الغد-ابراهيم المبيضين
أكد خبراء في قطاعات التقنية والاقتصاد الرقمي يوم أمس أن زيارة رئيس وزراء جمهورية الهند ناريندرا مودي للمملكة، بدعوة من جلالة الملك عبدالله الثاني، تفتح آفاقا واسعة لمرحلة جديدة من الشراكة الإستراتيجية بين الهند والأردن، وخصوصا في القطاع التقني والاقتصاد الرقمي، خصوصا أن الهند اليوم تعد من أسرع الاقتصادات الكبرى نموا في العالم، وتحقق تقدما لافتا في مجالات الشركات الناشئة، والتصنيع، والدفاع، والتحول الرقمي، والذكاء الاصطناعي، والحوسبة الكمية.
وقال الخبراء إن الأردن يمكن أن يستفيد من توطيد العلاقات الاقتصادية مع الهند والاستفادة من خبرات كبيرة وتجارب عالمية في مجال تعزيز الاقتصاد الرقمي، وبناء القدرات والمهارات الرقمية وخصوصا مجالات البرمجة، وآليات تنظيم القطاع التقني ودعم عمليات التحول الرقمي.
وأكدوا أن هذه الزيارة ستفتح آفاق كبيرة لاستفادة الشركات التقنية الأردنية في فتح أسواق جديدة في آسيا وإفريقيا، وبناء شراكات، فضلا عن التعاون في مجالات بناء القدرات وتعزيز المهارات في مجالات الذكاء الاصطناعي والأمن السيبراني وغيرها من التوجهات.
وتمتلك الهند منظومة متكاملة تشمل تعليما هندسيا واسع النطاق، شركات تكنولوجيا عالمية، ومجتمع شركات ناشئة يتجاوز 100 ألف شركة، إضافة إلى ريادتها في البرمجيات، والخدمات الرقمية والتقنيات الحديثة.
وبلغ حجم الاقتصاد الرقمي في الهند حوالي 370 مليار دولار أميركي في عام 2023. ومن المتوقع أن يتجاوز تريليون دولار أميركي بحلول عام 2030، كما ويعد الاقتصاد الرقمي الهندي ثالث أكبر اقتصاد رقمي في العالم من حيث الرقمنة على مستوى الاقتصاد الكلي.
تميز الهند في الاقتصاد الرقمي
وقال الخبير في مجال الذكاء الاصطناعي والتحول الرقمي المهندس هاني البطش إن الهند "تُعدّ اليوم إحدى القوى العالمية المحرّكة للاقتصاد الرقمي، ليس فقط بحجم سوقها أو عدد مهندسيها، بل بقدرتها المؤسسية على تحويل البرمجة والتقنية إلى رافعة سيادية للنمو".
وبين البطش أن الهند تمتلك منظومة متكاملة تشمل تعليما هندسيا واسع النطاق، شركات تكنولوجيا عالمية، ومجتمع شركات ناشئة يتجاوز 100 ألف شركة، إضافة إلى ريادتها في البرمجيات، والخدمات الرقمية، والذكاء الاصطناعي، والحوسبة السحابية، والتقنيات المالية.
وأشار إلى أهمية نجاح الهند في الانتقال من نموذج "تعهيد الخدمات" إلى نموذج "بناء المنصات والحلول العالمية"، كما يظهر في أنظمة الهوية الرقمية، والمدفوعات الوطنية، والخدمات الحكومية الذكية.
مجالات استفادة الأردن من الهند في الجانب التقني
ويرى البطش أن الأردن بتعاونه مع الهند هو يوفر " فرصة إستراتيجية للاستفادة من التجربة الهندية في بناء القدرات الرقمية على المستوى الوطني"، خصوصًا في مجالات تطوير المهارات البرمجية المتقدمة، والتحول الرقمي الحكومي، وبناء منصات وطنية منخفضة التكلفة وعالية التأثير. فضلا عن إمكانية استفادة الأردن من الخبرة الهندية في ربط البحث العلمي بالصناعة، وفي تطوير حلول ذكاء اصطناعي تطبيقية لقطاعات حيوية مثل الصحة، والتعليم، والطاقة، وإدارة المياه، والخدمات البلدية. إضافة إلى ذلك، تشكل الهند شريكًا مهمًا في نقل المعرفة وليس فقط الاستثمار، وهو ما يتناسب مع طموح الأردن في بناء اقتصاد قائم على المعرفة وليس الاستهلاك التكنولوجي
فتح آفاق أمام الشركات التقنية
وأكد البطش أن توطيد العلاقة التقنية–الاقتصادية مع الهند يفتح أمام الشركات التقنية الأردنية آفاقا واسعة للدخول في سلاسل القيمة العالمية، سواء عبر الشراكات المشتركة، أو التعاقدات العابرة للحدود، أو التطوير المشترك للمنتجات الرقمية.
وقال : " يمكن للشركات الأردنية الاستفادة من السوق الهندي الضخم كمنصة اختبار وتوسّع، وفي المقابل تقديم حلول متخصصة ومرنة تستهدف أسواق الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. على المستوى الإستراتيجي"، لافتا إلى أن بناء شراكة تقنية عميقة مع الهند يعزز من تنافسية الأردن إقليميًا، ويقلل من فجوة الاعتماد على التكنولوجيا المستوردة، ويدعم خلق فرص عمل نوعية، ويضع الأردن كلاعب ذكي في الاقتصاد الرقمي العالمي، لا كمستهلك للتقنية بل كشريك في صناعتها.
يعود تاريخ بداية العلاقات بين الأردن والهند إلى عام 1947، حيث شهد عام 1950 بداية التبادل الدبلوماسي بين البلدين، والتمثيل الدبلوماسي بين الأردن والهند على مستوى السفراء المعتمدين والمقيمين.
ومن جهته قال الخبير الاقتصادي وجدي المخامرة إن زيارة رئيس وزراء الهند إلى الأردن تحمل أهمية كبيرة لتعزيز التعاون الثنائي، خاصة في ظل تفوق الهند في قطاع التقنية والبرمجة، مشيرا إلى انه يمكن لشركات تكنولوجيا المعلومات الأردنية الاستفادة بشكل كبير من التعاون مع نظيراتها الهندية من عدة جوانب ومنها: توسيع الأسواق حيث يمكن للشركات الأردنية إقامة شراكات نوعية مع الشركات الهندية، التي تعد بوابة عالمية للتكنولوجيا.
وقال إن هذا التعاون يفتح الباب أمام الشركات الهندية للتواجد والتوسع اكثر لدخول أسواق منطقة الشرق الأوسط (خاصة دول الخليج) بشكل أوسع، مستفيدةً من خبرة الأردن في هذه الأسواق.
جذب الاستثمارات الهندية
وبين المخامرة أن هذه الزيارة يمكن أن تعزز لاستثمارات المشتركة وجذب استثمارات هندية في قطاعات النمو المتسارع مثل تكنولوجيا المعلومات، الذكاء الاصطناعي، والحوسبة الكمية، وبناء القدرات والاستفادة من الخبرة الهندية في تطوير المهارات والتدريب المشترك، والتعاون في مجال التحول الرقمي من خلال تبادل أفضل الممارسات في مجالات التحول الرقمي والحوكمة الإلكترونية
وقال إن مضمار التعريب في التقنيات الحديثة هو على قدر من الأهمية حيث تستطيع الشركات الأردنية مشاركة خبرتها في تطوير البرمجيات الداعمة للغة العربية، وهو مجال قد يمثل قيمة مضافة للشركات الهندية التي تسعى للتوسع في المنطقة، وفي مجال تطوير المنتجات والتعاون في مجالات تطوير البرمجيات، أمن المعلومات، مراكز الاتصال، وتطوير الألعاب.
ولفت إلى أن هذه الزيارة يمكن أن تعزز من جذب الاستثمارات وزيادة تدفق الاستثمارات الهندية المباشرة وغير المباشرة إلى الأردن، ليس فقط في التكنولوجيا، بل في قطاعات حيوية أخرى مثل الصناعات الدوائية، الطاقة المتجددة، التعدين، والأسمدة
وأكد أهمية الموقع الإستراتيجي للأردن حيث يمثل الأردن بوابة إستراتيجية للشركات الهندية للانطلاق نحو الأسواق الإقليمية والدولية، مستفيداً من اتفاقيات التجارة الحرة التي تربط المملكة مع الولايات المتحدة وأوروبا والدول العربية.
شراكة قائمة على الابتكار
ومن جانبه أكد الخبير في مجال البيانات والتحول الرقمي حمزة العكاليك أن زيارة رئيس الوزراء الهندي إلى الأردن " ليست حدثا بروتوكوليا عابرا، بل علامة فارقة في مسار العلاقات الأردنية-الهندية، ونقطة انعطاف تحمل في طياتها دلالات اقتصادية وتكنولوجية عميقة.
وأضاف العكاليك: "الهند اليوم ليست مجرد دولة ذات كثافة سكانية هائلة وسوق استهلاكي ضخم، بل قوة تقنية صاعدة تُعيد رسم خرائط الاقتصاد الرقمي عالميًا. وفي المقابل، يقف الأردن كدولة صغيرة بالحجم، كبيرة بالطموح، تمتلك رأس مال بشريًا مؤهلًا، وبيئة تنظيمية مرنة، وخبرة متراكمة في قطاع تكنولوجيا المعلومات والخدمات الرقمية. من هنا، تكتسب هذه الزيارة أهميتها باعتبارها فرصة إستراتيجية للانتقال بالعلاقات الثنائية من مستوى التبادل التقليدي إلى شراكة قائمة على المعرفة والتقنية والابتكار".
وقال العكاليك بأن الهند تعد اليوم واحدة من أكبر مراكز التكنولوجيا في العالم، إذ تُشكّل صناعة تكنولوجيا المعلومات والبرمجيات ركيزة أساسية في اقتصادها، مع انتشار عالمي لشركاتها في مجالات تطوير البرمجيات، الذكاء الاصطناعي، الحوسبة السحابية، تحليل البيانات الضخمة، والأمن السيبراني. كما تتميز الهند بقدرتها على إنتاج حلول تقنية واسعة النطاق ومنخفضة الكلفة، مدعومة بجيش من المهندسين والمبرمجين ذوي الكفاءة العالية.
بناء القدرات وتطوير البرمجيات
ويمكن للأردن أن يستفيد من التجربة الهندية في عدة مسارات متكاملة. أولها بناء القدرات، عبر برامج تدريب مشتركة، وتبادل خبرات في تطوير البرمجيات والذكاء الاصطناعي، خصوصًا في القطاعات الحكومية والخدمات العامة. ثانيها نقل المعرفة التنظيمية، إذ تمتلك الهند خبرة واسعة في إدارة مشاريع التحول الرقمي الكبرى، مثل أنظمة الهوية الرقمية، والدفع الإلكتروني، والخدمات الحكومية الرقمية الشاملة. ثالثها الاستثمار المشترك، حيث يمكن استقطاب شركات هندية لإنشاء مراكز تطوير وبرمجة في الأردن، مستفيدة من الموقع الجغرافي، والاستقرار، والكوادر المحلية المؤهلة، لتكون منصة إقليمية تخدم أسواق الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
وأضاف العكاليك بأنه في المقابل، لا يقف الأردن في موقع المتلقي فقط، بل يمتلك أوراق قوة حقيقية. فالشركات التقنية الأردنية معروفة بمرونتها، وقدرتها على تقديم حلول مخصصة، وسرعة التكيف مع احتياجات الأسواق الناشئة. كما يتمتع الأردن بإطار تشريعي وتنظيمي متقدم نسبيًا في مجالات مثل حماية البيانات، والخدمات المالية الرقمية، والتجارة الإلكترونية، ما يجعله بيئة اختبار مثالية للشركات الهندية الراغبة في تطوير حلول متوافقة مع المعايير الدولية. أضف إلى ذلك، موقع الأردن كبوابة للأسواق العربية، وقدرته على توفير فهم عميق للبيئة الثقافية والتنظيمية في المنطقة، وهو ما تفتقر إليه كثير من الشركات الآسيوية عند دخولها هذه الأسواق.
شراكات في تطوير البرمجيات
ويرى العكاليك بأنه يمكن أن يكون هنالك تكامل بين الطرفين يتخذ أشكالًا عملية متعددة. من أبرزها الشراكات في تطوير البرمجيات، حيث تتولى الفرق الهندية المهام واسعة النطاق، بينما تركز الشركات الأردنية على التصميم، وتجربة المستخدم، والتكيّف مع المتطلبات المحلية.
وأشار إلى فرص تبرز في مجال الأمن السيبراني، خاصة في ظل تصاعد التهديدات الرقمية عالميًا، إذ يمكن دمج الخبرة الهندية التقنية مع الفهم الأردني العميق للتشريعات والحوكمة الرقمية. ولا يقل أهمية عن ذلك مجال التكنولوجيا المالية، حيث يستطيع الطرفان تطوير حلول دفع رقمية وخدمات مصرفية مبتكرة تخدم الأسواق الناشئة بكفاءة عالية.