الغد-عبدالرحمن الخوالدة
أكدت لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا "الإسكوا" مؤخرا، أن برامج الحماية الاجتماعية القائمة على التحويلات النقدية المباشرة التي قدمتها الحكومة الأردنية في السنوات الأخيرة، ساهمت بشكل كبير في تحقيق الاستقرار الاقتصادي وتعزيز القدرات المالية، للفئات الهشة وللأسر الفقيرة.
بينت "الإسكوا" في دراسة أصدرتها حديثا تحت "عنوان الفوائد الاقتصادية للحماية الاجتماعية الشاملة الحماية الاجتماعية كعامل استقرار اقتصادي تلقائي ومضاعف مالي"، أن برامج التحويلات النقدية المباشرة التي أطلقتها الحكومة الأردنية خلال جائحة "كورونا" لمعالجة التحديات الاقتصادية المرتبطة بالوباء، كانت من الأدوات المهمة والفاعلة لتحقيق الاستقرار الاقتصادي والمعيشي إبان جائحة "كورونا". لافتة إلى أن هذا النوع من برامج الحماية الاجتماعية أثبت فعاليته مع الأسرة الفقيرة التي تتلقى تحويلات نقدية من خلال صندوق المعونة الوطنية.
وأوضحت الدراسة التي تركزت بشكل رئيسي على تحليل شامل لحالتي بلدين هما الأردن والبرازيل، أن برنامج التحويلات النقدية المستهدف للعمالة غير الرسمية في الأردن والذي أطلق خلال فترة الجائحة، يعد من أكثر برامج الحماية الاجتماعية التي تركت أثرا إيجابيا اقتصاديا واجتماعيا محليا، خلال السنوات الأخيرة. إذ كانت التحويلات النقدية التي استفاد منها قطاع العمل غير الرسمي واسع النطاق في الأردن بمثابة ملاذ آمن لآلاف الأسر في السنوات الماضية.
يشار إلى أن الحكومة الأردنية، كانت أطلقت خلال جائحة "كورونا"، مجموعة من برامج الحماية الاجتماعية لدعم الأسر الفقيرة والعاملين المتضررين من الجائحة، ومنها برنامج التحويلات النقدية للأسر الفقيرة والذي استفادت منه نحو 420 ألف أسرة فقيرة، إضافة إلى برنامج استدامة والذي استفاد منه حوالي مائة ألف عامل، وبرنامج استدامة+ والذي كان موجها للشركات المتضررة من الإغلاق العام خلال "كورونا"، لتمكينها من استمرارية العاملين لديها، إذ بلغ إجمالي حجم هذه البرامج نحو مليار دولار، تم تمويلها من قبل مجموعة من الجهات المانحة وفي مقدمتها البنك الدولي.
ولفتت الدراسة التي تم إصدارها أواخر شهر تموز(يوليو) الماضي، إلى أن أحد أبسط الوسائل لقياس التأثير الإيجابي المضاعف لبرامج الحماية الاجتماعية ولا سيما، المتعلقة بالتحويل النقدي على استقرار الاقتصاد المحلي، هو برامج المال مقابل العمل المؤقت التي كثير ما تستخدم بهدف مساعدة اللاجئين السوريين والمجتمعات المحلية المستضيفة لهم في الأردن، والتي عادة ما يتم تقديمها من قبل الشركاء والمانحين الدوليين، إذ توفر هذه البرامج فرص عمل مؤقتة لهؤلاء اللاجئين وأبناء الأسر الفقيرة من المجتمعات المستضيفة، في قطاعات البناء ومشاريع البنية التحتية العامة، مثل الطرق، الصيانة والري، مما ينعكس على تحسن الواقع المعيشي لهذه الفئات.
وخلصت الدراسة، إلى أن معظم دخل النقد مقابل العمل الذي يستفيد منه بعض اللاجئين السوريين وأبناء المجتمعات المستضيفة لهم في الأردن، يتم إنفاقه بدلا من إدخاره، حيث إن في ذلك تأثيرا غير مباشر على تحسين الاقتصاد المحلي، وتفيد نتائج استطلاع أجرتها الدراسة للمستفدين من البرنامج المشار إليه، بأن 30 % من المستفيدين من هذا البرنامج ينفقون التحويلات النقدية التي يحصلون عليها على الغذاء، فيما ينفق 47 منهما هذا الدخل على إيجارات السكن، و22 % على سداد الديون.
وأكدت الدراسة أن أغلب المستفيدين من برامج الحماية الاجتماعية القائمة على التحويلات النقدية في كل من الأردن ولبنان وسورية، يميلون بشكل عام إلى إنفاق أموالهم خاصة على السلع الاستهلاكية ، مما يعزز من حجم النشاط الاستهلاكي الداخلي ويعزز نموه، وهو ما يدعم الاستقرار الاجتماعي لهذه الفئات المستفيدة من التحويلات وفي الوقت ذاته، يدعم استقرار الاقتصادات الوطنية في هذه الدول آنفة الذكر.
وشددت الدراسة، على أن إحدى الطرق الرئيسية التي تستطيع الحكومات أثناء الأزمات من خلالها جعل اقتصاداتها قادرة على الصمود في مواجهة الصدمات المتغيرة، هي إرساء نظم حماية اجتماعية مرنة ومتنوعة، قادرة على استدامة الدعم الموجه للقطاعات الصحية والتقاعدات المعيشية والبطالة، مما يحد من تأثر هذه الدول على المدى الطويل وفي حال استمرار الأزمات من الانكماش الاقتصادي وارتفاع مستويات البطالة لديها.
وأكدت الدراسة، أنه يمكن لسياسات الحماية الاجتماعية في حال، إذا كانت موجهة بشكل جيد أن تساهم في تحقيق عوائد إيجابية للاقتصاد. إذ إن العامل الرئيسي الذي يحدد ما إذا كانت هذه السياسات تولد مضاعفات هو ما إذا كانت تستهدف بشكل مناسب أكثر المواطنين الذين يعانون من قيود السيولة أم لا، حيث إن المواطنين الذين يعانون من محدودية السيولة هم الأكثر احتمالا للإنفاق في حال حصولهم على التحويلات، ومن هنا يتم تمرير فوائد هذه البرامج في جميع أنحاء الاقتصاد.
وأشارت الدراسة إلى أن هناك أدلة قوية على أن الاستثمار في الحماية الاجتماعية الشاملة والفعالة يساعد في تحقيق عوائد اقتصادية للدول، كما يمكن لها أن تخفف من آثار الأزمات.
وبينت الدراسة أن لأنظمة الحماية الاجتماعية الشاملة كذلك، فوائد حتى خارج أوقات الأزمات، حيث إن برامج الحماية هذه عادة ما تسمح للحكومات بتوجيه الموارد نحو أولئك الذين يحتاجون إليها، ما يؤكد أنها من أكثر الوسائل الفعالة لضمان استقرار الموارد الحكومية، كما أنه عندما يتم تطبيق مثل هذه السياسات، أن تكون الحكومات قادرة على الاستجابة بسرعة للأزمات والحد من آثارها وضمان استدامة الاقتصاد ورفاهية المواطنين، وبالتالي فإن برامج الحماية الاجتماعية لا يقتصر إطلاقها خلال الأزمات أو لدعم الفئات الهشة، بل إن وجودها ضروري من أجل تحقيق التكامل الاجتماعي والمالي والاقتصادي، وخدمة السياسات الاقتصادية واسعة النطاق لأي بلد.