أخبار سوق عمان المالي / أسهم
 سعر السهم
Sahafi.jo | Rasseen.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
  • آخر تحديث
    02-Aug-2018

عن الفساد.. (4) أسبابه وما تعنيه مكافحته..!*علاء ابو زينة

 الغد-وفقاً لدراسة استقصائية أجريت في العام 2017، والتي تستشهد بها "ويكيبيديا"، فإن العوامل التالية تُحسَب في أسباب الفساد:

"الجشع للمال أو السلطة أو الرفاهية أو أي رغبات مادية أخرى؛ وجود مستويات عالية من احتكار السوق والاحتكار السياسي؛ انخفاض مستويات الديمقراطية وضعف المشاركة المدنية وانخفاض الشفافية السياسية؛ وجود مستويات عالية من البيروقراطية والهياكل الإدارية غير الفعالة؛ انخفاض حرية الصحافة؛ وانخفاض الحرية الاقتصادية؛ وجود انقسامات عرقية كبيرة ومستويات عالية من المحسوبية داخل كل مجموعة". 
ومن عوامل الفساد أيضاً: "عدم المساواة بين الجنسين؛ ووجود درجة منخفضة من التكامل في الاقتصاد العالمي؛ والحجم الكبير للحكومة؛ ووجود مستويات منخفضة من اللامركزية الحكومية؛ والفقر؛ وعدم الاستقرار السياسي؛ وضعف حقوق المُلكية؛ والعدوى من الدول المجاورة الفاسدة؛ وانخفاض مستويات التعليم؛ وانخفاض الوصول إلى الإنترنت"، من بين أسباب أخرى.
إذا كان بوسع المرء رصد جزء يُعتد به من هذه الأسباب في مجتمعه، فإنه سيستطيع تقدير ما تعنيه مكافحته. وببساطة، يعني الوعد بمعالجة الفساد –مثل أي مرض آخر- البدء من معالجة مسبباته. ومن الواضح أن بعض هذه الأسباب ليست قريبة المتناول، مثل شيوع الميول إلى الطمع والجشع مثلاً، والتي تتشكل بدورها بفعل عدد كبير من العناصر الأخرى.
وإذن، من السذاجة والتغافل عن الحقيقة الاعتقاد بأن مكافحة الفساد تعني ببساطة مجرد تحويل بعض الملفات والأشخاص إلى القضاء. بل إن حالات الفساد من هذا النوع هيَ أعراض وتجليات أكثر من كونها جوهراً. ومكافحة الفساد بهذه المعاني مشروع كبير جداً. وإذا تأملنا أسبابه المذكورة، فإن بالوسع تصور ضخامة المشروع الإصلاحي المطلوب لمحاربته.
كنتُ أقرأ شيئاً عن رئيس الوزراء الباكستاني الجديد، عمر خان، الذي وعد في خطاب بأن يقضي على الفساد الكبير في 90 يوماً. وبمعرفة ظروف باكستان التي ينخرها الفساد في كل مكان، يستطيع المرء تصور الفارق الهائل بين الخطاب الشعبوي الذي يريد استمالة العواطف البسيطة، وبين المشروع الواقعي حين يتعلق الأمر بشيء كبير مثل مكافحة الفساد.
لعل أحد مظاهر تدني منسوب الفساد الكبير أن تمتلك مجموعة غالبة من الناس القدرة على تمييز الخطاب الشعبوي عن الواقعي، ومعرفة الفارق بين الكلام الذي يستهدف العقل وذلك الذي يستهدف التلاعب بالعاطفة. وفي نهاية المطاف، سيكون المطلوب من أي مشروع لمكافحة الفساد أن يُنتج مجتمعاً يميل إلى "الفضيلة" بتحققاتها العملية.
المجتمع غير الفاسد هو الذي لا يغشك فيه بائع السلعة أو بائع الخدمة أينما ذهبت. وهو الذي لا تحتاج فيه إلى واسطة حتى تنجز معاملة في دائرة حكومية، أو تشعر بأن الموظف هناك –ونظام العمل- يعيقانك ويسرقان وقتك ومالك. وهو الذي لا تكون فيه رحلتك –راكباً أو ماشياً- مغامرة بين الراغبين الكثيرين في عصيان القوانين والأخلاقيات والاعتداء على حقوق مواطنيهم.
المجتمع الفاضل، هو الذي تكون فيه مظاهر الحرية أوضح بكثير من مظاهر المصادرة عليها. وهو الذي تشعر بأنك شريك وليس عاملاً بالسخرة في إقطاعية. وهو الذي ينتخب فيه الناس ممثلين حقيقيين، وليس على أساس القرابة. وهو المجتمع الذي يستطيع أن يقدم لك خدمات تجعل حياتك أسهل، وتستحق ما تدفعه بحيث لا تضطر إلى دفع إضافي من أجل الخدمة الجيدة في شكل رشوة أو ما شابه.
المجتمع غير الفاسد، هو حيث تأمن على أولادك –على صحتهم وتعليمهم، ثم توظيفهم وقدرتهم على عيش حياة طبيعية قليلة المشاكل ويغلب عليها التفاؤل. وهو الذي يسوده حكم قانون، وتقوده معايير الجدارة، ولا يملك فيه أحد إمكانية أن يتنمر على مواطنه ويتعالى عليه ويختطف حقوقه. وهو الذي تكفل فيه الدولة المساواة الكاملة لكل مواطنيها بالتساوي، وحمايتهم من أي مدّع لتميز أو حصانة.
ليست صناعة مجتمع خال من الفساد عمل بضعة أسابيع أو سنوات، بقدر ما هو مشروع جيلي ينبغي أن يشمل معالجة كل الموجود من الأسباب المذكورة أعلاه، بالبدء من الصفر إذا لزم الأمر. وبغير هذه الشمولية في الفهم والتعريف والآليات، فإن كل حديث عن محاربة الفساد لا يستحق الجهد المبذول في نطقه.
في الحقيقة، هناك أدبيات لا حصر لها عن آثار الفساد وتجلياته على الأفراد والمجتمعات والاقتصادات، وعن سبل معالجته.