البحث العلمي.. مفتاح التحول الطاقي بالأردن
الغد-رهام زيدان
أكد خبراء ومختصون في قطاع الطاقة، أن البحث العلمي يشكل ركيزة أساسية لتطوير منظومة الطاقة في الأردن، وأداة محورية لصياغة سياسات طاقية قادرة على مواجهة التحديات المتزايدة التي يعاني منها القطاع، وعلى رأسها محدودية الموارد الطبيعية، وارتفاع كلف الطاقة، والاعتماد الكبير على الاستيراد.
وأشار الخبراء، إلى وجود فجوة واضحة بين حجم الدراسات والأبحاث المنتجة محليًا، وبين قدرتها الفعلية على التأثير في صناعة القرار، وتحويل المعرفة الأكاديمية إلى سياسات تنفيذية وحلول تطبيقية ملموسة.
وقال مدير مركز الفينيق للدراسات الاقتصادية والاجتماعية، الدكتور أحمد عوض "إن البحث العلمي والدراسات المتخصصة في قطاع الطاقة تُعد عنصرًا أساسيًا في صياغة سياسات طاقية رشيدة في الأردن، خاصة في ظل التحديات الهيكلية التي تواجه القطاع". وأضاف أن الأردن يمتلك قاعدة بحثية مقبولة في هذا المجال، إلا أنها ما تزال بحاجة إلى تطوير وتعزيز، وربط أوثق بصنّاع القرار.
وأوضح عوض، أن هناك دراسات وأبحاثا أعدتها مؤسسات حكومية مثل وزارة الطاقة والثروة المعدنية، والجمعية العلمية الملكية، والجامعات الأردنية، إضافة إلى مراكز بحث مستقلة، إلى جانب مشاركة الأردن في دراسات إقليمية ودولية تتعلق بأمن الطاقة والتحول نحو الطاقة المتجددة.
وبين أن مركز الفينيق، بالتعاون مع منتدى الاستراتيجيات الأردني، عمل خلال السنوات الأخيرة على إعداد دراسات بحثية تناولت قطاع الطاقة وعلاقته بالاقتصاد الوطني وتأثيراته على النمو والتشغيل، إلا أن التطور المتسارع في تقنيات الطاقة عالميًا، سواء في مجالات الطاقة المتجددة أو الهيدروجين الأخضر أو التخزين والتحول الرقمي، يفرض الحاجة المستمرة إلى أبحاث أكثر تخصصًا وجودة، وقادرة على استشراف المستقبل وربط الطاقة بالسياسات الاقتصادية والاجتماعية.
وأشار عوض، إلى أن التحدي الأساسي لا يكمن فقط في إنتاج الدراسات، بل في جودة مخرجاتها وضمان وصول نتائجها إلى صنّاع القرار، إضافة إلى محدودية التمويل المخصص للبحث العلمي في قطاع الطاقة، رغم الحاجة إلى إمكانيات مالية كبيرة لهذا النوع من الأبحاث.
من جهته، قال عضو هيئة التدريس في الجامعة الأردنية، الدكتور أحمد السلايمة "إن البحث العلمي والدراسات التطبيقية تُعد عنصرًا محوريًا في تطوير قطاع الطاقة، ولا سيما في ظل الاعتماد الكبير على استيراد مصادر الطاقة وارتفاع كلفتها". وأوضح أن الأبحاث العلمية المحلية أسهمت في دعم التوسع بمشاريع الطاقة المتجددة وتحسين كفاءة الطاقة، وتطوير حلول تقنية تراعي الخصوصية الجغرافية والاقتصادية للأردن.
إلا أن السلايمة أشار إلى أن العديد من الدراسات ما تزال بحاجة إلى مزيد من التكامل والتركيز على الجوانب التطبيقية، وربط نتائجها بصناعة القرار والسياسات الوطنية للطاقة، لافتًا إلى أن بعض الأبحاث الجامعية تُنجز لأغراض الترقية الأكاديمية، وتكون بعيدة عن الواقع واحتياجاته الفعلية.
وأكد أن الأردن يمتلك قاعدة بحثية جيدة في مجالات الطاقة الشمسية، وكفاءة الطاقة، والشبكات الذكية، والهيدروجين الأخضر، إلى جانب الدراسات الوطنية الصادرة عن وزارة الطاقة، غير أن تسارع الابتكار العالمي يتطلب تكثيف الجهود البحثية، وزيادة التمويل، وتعزيز الشراكة بين الجامعات والقطاع الخاص والمؤسسات الرسمية.
وشدد السلايمة على أهمية توفير قاعدة بيانات وطنية ومنصة متخصصة تضم جميع الدراسات والأبحاث السابقة والبيانات اللازمة، بما يساهم في تطوير البحث العلمي والبناء عليه لدعم قرارات الحكومة في قطاع الطاقة.
بدوره، قال الخبير في قطاع الطاقة الدكتور فراس بلاسمة "إن الجامعات الأردنية ومراكز البحث أنتجت خلال العقدين الماضيين مئات الدراسات في مجالات الطاقة الشمسية وطاقة الرياح وكفاءة الطاقة والشبكات الذكية". وأوضح أن الإشكالية لا تكمن في جودة هذه الأبحاث، إذ يعتمد كثير منها على نماذج علمية متقدمة، بل في عزلتها واقتصارها على النشر الأكاديمي دون اختبار ميداني أو تحويلها إلى سياسات تشغيلية أو تعليمات تنظيمية.
وأشار بلاسمة، إلى أن قطاع الطاقة لم يعد يقتصر على التوليد فقط، بل أصبح منظومة معقدة تشمل التخزين الكهربائي، وإدارة الأحمال، ومرونة الشبكات، والأمن السيبراني، وتكامل الطاقة مع قطاعات المياه والصناعة، ما يتطلب نمطًا جديدًا من البحث العلمي القائم على الحلول العملية.
وأكد الحاجة إلى أبحاث وطنية نوعية تتناول قضايا مثل الفاقد الكهربائي، وإدارة الطلب، ونمذجة التخزين كأداة للأمن الاقتصادي، وربط الطاقة بالسيادة الرقمية وتقييم المخاطر الجيوسياسية لسلاسل الإمداد الطاقي، عتبرًا أن هذه الأبحاث تمثل أدوات بقاء اقتصادي، وليست ترفًا علميًا.
وختم بلاسمة بتأكيد أن التحدي لا يكمن فقط في التمويل، رغم توفره نسبيًا عبر صناديق وطنية ومبادرات دولية، بل في غياب خريطة أولويات وطنية واضحة للبحث الطاقي، وضعف التنسيق بين الممولين والباحثين وصنّاع القرار، ما يحد من أثر البحث العلمي على واقع قطاع الطاقة في الأردن.