أخبار سوق عمان المالي / أسهم
 سعر السهم
Sahafi.jo | Rasseen.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
  • آخر تحديث
    10-Dec-2025

«الموازنة» بين الشعبويات والواقعية*علاء القرالة

 الراي

مع تزايد الخطابات الشعبوية التي تتجاهل الواقع المالي للدولة، يغيب عن كثيرين أن الموازنة ليست صندوقا مطاطيا يمكن زيادة نفقاته كيفما نشاء، بل هي «معادلة دقيقة» تبنى على مزيج من «القدرة المالية» والواجبات الاجتماعية والالتزامات المتراكمة، فلماذا نتجاهل الواقع في خطاباتنا؟
 
للأسف، البعض لا يتردد في إطلاق أحكام عامة، وتوجيه اللوم للحكومة بأنها مقصرة في «دورها الاجتماعي» أو عاجزة عن تلبية متطلبات المواطنين، من دون أي اعتبار للحقائق التي تشكل أساس النقاش، فالانتقاد حق، والمطالبة بالخدمات واجب وضرورة، لكن المشكلة تظهر حين يصبح الخطاب منفصلا عن الإمكانات، وحين تتحول المطالب إلى أدوات تهدف لـ"الترند» لا لمصالح الوطن.
 
من هذه الزاوية يمكن لنا فهم المفارقة الكبرى في الموازنة، حيث أن 60% منها تذهب للرواتب، وهي نسبة غير منطقية اقتصاديا لأنها تحد من قدرة الدولة على الاستثمار والتنمية، والقيام بواجبات أهم بكثير تخدم المواطنين، ورغم هذا الواقع تزيد الحكومة هذا العام 274 مليون دينار على فاتورة الرواتب، وهو قرار يعكس ضغطا اجتماعيا متراكما أكثر مما يعكس رغبة بالتوسع في الإنفاق.
 
وإلى جانب الرواتب تخصص الدولة 650 مليون دينار للدعم، يشمل الخبز والغاز والمياه والتعليم والبلديات، ورغم ضرورته، يبقى هذا الدعم عبئا ثقيلا على الموارد المحدودة، ويذهب في نصفه إلى غير مستحقيه من الطبقات الفقيرة ومتوسطة الدخل، وعند جمع الرواتب والدعم يتجاوز الرقم 8 مليارات دينار، ما يعني أن معظم إيرادات الدولة تستهلك في التزامات أساسية لا تترك مساحة كافية للإنفاق التنموي دون اللجوء إلى الاقتراض.
 
ورغم هذا الإنفاق الكبير، تواصل بعض الأصوات الشعبوية اتهام الحكومة بالتقصير والمطالبة بزيادات وخدمات إضافية دون طرح بدائل تمويل حقيقية، فالمطالبة بحقوق أفضل أمر مشروع، لكن تجاهل قدرة الموازنة على تلبيتها هو ما يحول النقاش إلى مساحة للمزايدات بدلا من أن يكون مساحة للفهم والحلول
 
المرحلة الحالية تتطلب وعيا أعلى، وإدراكاً بأن الموارد محدودة وأن الرواتب والدعم يستهلكان معظمها، ما يضعف من قدرة الدولة على تحقيق نمو منتج، ولهذا نجد أن المسؤولية مشتركة بين الحكومة لتحسين كفاءة الإنفاق، والمواطن لفهم خيارات الموازنة، وبعض المنظرين لترك الشعبويات، وصناع القرار لإعادة توجيه الموارد نحو الإنتاجية.
 
خلاصة القول، ليست المشكلة في طلب خدمات أفضل، بل في تجاوز حدود الممكن، وليست الأزمة في نقد الحكومة، بل في تجاهل الأرقام التي توجه قراراتها، فبين «العاطفة والحسابات» مساحة يجب أن يملأها الوعي، لأن تجاهل المفارقات التي تخنق الموازنة لن ينتج حلولا، بل سيبقي النقاش رهينة الشعارات والضجيج، في كل مرة نناقش فيها موازنة.