مدافئ الموت.. ما بعد المساءلة*فهد الخيطان
الغد
حوادث كهذه تفطر القلب حقا، عائلة بأكملها تضيع بلا معنى، والسيناريو ذاته يتكرر في غضون أيام قليلة. منذ سنوات ونحن نعيش نفس المعاناة كل شتاء. فهذا الفصل صار موسما لوفيات بالجُملة، جراء سوء استخدام المدافئ وإهمال تعليمات السلامة العامة.
لكن الواضح من حوادث الأيام الماضية، وهي مؤلمة جدا أن طرفا آخر أو أطرافا أخرى غير"ضحايا الصوبات" هم من أهملوا تلك التعليمات.
التحقيقات الأولية، في خمسة حوادث اختناق بغاز المدافئ، والتي توفي بسببها عشرة أشخاص وأصيب عدد آخر، تشير إلى عيوب مصنعية فيما بات يعرف باسم مدافئ "الشموسة".
الحقيقة الكاملة وما يترتب عليها من مسؤوليات سيتولاها القضاء لتحديد أوجه التقصير والمسؤولين عنه.
بيد أن هذه الحوادث، وما سبق الصيف الفائت من حالات تسمم قاتلة، جراء تناول كحول مغشوشة، تستدعي مراجعة عميقة لعمل دوائر ومؤسسات الرقابة المعنية بإجازة كل ما يصل يد المستهلكين من منتجات أردنية، أو مستوردات، سواء كانت أجهزة كهربائية أو مواد غذائية ودوائية، وغيرها من المواد التي تدخل بيوت الأردنيين.
لسنا بلا خبرة أو تقاليد في هذه المجالات. مؤسساتنا العاملة في هذا الميدان، نجحت إلى حد كبير في توفير أفضل شروط السلامة وأحسن ما هو متاح من مواصفات فنية للأجهزة المنزلية.
لكن التحديات تتعاظم مع الطلب المتزايد، والتدفق الكبير من الأسواق الخارجية، وزيادة الإنتاج المحلي، لمواكبة السوق. كما أن المنافسة المحتدمة بين الوكالات التجارية، تكون في بعض الأحيان على حسب جودة المنتج.
ويبدو من سياق السرد الرسمي للقائمين على عمل مؤسسات الرقابة وإجازة المنتجات، أن بروتوكولات المتابعة والتقييم قبل الترخيص تحتاج لتجديد جذري، كما أن آليات متابعة المنتجات الدورية ومراقبتها غير فعالة إطلاقا، خاصة بعد وصول المنتجات ليد المستهلك، إذ ينبغي أن تشمل المتابعة الدورية، قياس مدى الرضا عن ما يتوفر في بيوت المواطنين من أجهزة، لجهة سلامتها بعد تجربة استعمالها.
ويتبدى التقصير في أوضح أشكاله بحوادث "الشموسة" الأخيرة، إذ لم يسبق أن سجل هذا العدد من الحوادث والوفيات، بهذه الفترة الزمنية القصيرة. في البداية استغربت بيان الأمن العام، تحذير المواطنين من استخدام هذا النوع من المدافئ، ثم تحفظه على كميات كبيرة في المصانع المنتجة قبل توزيعها في الأسواق. لكن تبين أنهم على حق، فقد حال تدخلهم السريع دون سقوط المزيد من الضحايا، إضافة إلى تحذير مقتنيها من خطورة استخدامها. لقد بذلت في هذا الصدد جهود كبيرة، وصلت حد قيام رجال الدفاع المدني بجولات على مناطق سكنية معزولة وبعيدة لتحذيرهم من استخدام المدافئ القاتلة. يذكرنا هذا الدور بما قام به رجال الأمن العام وقت حادثة الكحول المغشوشة، عندما جالوا الأسواق لجمع الكميات المعروضة قبل أن تقتل مزيدا من الأشخاص.
هذه الحوادث وسواها، تكشف عن ضعف في مصفوفة الرقابة والإجازة والمتابعة، وربما أمور أخرى تظهرها التحقيقات. بعد أن تأخذ المساءلة والمحاسبة مجراها، ينبغي تشكيل فريق حكومي وأهلي من أصحاب الخبرة والكفاءة لمراجعة منظومات عمل هذه المؤسسات، وتطوير قدراتها وتحديث أنظمتها وتعليماتها لسد الثغرات في التطبيق والممارسة، ووقف مسلسل الخسائر البشرية، وحماية سمعة الصناعات الأردنية، التي عادة ما تكون الخاسر من سلوك فردي.