الغد-هبة العيساوي
في وقت تباينت فيه الأرقام حول أعداد العمالة غير الأردنية بخاصة في القطاع غير المنظم وعدم وجود قواعد بيانات دقيقة، أكد خبراء في قطاع العمل أن التفاوت الكبير في تقديرات أعداد العمالة غير الأردنية في الأردن يعكس أزمة هيكلية عميقة بإدارة وتنظيم سوق العمل.
وأشار هؤلاء في تصريحات منفصلة لـ"الغد"، إلى أن الأرقام المتداولة، التي تتراوح بين 400 ألف و1.5 مليون عامل وافد، تؤكد غياب قاعدة بيانات وطنية موحدة وموثوقة تُشكّل مرجعية حقيقية للسياسات الحكومية.
وأضاف الخبراء، أن هذا التضارب لا يرتبط فقط بضعف التنسيق بين الجهات الرسمية المعنية، بل يكشف عن خلل مؤسسي بآليات جمع البيانات وتحديثها، الأمر الذي يربك برامج التشغيل والإحلال، ويضعف قدرة الدولة على فرض معايير العمل وضمان الحماية الاجتماعية.
وتابعوا بالقول: إن غياب المعلومات الدقيقة حول العمالة غير المنظمة يحدّ من كفاءة التخطيط الاقتصادي، ويجعل السياسات الحكومية عرضة للتشكيك بسبب اعتمادها على تقديرات غير موثوقة.
وختموا بالتأكيد على ضرورة إجراء دراسة شاملة لسوق العمل، وإنشاء نظام بيانات موحد بإشراف جهة مختصة، بما يضمن التنسيق والتكامل المؤسسي، ويعزز اتخاذ قرارات قائمة على الأدلة.
تخبط بمعرفة الواقع الحقيقي
وفي السياق، قال خبير التأمينات والحماية الاجتماعية موسى الصبيحي إن تصريحات وزير العمل الأخيرة حول حجم العمالة غير الأردنية على الأرض الأردنية تكشف حجم التخبّط في معرفة الواقع الحقيقي لسوق العمل، وتُظهر غياب البيانات الدقيقة، بل والتضارب الصريح في الأرقام.
وأضاف، إن الوزير صرّح في لقاء مع "جماعة عمان لحوارات المستقبل" في الـ16 شباط "فبراير" الماضي، بأن عدد العمالة الوافدة لا يتجاوز 400 ألف عامل مع أسرهم، واعتبر أن رقم المليون عامل "رقم وهمي لا يستند إلى أي دراسات علمية".
وتابع قائلاً: "لكن الوزير نفسه عاد وقال في مقابلة على شاشة تلفزيون المملكة في 1 أيار "مايو" الحالي، إن عدد العمالة الوافدة يبلغ 1.2 مليون عامل يعملون في القطاعات غير المنظّمة".
وزاد الصبيحي أن الوزير ظهر مجدداً على شاشة التلفزيون الأردني في الثاني من الشهر الحالي، ليؤكد أن حجم العمالة الوافدة الإجمالي في الأردن يصل لـ1.570 مليون عامل، ما يعني، حسب قوله، أن نحو 370 ألف عامل فقط يعملون في قطاعات منظمة ويمتلكون تصاريح عمل.
وأوضح الصبيحي أن هذا التناقض يطرح تساؤلات خطيرة حول دقة المعلومات التي تستند إليها السياسات الحكومية، ويؤشّر لإخفاق كبير بضبط وتنظيم سوق العمل، ما قد يكون كلف الدولة مئات الملايين من الدنانير بدل تصاريح عمل مفقودة، واشتراكات ضائعة للضمان الاجتماعي.
وختم الصبيحي بالقول: "على رئيس الوزراء أن يبحث عن الرقم الحقيقي، وأن يضع النقاط على الحروف، لأن نجاح الحكومة في رؤية التحديث الاقتصادي واستحداث 100 ألف فرصة عمل سنوياً للأردنيين، يبدأ من تصحيح الأرقام وفهم الواقع كما هو لا كما يُراد له أن يُقال".
غياب مؤشرات إحصائية دقيقة
بدوره، قال مدير مركز الفينيق للدراسات الاقتصادية والمعلوماتية أحمد عوض إن التفاوت الكبير في التقديرات المتعلقة بأعداد العمالة غير الأردنية في الأردن يعكس مشكلة بنيوية خطيرة، تتمثل بغياب مؤشرات إحصائية دقيقة وشاملة، سواء لسوق العمل بشكل عام أو للعمالة الوافدة بشكل خاص.
وأضاف، إن هذا الخلل في البيانات ينعكس مباشرة على فعالية السياسات المرتبطة بسوق العمل، خصوصاً سياسات التشغيل وتنظيم العمالة، حيث إن الاعتماد على تقديرات غير دقيقة يعوق القدرة على التخطيط الفعّال، ويحد من كفاءة التدخلات الحكومية لتحقيق التوازن المطلوب بين العرض والطلب في سوق العمل.
وشدد عوض على ضرورة أن تقوم الحكومة، ممثلة بوزارة التخطيط والتعاون الدولي، ودائرة الإحصاءات العامة، بإجراء دراسة شاملة ومتكاملة حول واقع العمالة في الأردن، بالتعاون مع وزارة الداخلية التي تمتلك قواعد بيانات دقيقة حول أعداد الداخلين والخارجين من المنافذ الحدودية المختلفة.
وأشار إلى أن هذه الدراسة لا يجب أن تقتصر فقط على العمالة الوافدة، بل يجب أن تشمل أيضاً تقدير الحجم الحقيقي للقوى العاملة، بما في ذلك العمالة غير المنظمة، التي تُقدّر اليوم بناءً على افتراضات دون سند بيانات دقيق، رغم مساهمتها الكبيرة في الاقتصاد الوطني.
وتابع: "إن توفير بيانات موثوقة وشاملة حول سوق العمل يُعد شرطاً أساسياً لنجاح أي إصلاح اقتصادي أو اجتماعي في مجالات التشغيل والتنمية وتنظيم سوق العمل".
أزمة بنيوية بإدارة
ملف العمالة غير الأردنية
من جانبه ، قال رئيس بيت العمال، حمادة أبو نجمة إن تضارب الأرقام الرسمية حول حجم العمالة الوافدة في الأردن يكشف عن أزمة بنيوية حقيقية في إدارة ملف العمالة غير الأردنية، مشيراً إلى أن التقديرات التي تتراوح بين 400 ألف و1.5 مليون عامل وافد، تعكس غياب مرجعية وطنية موحدة للبيانات تُبنى عليها السياسات والقرارات.
وأضاف، إن هذا التضارب لا يمكن تفسيره إلا عبر تعدد الجهات الرسمية التي تتعامل مع ملف العمالة الوافدة دون تنسيق فعلي بينها، ما أدى لتشتت البيانات وازدواجية في المعلومات والقرارات.
وأوضح أن البيانات المتعلقة بالعمالة موزعة بين وزارات ومؤسسات مثل وزارات العمل، والداخلية، والأمن العام، والضمان الاجتماعي، ودائرة الإحصاءات العامة، إلا أن كل جهة تدير بياناتها بمعزل عن الأخرى، ودون آلية إلزامية لتبادلها أو توحيدها.
وأكد أن غياب قاعدة بيانات وطنية موحدة يعيق تطوير سياسات فعالة لتنظيم سوق العمل، ويُربك برامج الإحلال والتدريب، ويضعف قدرة الجهات المعنية على مراقبة الانتهاكات أو فرض تطبيق الحد الأدنى للأجور، كما يحد من إمكانية توسيع مظلة الحماية الاجتماعية أو تقديم الخدمات المناسبة للعمال، خاصة في ظل ارتفاع نسب العمالة غير المنظمة.
وأشار إلى أن تقرير منظمة العمل الدولية لعام 2022 شدد على أن ضعف التنسيق المؤسسي وتعدد قواعد البيانات من أبرز التحديات التي تواجه حوكمة هجرة اليد العاملة في الأردن، موصياً بإنشاء نظام بيانات موحد ومترابط بين جميع الجهات المعنية، على غرار ما قامت به دول مثل سنغافورة والإمارات، التي نجحت في تتبع العامل منذ دخوله وحتى انتهاء علاقته التعاقدية.
وتابع: "لا يمكن الاستمرار في إدارة هذا الملف بشكل مجزأ، فالأرقام المتضاربة تُفقد السياسات مصداقيتها، وقد بات ضرورياً إنشاء قاعدة بيانات موحدة بإشراف جهة رسمية واحدة، تُنظم بموجب نص تشريعي ملزم، يضمن تحديثها المستمر وانسيابية تبادلها، ويمنع احتكار المعلومات، وإلا فستظل سوق العمل رهينة التخبط والتقديرات المتباينة".