت في تدني نسبة تشغيل الأيدي العاملة، وفي زيادة معدلات البطالة إلى نسبة غير مسبوقة، وتدني مؤشر معدل نسبة النمو الاقتص?دي بصفة عامة.