الغد-رهام زيدان
بينما تتزايد ضغوط ارتفاع كلف الإنتاج في بعض بلدان العالم لاسيما في "الاقتصادات المحدودة" التي تعاني من تضخم أسعار الطاقة، بات ملف كفاءة استهلاك الطاقة في الأردن عاملاً حاسماً في تعزيز تنافسية المنشآت الصناعية واستدامتها.
وبحسب عاملين في القطاع، يبرز التدقيق الطاقي كأداة إستراتيجية تمكن المصانع من فهم أنماط استهلاكها، ورصد مواطن الهدر، واقتراح حلول عملية لتحسين الأداء الطاقي.
ولا يقتصر أثر التدقيق الطاقي على خفض التكاليف التشغيلية فحسب، بل يمتد أيضاً إلى تقليل الانبعاثات الكربونية، وتعزيز الالتزام بالمعايير البيئية الدولية.
ويعرف التدقيق الطاقي وفقاً لمتخصصين بأنه إجراء دراسات استشارية وفنية لأنماط استهلاك الطاقة في المباني على اختلاف أنواعها، بهدف فهم وتحديد مواضع الهدر في الموارد، وتخفيض الاستهلاك في أنظمة الطاقة، ومعرفة إمكانية تطبيق حلول كفاءة الطاقة بما يقلل التكاليف الاقتصادية.
قصص نجاح ودور غرف الصناعة
في هذا الشأن، قال رئيس غرفتي صناعة الأردن وعمان م.فتحي الجغبير إن "القطاع الصناعي سجل العديد من قصص النجاح من خلال مخرجات دراسات التدقيق الطاقي".
وأوضح الجغبير أن هذه الدراسات شملت مختلف الجوانب في المصانع، بما فيها خطوط الإنتاج، مع تقديم التوصيات اللازمة لتخفيف الهدر وزيادة الكفاءة، مما أسهم في خفض كلف الطاقة، التي تُعد عنصراً رئيساً في مدخلات الإنتاج، وهو ما انعكس على زيادة الإنتاجية وخفض كلف التصنيع.
وبحسب الجغبير، بلغ متوسط نسب التوفير في دراسات التدقيق حوالي 23 %، فيما وصلت في بعض المصانع إلى أكثر من 50 %، ما يشير بوضوح إلى أهمية هذه الدراسات ومساهمتها المباشرة في تعزيز تنافسية المصانع عبر خفض كلف الطاقة، التي تشكل التحدي الأبرز أمامها.
كما أشار الجغبير إلى وجود مشاريع متخصصة لدعم عمليات التدقيق الطاقي في القطاع الصناعي، أبرزها برنامج دعم تنفيذ تقنيات كفاءة الطاقة في المنشآت الصناعية، الذي ينفذه صندوق تشجيع الطاقة المتجددة وترشيد الطاقة التابع لوزارة الطاقة والثروة المعدنية بالشراكة مع مركز الطاقة والاستدامة البيئية في غرفة صناعة الأردن.
دعم مالي وفني من صندوق الطاقة المتجددة
قال الجغبير إن "المشروع يقدم دعماً مالياً وفنياً للمنشآت الصناعية الصغيرة والمتوسطة لتحقيق وفورات ملموسة في استهلاك الطاقة، عبر تحفيز المصانع لتطبيق أفضل الممارسات في مجال ترشيد استهلاك مصادر الطاقة المختلفة".
وبلغ عدد الدراسات المنجزة ضمن هذا البرنامج نحو 152 دراسة حتى الآن، مع ربط مخرجاتها بعدد من المشاريع التطبيقية كما تم خلال عامي 2023 و2024 إجراء أكثر من 116 دراسة تدقيق موزعة على مختلف القطاعات الصناعية الفرعية العشر.
مبادرات الصندوق لتوسيع نطاق التدقيق الطاقي
من جانبه، أوضح المدير التنفيذي لصندوق الطاقة المتجددة وترشيد الطاقة د.رسمي حمزة، أن الصندوق عمل منذ تأسيسه على توفير سوق نشطة للتدقيق الطاقي، مع تأهيل الشركات المتخصصة للقيام بهذه الدراسات.
كما أطلق الصندوق برنامجاً خاصاً لدراسات التدقيق الطاقي في القطاعات والمباني الحكومية، وبرنامجاً مماثلاً للقطاع الصناعي، مع تقديم دعم مالي كامل بقيمة 10 آلاف دينار لإجراء دراسات التدقيق بالإضافة إلى ذلك، صمم الصندوق برنامجاً تمويلياً بالتعاون مع البنوك التجارية لتمويل تنفيذ توصيات هذه الدراسات.
وأكد حمزة أن التدقيق الطاقي يمثل خطوة فنية ضرورية تسبق تنفيذ مشاريع الطاقة المتجددة، إذ يوقف الهدر ويحسن بيئة العمل.
وبيّن أن الصندوق أنجز خلال العام الماضي 100 دراسة تدقيق طاقي للمصانع، فيما بلغت التكلفة الكلية لبرنامج التدقيق الطاقي لقطاع الصناعة في عام 2024 نحو مليون دينار.
وأشار حمزة إلى أن البرنامج يمثل ركيزة أساسية للانتقال الطاقي المستدام المبني على أسس صحيحة، لافتاً إلى أن ترشيد استهلاك الطاقة في المباني يعد استثماراً مجدياً يوفر في الفاتورة السنوية بشكل جذري.
وكشف عن توسع الصندوق في تطبيق البرنامج ليشمل القطاع السياحي وقطاع المستشفيات الحكومية والخاصة، إذ أنجز برنامجاً لترشيد الطاقة لفنادق البترا ويواصل حالياً العمل في فنادق العقبة.
اتفاقيات وبرامج مستمرة لتحقيق الأهداف المناخية
بحسب بيانات وزارة الطاقة والثروة المعدنية، فإن العدد الإجمالي للاتفاقيات الموقعة مع المنشآت الصناعية بلغ 139 اتفاقية، في إطار التزام الوزارة وصندوق الطاقة المتجددة بتنفيذ برامجهما لتحقيق كفاءة الطاقة ومواجهة تحديات التغير المناخي.
القطاع الصناعي: التدقيق الطاقي ضرورة إستراتيجية
بدوره، قال رئيس جمعية مستثمري مدينة شرق عمان الصناعية د.إياد أبو حلتم إن "القطاع الصناعي وغرف الصناعة ينفذون برامج تدقيق طاقي منذ سنوات، إدراكاً منهم لأهمية هذه الأداة في خفض الكلف التشغيلية المرتبطة بالطاقة".
وأكد أبو حلتم أن التدقيق الطاقي يمثل شرطاً أساسياً لاستكمال الانتقال إلى استخدام مصادر طاقة متجددة وكفؤة داخل المصانع، مشيراً إلى أن العديد من الحالات أظهرت تحقيقا لوفر يتراوح بين 25 % إلى 30 % في التكاليف التشغيلية نتيجة تطبيق مخرجات التدقيق.
وأشار إلى أن التدقيق يكشف بوضوح عن مواطن الضعف في أنظمة التصنيع المختلفة، مثل أنظمة الحركة، التدفئة، الإضاءة، وضغط الهواء، مما يسهم في تحسين الأداء العام للمصنع.
وبيّن أن بعض المصانع نفذت مشاريع مبتكرة مثل إعادة استخدام الحرارة المولدة ضمن أنظمة مغلقة، مما حقق وفورات إضافية.
وأكد أن أي مصنع يرغب في الاستفادة من مشاريع الطاقة الشمسية أو الطاقة الحرارية لا بد له من تنفيذ دراسة تدقيق طاقي كخطوة أولى لضمان استثمار ناجح ومُجْدٍ.