أخبار سوق عمان المالي / أسهم
 سعر السهم
Sahafi.jo | Rasseen.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
  • آخر تحديث
    27-Mar-2017

أسس اقتصادية جديدة للعائلة* عمر العبيدلي

الحياة-قام الزواج تاريخياً على شراكة اقتصادية، حيث كان الرجل يعمل كي يكسب رزق العائلة، كما كانت المرأة تكرّس جهودها لتربية الأطفال، وإدارة الشؤون المنزلية. وولّد هذا الترتيب بعض المبادئ التي تحكم عملية الزواج ذاته، من بينها حاجة الرجل المتقدم إلى المرأة أن يوفر لها حياة أكثر راحة مما تقدم لها عائلتها من الجانب الاقتصادي.
 
وفي القرن الماضي، حينما أُتيحت للإناث فرصة اكتساب المؤهلات العلمية، برز مبدأ آخر، وهو حرص المرأة على الزواج من رجل لا يقل مستواه العلمي عن مستواها، إذ يفضَّل أن يتفوق عليها من هذا الجانب، مثلاً إن نالت شهادة ماجستير، فينبغي عليه نيل شهادة الدكتوراه.
 
ومع تغيّر الظروف الاقتصادية، ورفع القيود التي كانت تحرم الإناث من الحصول على حقوقهن العلمية والمهنية، تغيرت معادلة الزواج، إذ برزت توجهات جديدة، بعضها سلبية، قد تستدعي إعادة نظر المجتمع في بعض المبادئ التي يستند إليها الإناث حينما يبحثون عن زوج مناسب.
 
أجرى الباحثون الاقتصاديون ديفيد أوتر وديفيد دورن وغوردون هانسون بحثاً بعنوان: «حينما تختفي الوظائف: انكماش الصناعة وتراجع القيمة الزوجية لدى الذكور»، حللوا فيه بعض الانعكاسات السلبية التي سببها اختراق المنتجات الصناعية الصينية الأسواق الأميركية.
 
ففي عقد الثمانينات، كانت اقتصادات بعض الولايات الأميركية معتمدة بالأساس على الصناعة، كأوهايو وميشيغان وتينيسي، وحينما نهض الاقتصاد الصيني خلال عقد التسعينات، نافس المنتجين الأميركيين، وأدى ذلك إلى تراجع ملحوظ ومستدام في الوظائف التي كان يعمل بها الذكور تقليدياً، كالعمل في المصانع، والعمل اليدوي.
 
وتسبب هذا الانكماش في مختلف الظواهر السلبية، منها تراجع كبير في معدل الزواج، ما أدّى إلى ارتفاع كبير في معدل الإنجاب غير الشرعي، فعام 1980، كانت نسبة حالات الولادة لأمهات غير متزوجات 18 في المئة، بينما في عام 2013، بلغت النسبة 41 في المئة، ولا تخدم مثل هذه التوجهات الأسرية مصلحة المجتمع.
 
ولا تمر دول مجلس التعاون اليوم بانكماش مماثل في قطاع الصناعة، كما أنها لا تعاني مشكلة إنجاب لغير المتزوجين. لكنها تشارك تلك الولايات الأميركية في التراجع النسبي في قدرات الذكور الاقتصادية، مقارنة بقدرات الإناث، إذ ارتفعت مساهمة النساء في أسواق العمل الخليجية خلال آخر 20 سنة، كما تسعى الحكومات إلى تعزيز مساهمة النساء كهدف محوري في رؤاها الاقتصادية. وأصبحت الإناث يمثلن غالبية الطلاب في الجامعات، حيث يتفوقن على الذكور أكاديمياً، وفي البعثات.
 
وتعتبَر هذه التطورات إيجابية، لأن المجتمع يجب أن يوفر فرص العمل والتعليم ذاتها للجنسين من باب العدالة أولاً، ولمصلحة الاقتصاد الكلّيّ ثانياً، إذ لا يمكن لأي اقتصاد أن ينجح ما لم يستفِد من طاقة نصف موارده البشرية.
 
لكن تحقيق مزيد من العدالة الاقتصادية أدّى إلى تراجع في معدلات الزواج، وتأجيله إلى سن متأخرة نسبياً (مثلاً بعد الثلاثين للزوجين)، وارتفاع في معدلات الطلاق. ولا شكّ في أنّ بعض التزايد في حالات الطلاق أمر مرغوب فيه، لأنه يعكس قدرة المرأة على الخروج من زواج تُظلم فيه، لأنها أصبحت مستقلة اقتصادياً، بينما في السابق، كان يُفرض عليها تحمل الظلم، لأنها كانت غير قادرة على كسب الرزق.
 
لكن بعض هذه التوجهات قد تمثل تحجّراً في مفاهيم الزواج، التي لم تتكيف مع التغيير في الظروف الاقتصادية. فإن أصرّ المجتمع على التمسك بالمبادئ السابقة، كتفوق الرجل على المرأة مالاً وعلماً، فسيستمر معدل الزواج بالتراجع، خصوصاً عند فئة مهمّة جداً من المجتمع، وهي الإناث المتفوقات، اللواتي لن يحصلن على أزواجٍ يستوفون المعايير التقليدية.
 
إذاً قد ينظر المجتمع في تحديث المبادئ الاقتصادية التي تحكم العلاقة بين الزوجين، والتي يقوم عليها قرار الزواج ذاته، لأن الأسر المستقرة تشكل ركن المجتمع، وينبغي تفادي قيام تناقض بين استقلال وتفوق المرأة اقتصادياً من جانب، وبين زواجها وتكوينها لعائلة مستقرة من جانب آخر.
 
ولا يتمثّل الحل في إعادة فرض القيود على الإناث، لأنها سياسة ظالمة، كما أنها غير فاعلة اقتصادياً، في وقت يحتاج الاقتصاد إلى مساهمة الإناث، نتيجة تراجع أسعار النفط.
 
كبديل، ينبغي النظر في معالجة ظاهرة المهور المتصاعدة، التي أصبحت تشكل عائقاً صارماً أمام الزواج. وبالإضافة إلى ذلك، ربما ينبغي على المجتمع أن يزيل المعايير التقليدية التي نشأت في عصر تفوّق الرجل على المرأة اقتصادياً وعلمياً، وتقبّل المجتمع لحالات زواج عديدة تتميز فيها الزوجة براتب ومؤهلات علمية أعلى من الزوج.
 
وثمة وضع جدير بالنظر لتجنب الوقوع في مثله، هو وضع اليابان، حيث تراجع معدل الزواج من 10 حالات لكل ألف شخص في 1970، إلى 6.5 عام 1995، و5.8 في 2014. وفي 1970، بلغ متوسط عدد الأبناء المتوقعين للمرأة 2.13، بينما أصبح المتوسط 1.42 عام 2016. قالت الأديبة الإنكليزية ماري إيفانز: «السماء لن تمطر وروداً أبداً، فحينما نرغب في مزيد من الورود، علينا أن نزرع مزيداً منها».