إيرادات سلطة العقبة الضريبية للخزينة.. هل تعيق مشاريعها الإستراتيجية؟
الغد-أحمد الرواشدة
العقبة- تجدد الحديث في مدينة العقبة في أعقاب مناقشات مشروع قانون الموازنة العامة تحت قبة البرلمان، عن ضرورة إعفاء سلطة منطقة العقبة الاقتصادية الخاصة ما تورده من إيراداتها لخزينة الدولة بنسبة 60 % مقابل احتفاظها بنسبة 40 %، في حين برز أيضا مقترح تقدم به العين شرحبيل ماضي والعين نسيمة الفاخري بإعفاء السلطة من توريد الـ60 % من الإيرادات لمدة عشر سنوات، بوصفه خطوة إيجابية وضرورية يمكن السلطة من استعادة دورها التنموي، وتنفيذ المشاريع وفق المخطط الشمولي، ودعم المجتمع المحلي، وخلق فرص عمل حقيقية، وتحفيز بيئة الاستثمار في العقبة لتصبح نموذجا اقتصاديا وطنيا ناجحا.
وبحسب خبراء اقتصاد وتنمية، فإن المشاريع الكبرى والبنية التحتية في العقبة تحتاج إلى موازنات كافية لا تمتلكها السلطة حاليا، مؤكدين أن نسبة 40 % المخصصة للسلطة بالكاد تكفي لتغطية رواتب الموظفين وبعض الخدمات الضرورية، في حين تساءلوا عن إمكانية تنفيذ المشاريع الإستراتيجية أو تطوير الخدمات.
ويضع ملف إعفاء سلطة منطقة العقبة الاقتصادية الخاصة من توريد حصة الحكومة، الدولة، أمام منعطف اقتصادي حاسم، بحسب الخبراء الذين أكدوا أن أي تقصير في استثمارات العقبة يمثل تهديدا مباشرا للأمن الاقتصادي الوطني، ويحدد ملامح الاقتصاد الأردني خلال السنوات المقبلة.
وضرب هؤلاء الخبراء مثالا على ذلك، بأنه يمكن لسلطة العقبة، وبالشراكة مع القطاع الخاص، استثمار جزء من الإيرادات في تطوير منطقة صناعية تحويلية للمنتجات الغذائية والمركبات الكهربائية، بحيث توفر نحو 15 ألف فرصة عمل مباشرة وغير مباشرة خلال السنوات العشر المقبلة، وتضيف ما يقارب 1.2 مليار دينار إلى الناتج المحلي الإجمالي إذا تم تشغيلها بكامل طاقتها.
وفي السياق نفسه، يمكن وفقا للخبراء، توجيه استثمارات لتوسعة موانئ العقبة الذكية وتحديث الأرصفة والمعدات اللوجستية، ما يقلص زمن تفريغ الحاويات بنسبة 40 % ويخفض كلفة النقل بنحو 25 %، الأمر الذي يرفع تنافسية الصادرات الأردنية ويجذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية، مشيرين إلى أنه يمكن أيضا توجيه جزء من الإيرادات لإنشاء منطقة لوجستية متقدمة متكاملة للطاقة المتجددة، تشمل محطات شحن للطاقة الشمسية وطاقة الرياح، ومراكز تخزين ذكية، ما سيخفض تكاليف الطاقة للمستثمرين الصناعيين ويعزز الاستدامة البيئية، ويجعل العقبة نموذجا إقليميا يحتذى به، إلى جانب التوسع بإقامة الاستثمارات والبنية التحتية في المنطقة الشمالية والتي بدأت تنمو وغيرت وجهة العقبة.
ميزة تنافسية إقليمية
ولفتوا إلى أنه في التجارب الدولية، تظهر الدراسات أن المناطق الاقتصادية الناجحة لم تبن على منطق التحويلات المالية السريعة إلى الخزائن المركزية، وإنما على تمكين إداراتها ماليا مقابل مساءلة صارمة قائمة على النتائج، في وقت تظهر السيناريوهات الرقمية أن كل دينار يستثمر في البنية التحتية اللوجستية والموانئ وسلاسل النقل يمكن أن يولد عائدا اقتصاديا مضاعفا خلال السنوات القليلة المقبلة، سواء عبر توسيع النشاط التجاري، أو جذب الاستثمارات النوعية، أو خلق فرص عمل مستقرة.
أما في الحالة الأردنية، فحذروا من أن الاستمرار في التعامل مع العقبة كمصدر إيراد مباشر فقط قد يؤدي إلى فقدان ميزة تنافسية إقليمية في مواجهة موانئ ضخمة تستثمر بشكل مستمر، مشيرين أن الفجوة بين الموانئ لا تقاس بعدد الأرصفة فقط، وإنما بسرعة المناولة، وكفاءة التخليص، وكلفة الخدمات، وهي عناصر تحتاج إلى استثمار مستمر لا يحتمل القيود المالية، مؤكدين أن إعادة طرح إعفاء سلطة منطقة العقبة الاقتصادية الخاصة من توريد حصة الحكومة لمدة عشر سنوات لا ينبغي أن تقرأ كامتياز إداري أو استثناء مالي، بقدر ما هو قرار إستراتيجي مرتبط بإعادة تعريف دور العقبة في الاقتصاد الوطني، يقوم على الانتقال من عقلية الجباية إلى عقلية الاستثمار، ومن إدارة الموارد إلى تعظيم العوائد، ومن التفكير قصير الأمد إلى بناء اقتصاد أكثر مرونة وقدرة على النمو في بيئة إقليمية ودولية شديدة التقلب.
حول ذلك، يقول العين شرحبيل ماضي، إن منطقة العقبة الاقتصادية الخاصة أُنشئت برؤية ملكية لتكون رافعة اقتصادية وطنية ومحركا أساسيا للاستثمار والسياحة، ونموذجا يمكن تطبيقه في محافظات أخرى، مشيرا إلى أنه خلال 25 عاما جذبت العقبة استثمارات نوعية تجاوزت 20 مليار دينار، موزعة بين السياحة بنسبة 65 %، والصناعة %20، والخدمات 15 %، وحققت تطورا كبيرا في البنية التحتية والخدمات اللوجستية والسياحية، ما جعلها مقصدا للعمل والعيش.
وأضاف أن هذا التطور أدى إلى زيادة السكان من نحو 50 ألف نسمة قبل إطلاق الرؤية الملكية إلى 243 ألف نسمة حاليا، أي تضاعف العدد ثلاثة أضعاف ونصف، ما وضع ضغطا كبيرا على الخدمات ورفع تكاليف المعيشة، وتحديدا السكن، حيث بلغت أجرة الشقق 250 دينارا لشقة بمساحة 70–100 متر، في ظل أن نسبة ذوي الدخل المحدود والمتوسط تتجاوز 85 %.
الإعفاء لـ10 سنوات
وأوضح ماضي "أننا في مجلس الأعيان طالبنا بإعفاء سلطة العقبة من توريد حصة الحكومة لمدة عشر سنوات، بالإضافة إلى الإفراج عن 12 مليون دينار سنويا من رسوم الدخان والمشروبات، لتمويل مشاريع إستراتيجية ضمن الخطة الشاملة، تشمل توسعة المدينة شمالا وتحويلها إلى مدينة ذكية، وتطوير البنية التحتية، وإنشاء مناطق صناعية وسياحية ولوجستية في لواء القويرة بهدف جذب استثمارات نوعية وخلق فرص عمل لأبناء اللواء".
وأشار إلى أن المخطط الشمولي المحدث، يتوقع وصول عدد السكان في العقبة بحلول عام 2050 إلى نصف مليون نسمة، مع مشاريع توسعة بكلفة تقديرية 250 مليون دينار لتخفيف كلف المعيشة وتحسين بيئة السكن، مؤكدا أن تمكين السلطة ماليا، وربط الإعفاء بمؤشرات أداء دقيقة، مع متابعة تطوير المشاريع الصناعية واللوجستية ذات القيمة المضافة، يجعل العقبة قاطرة حقيقية للنمو.
كما أشار ماضي، إلى أن كل مشروع بنية تحتية جديد وتوسعة لوجستية وصناعة تحويلية يتم تشغيلها بكامل طاقتها تضاعف العوائد الاقتصادية وتخلق فرص عمل مستدامة، وتحول الإيرادات المفروضة سابقا إلى أدوات خلق ثروة وطنية متجددة، مطالبا في الوقت ذاته، بمنح السلطة كامل إيراداتها، باعتباره خيارا إستراتيجيا لإعادة صياغة الاقتصاد الأردني من اقتصاد محدود يعتمد على الإيرادات السريعة إلى اقتصاد قادر على خلق القيمة المستدامة وتعزيز التنافسية وضمان الأمن الوطني، وتحويل العقبة إلى منصة نمو حقيقية تُستثمر على مدار العقد المقبل.
ومن وجهة نظر الخبير القانوني ياسر العجلوني، فإن العقبة تعد تجربة وطنية ناجحة للبيئة الاستثمارية، حيث جذبت استثمارات نوعية تجاوزت 20 مليار دينار خلال 25 عاما، مع توزيع واضح بين القطاعات المختلفة: السياحة، والصناعة، والخدمات، لكنه يحذر من أن التحديات المالية الحالية قد تعيق تنفيذ المشاريع الإستراتيجية، مشيرا إلى أنه "وفي خضم الجدل الدائر حول مقترح إعفاء أو تجميد سلطة منطقة العقبة الاقتصادية الخاصة من تحويل جزء من إيراداتها إلى خزينة الدولة لحين ميسرة، لا بد من إعادة النقاش إلى جوهره الاقتصادي والتنموي بعيدا عن الشعارات أو التخويف غير المبني على قراءة شمولية".
وأشار العجلوني إلى أن الواقع المالي الحالي يظهر بوضوح أن النسبة التي تحتفظ بها السلطة من إيرادات ضريبتي الدخل والمبيعات، لا تكفي إلا لتغطية الالتزامات التشغيلية الأساسية من رواتب وخدمات ضرورية، دون أن تترك هامشا حقيقيا لتمويل المشاريع الإستراتيجية أو تنفيذ المخطط الشمولي للمدينة، وهذا يضع السلطة في موقع إداري يُدير الحد الأدنى، بدل أن يقود التنمية كما هو مفترض، مؤكدا "أن تمكين سلطة العقبة من إيراد أقوى، سواء عبر تخفيف نسب التوريد أو منحها فترة زمنية مدروسة للاحتفاظ بإيراداتها، يجب أن يُنظر إليه كخيار تنموي إستراتيجي لا كتنازل مالي، فالدولة الرشيدة لا تُقاس بكم تجبي اليوم، بل بكم تنمي غدا".
تمكين "السلطة" ماليا
وأكد العجلوني، أن تمكين السلطة ماليا يعد شرطا أساسيا لضمان استمرار النمو، خصوصا مع التوسعة السكانية المتسارعة وخطط تحويل المدينة إلى مدينة ذكية، معتبرا أن الاستثمار في البنية التحتية والمشاريع الكبرى سيضاعف العائد الوطني ويعزز قدرة العقبة على المنافسة الإقليمية وجذب المزيد من الاستثمارات النوعية، وهو السبيل لضمان تحقيق الرؤية الملكية للعقبة كمحرك اقتصادي وطني.
أما المستشار القانوني حسن المجالي، فيرى من جهته، أن دعم السلطة يجب أن يكون بالأرقام لا بالتصريحات، مشيرا إلى أن المشاريع الكبرى والبنية التحتية في العقبة تحتاج إلى موازنات حقيقية لا تمتلكها السلطة حاليا.
وأكد أن هذه النسبة بالكاد تكفي لتغطية رواتب الموظفين وبعض الخدمات الضرورية، متسائلا عن إمكانية تنفيذ المشاريع الإستراتيجية أو تطوير الخدمات.
وأضاف المجالي، أن إعفاء السلطة من توريد 60 % من الإيرادات لمدة عشر سنوات يعد خطوة إيجابية وضرورية، إذ سيمكن السلطة من استعادة دورها التنموي، وتنفيذ المشاريع وفق المخطط الشمولي، ودعم المجتمع المحلي، وخلق فرص عمل حقيقية، وتحفيز بيئة الاستثمار في العقبة لتصبح نموذجا اقتصاديا وطنيا ناجحا.
ووفق دكتور الاقتصاد والتنمية فواز النعيمات، فإن العقبة تمثل محورا إستراتيجيا للاقتصاد الوطني، وأصبحت قاعدة للتنمية المستدامة في جنوب الأردن، مبينا أن المشاريع الكبرى والبنية التحتية تتطلب موازنات كبيرة لا تستطيع السلطة تغطيتها حاليا بسبب نسب الإيرادات للخزينة والتي بلغت %60، ما قلص القدرة الاستثمارية للسلطة بشكل كبير رغم زيادة نسبة الاحتفاظ إلى 40 % مؤخرا.
وأشار النعيمات، إلى أن نسبة الاحتفاظ إلى 40 % رقم إيجابي، لكنها ما تزال غير كافية لتمويل مشاريع توسعة المدينة، وتطوير البنية التحتية، أو دعم السياحة والصناعة، مشددا على ضرورة أن تكون تمويلات العقبة مستقلة ومرنة لضمان استدامة النمو، خصوصا في ظل التنافس الإقليمي وجذب الاستثمارات النوعية التي تجاوزت 20 مليار دينار خلال 25 عاما.