الغد-يوسف محمد ضمرة
لا يوجد شخص لديه ذرة من الإنسانية يقبل ما تفعله دولة الاحتلال الصهيوني من جرائم إبادة في أهلنا بغزة بقيامها بالعدوان الوحشي، والتي تستحق أن يمثُل ساساتها أمام محكمة الجرائم الدولية كمجرمي حرب، وفي مقدمتهم رئيس وزراء الكيان نتنياهو وقادتها العسكريون، ومن هنا انطلقت "حرب المقاطعة" العربية ضد عدد من الشركات العالمية العاملة في الدول العربية، وهي مقاطعة ما تزال تواصل نهجها في الضغط على هذه الشركات.
وخلال فترة العدوان على غزة منذ أكثر من خمسين يوما، خرجت أصوات تدعو إلى التريث في هذه المقاطعة، على اعتبار أن الشركات العالمية العاملة في الأردن، هي شركات محلية تشغّل آلاف الأردنيين، وتساهم في تحريك عجلة قطاعات عديدة، تأثرت بشكل كبير في هذه المقاطعة، فيما ما تزال تتمسك غالبية الأصوات بـ"حرب المقاطعة".
وأثناء نضال العرب، ومن ضمنهم الأردنيون، في هذه المعركة الاقتصادية ضد الشركات العالمية، رصد، بحسب خبراء، محاولات استغلال من بعض التجار لهذا الأمر، الذي ساهم فيه ما بات يعرف بـ"فوضى المقاطعة"، والتي أدت بها للابتعاد عن أهدافها النبيلة، القاضية بإيصال أصوات الاحتجاج العربية على ما يفعله الكيان النازي من جرائم بحق الشعب الفلسطيني، وانحياز الغرب لآلة القتل العسكرية الصهيونية بشكل فاضح.
وفي الوقت الذي قامت به بعض الشركات العالمية بالتبرع للكيان المحتل ولديها فروع في باقي العالم، ردت هذه الشركات المحلية بخطوات مماثلة بالتبرع لإخواننا في غزة بمثله بل أكثر، كالمطاعم السياحية العاملة في الأردن وتركيا وباكستان من خلال دولها بشكل رسمي.
وفي السياق ذاته تبرعت إحدى الشركات المحلية ذات العلامة التجارية العالمية للهيئة الخيرية الهاشمية في غزة بمقدار ربع مليون دينار إلى جانب 50 ألف وجبة للجمعيات الخيرية الأردنية، كجزء من مسؤوليتها الاجتماعية، فيما أقدمت الشركات في الدول الإسلامية على تقديم تبرعات معلنة للأهل في غزة.
إذا، وكما أشار بعض الخبراء، فإن فوضى المقاطعة باتت تسود في العديد من النواحي، ورصد قيام البعض من التجار باستغلال الأمر، والتسابق نحو منتج بديل وبأسعار مرتفعة، وجودة أقل.
المستهلك في النهاية يفترض أن يكون عقلانيا ويستند إلى الحقائق التي تدفعه للقيام بقراراته الشرائية بناء على احتياجاته وتوجهاته وفقا لما يراه مناسبا، لكن فوضى وسائل التواصل الاجتماعي باتت تروج لأشياء لم يتم التحقق منها، وتلحق ضررا بالمصالح الوطنية الاقتصادية والعاملين فيها، ممن يدفعون ثمن هذه الفوضى، بالمغامرة في مستقبلهم الوظيفي، خصوصا وأن أغلبهم من طلبة الجامعات الذين توفر هذه الشركات لهم فرص عمل حقيقية تساعدهم في تأمين تكاليف استكمال دراستهم للانخراط في سوق العمل من خلال برامج وجداول التشغيل المرنة والتي من خلالها يستطيع الطلاب استكمال دراستهم العلمية واكتساب رواتب وأجور تساعدهم وأهاليهم على تحمل التكاليف الدراسية والمعيشية في آن واحد.
ووفقا لأرقام رسمية فإن أعداد العمالة في قطاع المطاعم السياحية تصل إلى 22 ألف عامل موزعة في أرجاء المملكة، في حين عدد مطاعم الوجبات السريعة يصل إلى 256 منشأة موزعة في المملكة ما عدا العقبة وبعدد عمالة يقارب 4750 موظفا، وبحجم استثمارات لا تقل عن نصف مليار دينار، حيث إن رؤية التحديث الاقتصادي تسعى لاستقطاب 2.7 مليار دينار استثمارات في القطاع السياحي كاملا وخلق 100 ألف فرصة عمل خلال السنوات (2023-2033). هناك شركة واحدة من المطاعم السياحية يعمل فيها 3 آلاف موظف، وهي تحمل علامة عالمية لكنها وطنية أردنية 100 %، طالتها نار المقاطعة، فيها 47 فرعا في مختلف محافظات المملكة، تشكل الإناث بها 25 % يشكل العاملون فيها ما مجموعه 20 % من مجمل العاملين في المطاعم السياحية بالأردن، وتوظف 3.5 % من ذوي الاحتياجات الخاصة.
هذه الشركة الأردنية، يستفيد منها 2500 موظف أردني يعملون لدى الموردين في المصانع والمزارع والمنشآت المحلية وشركات التوصيل وغيرها، وتوفر للخزينة ما لا يقل عن 14 مليون دينار سنويا، فيما بلغت مشترياتها السنوية من العناصر المستخدمة في وجباتها أكثر من 27 مليون دينار، 62 % منها من المصادر محلية بما يقارب 17 مليون دينار، و 38 % من مصادر عربية بما يقارب 10 ملايين دينار. كل الحقائق التي سبق سردها تبين، وبالأرقام، أن هذه الشركة وغيرها من الشركات التي تعاني من فوضى المقاطعة لن تضر الشركة الأمّ المالكة للعلامة التجارية بل الشركات الوطنية، في الوقت الذي تعاني فيه المملكة من بطالة تقارب 25 %، جلهم في صفوف الشباب والجامعيين تحديدا.
الحقيقة الصادمة أن الشركات الأمّ لا تتقاضى من الشركات الوطنية 4 % من الأرباح لقاء استخدام العلامة التجارية، بمعنى أن فوضى المقاطعة تضر في الشباب والأردنيين العاملين في هذه الشركات بدلا من أن تكون المقاطعة مبنية على أسس علمية ومنطقية تضرب العدو بدلا من ضرب اقتصادنا الوطني.
هي معادلة صعبة نحتاج فيها لدعم أهلنا بغزة والتصدي لداعمي العدوان، في الوقت الذي نراعي فيه عدم الإضرار باقتصادنا ومؤسساتنا الوطنية وعدم تشريد آلاف الموظفين والعمال ورميهم بالشارع لمفاقمة أزماتنا.
المطلوب وقفة جادة من جميع مؤسساتنا، بما فيها الجهات الشعبية والنقابية الداعية للمقاطعة، موازنة إيجابيات المقاطعة بأضرارها، والبحث عن معادلة تنقذ مؤسساتنا الوطنية واقتصادنا من المزيد من الخسائر الفادحة والبحث عن آليات منتجة أكثر لدعم معركتنا مع عدونا دون أن نطلق النار على أقدامنا.