المواطن محرك النمو.. دعوات لرفع القوة الشرائية لإنعاش الحركة التجارية
الغد-عبدالرحمن الخوالدة
تحفيز الاستهلاك المحلي لم يعد ترفا اقتصاديا، بل ضرورة ملحة لتحقيق النمو المتوازن وتعزيز الاستقرار المالي والاجتماعي في الأردن، لا سيما في ظل استمرار التحديات الخارجية والضغوطات الداخلية التي تواجه الاقتصاد الوطني، بحسب خبراء.
ويرى هؤلاء الخبراء أن دعم الطلب المحلي يمثل حجر الأساس لأي استراتيجية تنموية فاعلة، بما يتطلبه ذلك من سياسات مالية جريئة ترفع دخل الأفراد وتدعم الإنتاج المحلي.
واعتبر الخبراء في تصريحات لـ"الغد"، أن البيانات المالية الصادرة مؤخرا عن وزارة المالية، والتي أظهرت ارتفاع الإيرادات المحلية خلال الشهرين الأولين من العام 2025 بمقدار 95.9 مليون دينار مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، تعكس بوضوح حيوية السوق المحلي.
وقد بلغت الإيرادات الضريبية 1089.5 مليون دينار، منها 731.8 مليون دينار من ضريبة السلع والخدمات، وهو ما يضع الاستهلاك المحلي في موقع القلب من معادلة الاقتصاد الوطني.
ويحذر الخبراء من أن استمرار التركيز على الضرائب غير المباشرة، دون إصلاح ضريبي عادل يراعي العدالة الاجتماعية ويحد من التهرب الضريبي، قد يفاقم الأعباء المعيشية، ويقوض الجهود الرامية إلى تعزيز الطلب الداخلي. كما يشيرون إلى أن التوسع في الاستهلاك، إذا لم يترافق مع زيادة الإنتاج، قد يؤدي إلى موجات تضخمية تؤثر سلبا على المستهلك.
تعزيز الاستهلاك المحلي ضرورة وطنية
وأكد الخبير الاقتصادي وجدي مخامرة أن بيانات المالية العامة للشهرين الأولين من عام 2025 تعكس تحسناً ملموساً في الإيرادات المحلية، إذ سجلت ارتفاعا بنحو 95.9 مليون دينار مقارنة بالفترة ذاتها من العام الماضي. وأشار إلى أن الجزء الأكبر من هذا التحسن جاء نتيجة ارتفاع الإيرادات الضريبية، وبشكل خاص ضريبة السلع والخدمات، ما يبرز الدور المحوري الذي يلعبه القطاع الاستهلاكي في تحريك عجلة الاقتصاد الأردني.
واعتبر مخامرة، أن تعزيز الاستهلاك المحلي لم يعد مجرد خيار اقتصادي، بل أصبح ضرورة لتحقيق نمو مستدام واستقرار مالي واجتماعي في البلاد. فالبيانات تشير إلى أن ضريبة السلع والخدمات وحدها أسهمت بـ731.8 مليون دينار من إجمالي الإيرادات الضريبية، وهو ما يعكس ارتباط الأداء المالي العام بمستوى الطلب المحلي. ولفت إلى أن زيادة الاستهلاك تؤدي إلى رفع الطلب على السلع والخدمات، مما يعزز من حجم الإنتاج المحلي، ويدفع باتجاه جذب استثمارات جديدة، ويوسّع من قاعدة الإيرادات الحكومية التي ارتفعت بدورها إلى 1089.5 مليون دينار.
كما شدد على أن الاستهلاك المحلي يشكل أداة فاعلة للحد من الاعتماد على الواردات، عبر تشجيع المنتجات المحلية ودعم الصناعة الوطنية، ما يسهم في تحسين الميزان التجاري وتوفير فرص عمل في قطاعات متعددة، خصوصاً تلك المرتبطة بالإنتاج والخدمات. غير أن تحقيق هذا الهدف يتطلب، بحسب مخامرة، حزمة متكاملة من السياسات تبدأ بتحسين القوة الشرائية للمواطنين، من خلال رفع الحد الأدنى للأجور وتنفيذ برامج دعم دخل تستهدف الفئات الضعيفة، بالإضافة إلى تخفيض الضرائب على السلع الأساسية.
وأشار إلى ضرورة دعم الصناعات المحلية من خلال حوافز ضريبية وتخفيض ضريبة الدخل على الشركات الصغيرة والمتوسطة، مع تحسين جودة المنتجات لتكون قادرة على منافسة السلع المستوردة. كما دعا إلى تحفيز السياحة الداخلية عبر عروض ترويجية وأسعار منافسة، وتعزيز الثقة بالاقتصاد من خلال استقرار السياسات المالية والنقدية، بما في ذلك تخفيض أسعار الفائدة على القروض الاستهلاكية لتمكين الأسر من الشراء والإنفاق.
وفي السياق الضريبي، طالب مخامرة بمراجعة شاملة للنظام الحالي، بحيث يُخفف العبء عن المستهلك عبر تخفيض الضرائب غير المباشرة، مقابل تعزيز الضرائب التصاعدية على الدخل، إلى جانب تحسين آليات التحصيل ومكافحة التهرب الضريبي. كما نوه إلى أهمية تعزيز الإيرادات غير الضريبية من خلال الاستثمار في مشاريع حكومية مدرة للدخل، مثل الطاقة المتجددة التي حققت 354.7 مليون دينار خلال الأشهر الأولى من العام، إضافة إلى التوجه نحو خصخصة مدروسة لبعض الخدمات بما يحافظ على جودتها ويعزز من موارد الدولة.
ورغم هذه الإمكانيات، حذر مخامرة من عدد من التحديات التي قد تعيق جهود تعزيز الاستهلاك، وفي مقدمتها خطر التضخم الناتج عن زيادة الطلب إذا لم يقابله نمو في المعروض، واستمرار الاعتماد المفرط على الضرائب غير المباشرة، وارتفاع معدلات البطالة التي تصل إلى نحو 23 %، ما يحد من القدرة الشرائية لشريحة واسعة من السكان.
وختم مخامرة بالقول إن السياسات الاقتصادية في هذه المرحلة يجب أن تُبنى على قراءة دقيقة للواقع المالي والاجتماعي، بما يضمن تصميم برامج ذكية تدعم الاستهلاك دون الإضرار بالإيرادات، وتسهم في بناء اقتصاد أكثر مرونة واستدامة.
تحفيز الاستهلاك المحلي يرتبط بنمو متوازن وإصلاحات جذرية
من جانبه، قال الخبير الاقتصادي زيان زوانة إن تحفيز الاستهلاك المحلي لا يمكن فصله عن تحقيق نمو اقتصادي متوازن، يتيح خلق فرص عمل حقيقية وزيادة دخول المواطنين، مؤكدا أن هذا الهدف يتطلب إصلاحات قطاعية معمقة، لا سيما في سوق العمل، من خلال معالجة اختلالاته وتعزيز كفاءته.
وأوضح زوانة أن طبيعة الاقتصاد الأردني الصغيرة لا تسمح بالاعتماد المطلق على الاستهلاك المحلي كمحرك للتنمية، ما يجعل من الضروري المضي قدما بإصلاحات هيكلية تمس قطاعات حيوية مثل الطاقة، والمياه، والنقل، والمالية العامة، إلى جانب الإدارة العامة، لضمان بيئة اقتصادية محفزة ومستقرة
وشدد زوانة على ان معالجة اختلال المالية العامة يجب أن تكون أولوية قصوى لدى صناع القرار، من خلال تبني توجه رسمي سريع نحو تقليص الاعتماد على المديونية والمساعدات الخارجية، والعمل في المقابل على وقف الهدر، وتقليل الفواقد في قطاعات الطاقة والمياه، وتعظيم الجدوى الاقتصادية للإنفاق العام، بما يضمن إدارة مالية رشيدة ومستدامة.
الاقتصاد الأردني ليس بمنأى عن التحديات الإقليمية
بدوره، أكد الخبير الاقتصادي زياد الرفاتي، أن الاقتصاد الأردني يتأثر بشكل مباشر بالتحديات الجيوسياسية والاقتصادية التي تمر بها المنطقة، مشيراً إلى أن تأثر القطاعات الاقتصادية المختلفة، بما في ذلك قطاع التصدير، يُعزى إلى حالة عدم الاستقرار في الإقليم.
وأوضح الرفاتي، أن التوترات المتصاعدة في المنطقة أدت إلى تهديد الممرات المائية الحيوية واضطراب سلاسل الإمداد والتوريد، ما أسهم في ارتفاع كلف الشحن والتأمين، وانعكس سلباً على النشاط التجاري، والقدرات الشرائية للمستهلكين، وزاد من حدة شح السيولة ومحدودية الموارد المالية.
وبين أن ضعف القدرة الشرائية من أبرز العوامل التي تعيق الحركة التجارية وتضعف الطلب على السلع والخدمات، ما يدفع المستهلكين إلى إعادة ترتيب أولوياتهم في الإنفاق وتقييد الاستهلاك غير الأساسي.
وشدد الرفاتي على أهمية تحفيز الاستهلاك المحلي من خلال تعزيز القدرات الشرائية للأفراد، وتوفير مساحة مالية كافية تتيح التنويع في الإنفاق، دون اقتصاره على الاحتياجات الأساسية، وهو ما من شأنه تحريك عجلة الاقتصاد.
كما دعا الرفاتي إلى تشجيع العاملين في الاقتصاد غير الرسمي (الظل) وأصحاب العمل على الانخراط في الاقتصاد الرسمي، من خلال سنّ قوانين وأنظمة داعمة، وتقديم حوافز تُسهم في رفع مستوى الإنفاق والنمو الاقتصادي، إلى جانب توفير الحماية القانونية، وتعزيز الاستقرار الوظيفي والاستدامة المالية.