أخبار سوق عمان المالي / أسهم
 سعر السهم
Sahafi.jo | Rasseen.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
  • آخر تحديث
    08-Oct-2018

هل تُسأَلُ الاتفاقيات التجارية الخارجية عن خنق التجارة والتصدير؟ - الدكتور جمال المصري
الراي - شكل الانفتاح الاقتصادي على العالم الخارجي بكافة أبعاده أحد أبرز مرتكزات السياسة الاقتصادية العامة للدولة الأردنية منذ عام 1989 ضمن برنامج طموح لإصلاح نظام التجارة وتحرير الاستثمار الأجنبي المباشر وحركة رأس المال مع العالم الخارجي. وذلك في رؤية استراتيجية بعيدة المدى للتكامل مع الاقتصاد العالمي وانخراط الاقتصاد الأردني فيه بكل ما يوفره ذلك من امتيازات وما يمليه من استحقاقات، أملا في نقله من مرحلة سابقة اتسمت بالحماية والدعم الحكومي والاعتماد على الميزة النسبية إلى مرحلة جديدة قائمة على التحرير الاقتصادي ورفع الإنتاجية والميزة التنافسية المستندة على مبادرات القطاع الخاص بغية تخطي عقبة ضيق السوق المحلية وتحسين مقدرة الشركات المحلية على النفـاذ إلى الأسواق الدوليــة وجذب الاستثمار الأجنبي. وفي سبيل ذلك خطى الأردن خطوات مهمة لتحرير التجارة الخارجية توجت بالانضمام إلى ترتيبات تجارية دولية وإقليمية وثنائية؛ أهمها اتفاقية الانضمام إلى منظمة التجارة العالمية، اتفاقية الشراكة الأردنية الأوروبية المتوسطية، اتفاقية منطقة التجارة الحرة الأردنية الأميركية، واتفاقية منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى، بالإضافة الى عدد من الاتفاقيات الثنائية مع عدد من الدول كتركيا وسنغافورة وغيرها.
وتتمثل السمة المشتركة في هذه الاتفاقيات في سعيها لتخفيض الرسوم الجمركية أو إلغائها كلياً، كما أنها تتجاوز ذلك لتطال قضايا متنوعة كتحرير تجارة الخدمات وحركة رأس المال وحماية حقوق الملكية الفكرية والحفاظ على البيئة وحقوق العمال، إضافة إلى احترام حقوق الإنسان. وبحكم التوقيع على هذه الاتفاقيات، التزم الأردن بتطبيق منظومة من المواصفات والمقاييس وسن عديد من القوانين غطت معظم مناحي الحياة. وقد هدف الأردن من خلال دخوله هذه الاتفاقات الاستفادة من منافع النفاذ إلى الأسواق الأمريكية والأوروبية والعربية، بافتراض تناسبها طردياً مع تحسّن القدرة التنافسية والتصديرية للشركات المحلية التي لن تتحقق تلك المنافع بدونها، علاوة على مكاسب جذب مزيد من الاستثمار الأجنبي المباشر ونقل التكنولوجيا وتعزيز التنافس المحلي، بما ينعكس إيجابا على تعظيم مكاسب التنمية الاقتصادية وزيادة رفاه المواطن.
لقد حفزت هذه الاتفاقات الباحثين والدارسين لإجراء العديد من الدراسات والتحليلات وفتحت المجال واسعا للنقاش بعد ما يقارب عشرين عاما على توقيع أول اتفاقية منها حول جدوى تلك الاتفاقيات وفيما إذا كانت قد حققت هدف «خلق التجارة» بالمعنى الاقتصادي، الذي يعني ببساطة زيادة الصادرات، بأكثر من زيادة المستوردات بين الأردن وأطراف هذه الاتفاقيات أم أنها كانت أداة لخنق التجارة وتراجع مستوى رفاه المواطن.
حيث تتفق غالب هذه الدراسات العلمية على أن هذه الاتفاقيات لم تكن في صالح الاقتصاد الأردني وأنها قد ألحقت به إضرارا وخسائر كبيرة ساهمت في تراجع كثير من الصناعات التصديرية وفي خسارتها لكثير من أسوقها بعد أن كانت تسجل أداء ملفتا خصوصا في عقد التسعينيات من القرن الماضي كصادرات الأدوية والصناعات الغذائية المصنعة على سبيل المثال. كما ترى بأنها قد شكلت حجر عثرة في طريق صادرات الأردن وتجارته وأدت إلى خنق التجارة بدلا من خلقها لتجارة جديدة، علاوة على أنها أدت إلى تحويل التجارة من الدول خارج الاتفاقيات إلى الدول الاطراف في الاتفاقيات. بينما يرى قليلون بأن لها أثار إيجابية وأنها ربما تكون قد أسهمت إلى حد ما في حفز النمو الاقتصادي، ولكن دون أن يقدموا حججا وأدلة مقنعة على ذلك.
وللتأشير على ذلك، يكفي أن نلاحظ التراجع المفجع لنسبة تغطية الصادرات للمستوردات بين الأردن والأطراف الشريكة في هذه الاتفاقيات، بدلا من استخدام نسب الزيادة في الأرقام المطلقة لحجم التجارة لتقرير أثار تلك الاتفاقيات الذي ستعطي نتائج مظللة وغير معبرة. فقد انخفضت نسبة تغطية الصادرات إلى المستوردات في ظل اتفاقية منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى التي وقعت العام 1997من 28 ضعفا إلى 170 %فقط خلال عام 2017 .كما انخفضت من 13 %في العام 2002 مع دول الاتحاد وقت دخول اتفاقية الشراكة حيز النفاذ إلى 3 %في عام 2017 .بالمقابل، ارتفعت نسبة الصادرات إلى المستوردات مع الولايات المتحدة الأميركية في عام 2000 حيث وقعت اتفاقية التجارة الحرة معها من 14 %إلى حوالي 105 %في عام 2017؛ غير أن هذه الزيادة تعكس زيادة الصادرات من الملابس التي تشكل جل الصادرات الأردنية إلى الولايات المتحدة الأميركية والتي استفادت من اتفاقية إقامة المناطق الصناعية المؤهلة أكثر منه من اتفاقية التجارة الحرة.
ولأن تحرير التجارة يؤدي إلى تخفيض جوهري في إيرادات الدولة من الرسوم الجمركية، أقرت الحكومة قانون «الضريبة العامة على المبيعات» وتوسعت فيها لتعويض النقص الحاصل في موارد الخزينة العامة. ولهذا السبب ولوجود آثار ثانوية وغير مباشرة لتحرير التعرفة الجمركية في ظل تلك الاتفاقيات، فإن التأثير على الرفاه للمواطن الأردني، الذي يعد هدفا أساسيا لدخول الدول في اتفاقيات تجارية مع غيرها، كأن سلبيا بشكل كبير.
بالرغم من ضرورة الإقرار بالآثار السلبية لهذه الاتفاقيات وتحميلها المسؤولة، فإن الاتهام يجب أن يوجه بالمقام الأول للحكومات المتعاقبة التي توانت عن تشجيع وتأهيل الشركات المحلية بتحسين قدرتها التنافسية والتصديرية لتكون قادرة على المنافسة في السوق الخارجية وتلبية المتطلبات والشروط التي تنطوي عليها تلك الاتفاقيات من متطلبات قواعد المنشأ والقيود والعوائق غير التجارية، خصوصا مع الإتحاد الأوروبي التي تأخر مسعى إعادة التفاوض حولها وتسهيلها. وعلى العكس من ذلك فقد ضاعفت سياسة فرض الكثير من الرسوم والضرائب على المنتجات الأردنية وتقلص الدعم الحكومي لها عاما بعد عام من ارتفاع كلف الإنتاج وتأكل تنافسيتها وتراجع فرصها في الوصول الى الأسواق الخارجية وتعريضها لمنافسة حادة وشرسة من مستوردات الدول الشريكة، دونما إنكار لدور إغلاق بعض الأسواق في وجه الصادرات الأردنية نتيجة التوترات السياسية في المنطقة.
في ضوء هذه الصورة القاتمة، فالحاجة ملحة بأن تعمل الحكومة على إجراء جردة حساب سريعة لكل الاتفاقيات الموقعة دون استثناء، والسعي الى إعادة التفاوض حول الأحكام التي تضر بمصالح الاقتصاد الأردني، والاستفادة من الأحكام التي تتضمنها كل تلك الاتفاقيات التي تشكل ضوابطعلى عملية الانفتاح والمنافسة الدولية غير المطلقة والتي أوجدت لحماية الاقتصاد المحلي، كالأحكام المتعلقة بحماية ميزان المدفوعات تجاه أية صعوبات حادة واستثنائية، علاوة على التدابير الوقائية لحماية الإنتاج الوطني من المنافسة غير العادلة والإغراق من منتجات مدعومة في بلدان منشائها. ولكن هذا لن يكون كافيا، دون انتهاج الحكومة لسياسة جديدة تضمن دعم الإنتاج المحلي وتقليل الأعباء الضريبية عليه وزيادة القدرة التنافسية ضمن شراكة حقيقية مع القطاع الخاص لتعويض الفرص الضائعة والمهدرة على مدى الأعوام العشرين الماضية لجني المنافع التي أردناها من هذه الاتفاقيات.
* اقتصادي وباحث
jamalmasr@hotmail.com