أخبار سوق عمان المالي / أسهم
 سعر السهم
Sahafi.jo | Rasseen.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
  • آخر تحديث
    21-Oct-2019

ثورات الخبز ومحاربة الفساد*عمر عليمات

 الدستور-تتنقل الاحتجاجات والمظاهرات من عاصمة عربية إلى أخرى، فيختلف المكان وتتشابه المطالب والهموم وكأنها وزعت عبر رسالة «واتساب» على الشعوب العربية، فلا حاجة للتحليل والتفسير لمعرفة مبررات الاحتجاجات وأسبابها فالخبز هو القاسم المشترك، فمن الخرطوم إلى بغداد فبيروت مروراً بعواصم عديدة أخرى خرج الناس مدفوعين بالبحث عن لقمة الخبز، ومحاربة الفساد الذي بات وباء يأتي على الأخضر واليابس ويهدد مستقبل ملايين البشر.

لم يستطع حزب سياسي أو قضية أو أيديولوجية حشد مثل كل هذه الجموع الغفيرة الغاضبة على كل شيء ومن كل شيء، بل جمعهم الخبز ووحّدتهم وطأة الفقر والبطالة، والفساد الذي أنتج طبقة قليلة العدد شديدة الثراء، وطبقة هي الأغلبية المسحوقة التي ملّت من أسطوانة النور الموعود في نهاية النفق، وبرغم تعدد المذاهب والطوائف والمرجعيات السياسية والعقائدية، فإن الخارجين إلى الشوارع لم يرفعوا إلا علماً واحداً هو علم الوطن، فقد اختفت كل مظاهر الحزبية والمناطقية والدينية لتذوب في بوتقة الصراخ ضد الفقر والعوز، والبحث عن مستقبل يحترم إنسانية الفرد.
التغني بالشعارات والقضايا الكبرى لم يعد يجدي نفعاً ولم تعد الشعوب العربية معنية بالحديث عن الإصلاحات السياسية وقوانين الانتخابات بقدر ما هي معنية بقوت يومها وسد احتياجات أبنائها، فكيف لوالد سحقته ظروف الحياة، يرى أبناءه كل يوم وسنوات شبابهم تذبل أمام عينيه بلا عمل ولا أمل، أن يفكر في غير همومه وأوجاعه تلك، وهل مَن يعيش مثل هذا الحال معني بقضايا الأمة وسياستها؟!.
الشعوب تتغير وعلى المعنيين إدراك هذه الحقيقة، وحالة اللامبالاة التي طبعت عقوداً طويلة من تاريخنا يجب أن تتوقف، فالشعوب اليوم غاضبة ومحبطة وقد أسقطت كل الاعتبارات وتجاوزت كل الخطوط الحمراء، هدفها واحد لا لَبس فيه، وهو حياة كريمة وعدالة اجتماعية، لا يأبهون لانتصارات ومعارك يخلدها التاريخ بل يطلبون عيشاً كريماً، واحتراماً لآدميتهم، فلن تنفعهم كُتب التاريخ إن ماتوا جوعى وتركوا وراءهم أبناء جياعاً.
التنمية الحقيقية والاقتصاد القوي والقضاء على الفساد لا محاربته فقط، هي التي تجعل الشعوب تؤمن بأنظمتها وتحارب من أجلها، فالوطن الذي يجوع أبناؤه ويتشردون في أقاصي الأرض بحثاً عن لقمة العيش ولا يعودون إليه إلا جثثاً باردة تبحث عن تراب يدفئها، لعل بطن الأرض يكون أرحم من ظهرها، هؤلاء غير معنيين بشعارات الإصلاح السياسي والديمقراطية الغربية، بل معنيون بمستقبلهم ومستقبل أبنائهم، معنيون بتوافر فرص العمل والتعليم الجيد والرعاية الصحية، معنيون بأن يعيشوا عيشة البشر لا مجرد هياكل أكلت من أرواحها الدنيا، ولم يبق منها سوى الضجيج.
عواصم تحترق، فلم تعد أخبار التميز والإنجاز ضمن عناوينها، بل الإطارات المشتعلة وخراطيم المياه التي تفرق المتظاهرين هي السمة البارزة، لننام على أخبار بغدادي غاضب ونصحو على بيروتي أشد غضباً، هذه حالة بعض عواصمنا بلا تجميل، والعاقل من اتعظ، والأيام دوارة، ولا مخرج إلا بوضع الأمور في نصابها والانتباه إلى أن «الجوع كافر» والأمعاء الخاوية أشد فتكاً من الرصاص، فمن ليس لديه ما يخاف عليه، لن يتوانى لحظة في تفريغ كل إحباطه وحقده الطبقي في الشوارع.
باختصار، الشعوب العربية ثوراتها ثورات خبز وثورات ضد الفساد، وأي حديث عن إصلاحات سياسية وقانونية لن يخمد بركان الغضب المتفجر في الشوارع، فلا صوت يعلو فوق صوت الجوع والأمعاء الخاوية!.