الغد-يوسف محمد ضمرة
في خضم الجدل الدائر حول التعديلات المحتملة على قانون المؤسسة العامة للضمان الاجتماعي، وتقييم الأداء المالي لصندوق استثمار أموال الضمان، تبرز جملة من المؤشرات التي تؤكد متانة المؤسسة وقدرتها على الوفاء بالتزاماتها تجاه مشتركيها، وسط تأكيدات بأن المخاوف المتداولة حول مستقبلها المالي غير دقيقة، ولا تستند إلى بيانات موثوقة.
والادعاءات المتكررة حول "تحذيرات" من صندوق النقد الدولي للمؤسسة العامة للضمان الاجتماعي لا تستند إلى حقائق، فبيانات الصندوق، وآخرها بيان المراجعة الثالثة لبرنامج "تسهيل الصندوق الممدد" مع الأردن، لم تتضمن أي إشارات تحذيرية تجاه الضمان. بل على العكس، أشادت بصلابة الاقتصاد الوطني والإصلاحات المالية التي نفذتها الحكومات، مؤكدًا التزام الأردن بخفض الدين العام تدريجيًا مع حماية الإنفاق الاجتماعي والتنموي.
وفي شهر نيسان (ابريل) توصل صندوق النقد الدولي إلى اتفاق على مستوى الخبراء مع الأردن بشأن المراجعة الثالثة في إطار "تسهيل الصندوق الممدد" وتم إحراز تقدم نحو برنامج مدعوم في اطار تسهيل الصلابة والاستدامة.
وبالعودة إلى بيانات الصندوق عن الأردن وآخرها بيان المراجعة، فقد ورد ما يلي: "تبقى السلطات ملتزمة بركيزة سياستها المالية المتمثلة في خفض الدين العام بشكل مطرد، مع حماية الإنفاق الاجتماعي والتنموي ذي الأولوية. ولتحقيق ذلك، وترسيخا للتقدم المحرز في السنوات القليلة الماضية، تلتزم السلطات بمواصلة جهودها في تعبئة الإيرادات، وتحسين كفاءة الإنفاق، وضمان الاستمرارية المالية للمرافق العامة والمؤسسة العامة للضمان الاجتماعي. وستستمر عملية تصحيح أوضاع المالية العامة بشكل مطرد خلال الفترة 2025-2028، بهدف خفض الدين العام إلى 80 % من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2028."
ويلاحظ أن ما ورد في بيان الصندوق عن خفض نسبة الدين العام وتحسين الايرادات وضمان الاستمرارية للمرافق العامة وكذلك المؤسسة العامة للضمان الاجتماعي كجزء من حماية الانفاق الاجتماعي والتنموي وليس تحذيرا، فهي ليست كما ذكرنا سابقا من ادبيات الصندوق.
والمفارقة بأن المنتقدين لاستثمارات صندوق استثمار اموال الضمان الاجتماعي بإقراضه 57 % من اجمالي موجوداته للحكومة، يجدون أن هذا الدين أكثر المصادر أمانا وعوائد للصندوق، بالمقابل وايمانا بقدرة الاردن على السداد والايفاء بالتزاماته فقد اقرضته الصناديق الدولية لأجل 20 عاما في سندات اليوربوند بمليارات الدولارات.
لماذا الحديث عن التعديل على قانون المؤسسة العامة للضمان حاليا؟
بموجب قانون الضمان الاجتماعي الأردني (قانون رقم 1 لسنة 2014)، يجب على المؤسسة العامة للضمان الاجتماعي إجراء دراسة اكتوارية شاملة كل خمس سنوات على الأقل.
والنص القانوني: للمادة 8 من القانون تنص على أن تقوم المؤسسة بإعداد دراسة اكتوارية بشكل دوري لتقييم الوضع المالي للنظام، بما في ذلك: تقدير التزامات المؤسسة، وتحليل مدى كفاية الاحتياطيات المالية وتقييم تأثير التغييرات الديموغرافية والاقتصادية على النظام.
والغرض من الدراسة الاكتوارية، ضمان استدامة النظام، وتحديد الحاجة إلى تعديلات في أسس اشتراكات أو استحقاقات الضمان الاجتماعي، وتقديم توصيات لضمان التوازن المالي طويل الأجل.
وفي هذا الاطار فالحديث عن أن مؤسسة الضمان الاجتماعي قد تصل الى نقطة التعادل في عام 2033، ليس بالضرورة دقيقيا حيث تظهر البيانات المالية للمؤسسة والتي تتأتى ايراداتها من مصدرين هما الاشتراكات التي تحصلها المؤسسسة من المشتركين والثانية من عوائد استثمارات صندوق استثمار أموال الضمان الاجتماعي.
ووفقا لبيانات المؤسسة العامة للضمان الاجتماعي لعام 2024 فقد أعلنت أن ايرادتها تفوق نفقاتها على الرواتب التقاعدية، حيث تبين الأرقام حول ايرادات الضمان الاجتماعي قد بلغت 2.4 مليار دينار.
ويشار الى أن المؤسسة العامة للضمان الاجتماعي تحول جزءا من الفائض الى صندوق استثمار أموال الضمان الاجتماعي، حيث حولت في عام 2023 من الفائض التأميني 303.4 مليون دينار، وفي عام 2024 أيضا تم تحويل من الفائض التأميني من المؤسسة نحو 380 مليون دينار.
استثمارات صندوق أموال الضمان الاجتماعي وسندات الحكومة
وبلغ إجمالي موجودات صندوق استثمار أموال الضمان الاجتماعي نهاية الربع الأول من عام 2025 حوالي 16.7 مليار دينار، مقارنة مع 16.2 مليار دينار كما في نهاية عام 2024.
ووصلت نسبة الاستثمار في السندات الحكومية 57 % من الموجودات، والسقف هو 60 %، وتتعامل الحكومة مع الضمان كما تتعامل مع أي جهة مقرضة كالبنوك مثلا، من ناحية السداد ولا بد من الاشارة الى أن جل عائد صندوق أموال الضمان مصدر المشاركة في السندات.
والمفارقة أن عائد الصندوق في المتوسط خلال السنوات الماضية كان 7 %، وفي حال سحب هذا العائد سيكون عائد صندوق استثمار أموال الضمان %2، فالحكومة وسنداتها تحقق للصندوق أعلى ايراد وبلا أدنى شك بموجب قانون الدين العام الذي يمنع الحكومة الاقتراض الا من خلال البنك المركزي الاردني حيث لم تتأخر الحكومة يوما وخصوصا منذ العام 2000 عن السداد.
الأمان يتحقق لصندوق استثمار اموال في السندات الحكومية بحصوله على عوائد كما تتحصل للبنوك التجارية ولا توجد فيها مخاطر، فمن المعروف أن الدول لا تفلس في الدين الداخلي.
وهنا لا بد من الاشارة إلى أن سمعة الأردن في الاسواق العالمية مقدرة حيث إن اصدارات اليوروبوند التي اصدرتها الحكومة من خلال البنك المركزي الأردني في تلك الاسواق بمليارات الدولار لأجل استحقاق 15 الى 20 سنة وشارك في تغطيتها صناديق سيادية نتيجة الثقة بقدرة الاردن على السداد، لاسيما وأن التقارير العالمية والتصنيفات الائتمانية من ستاندرد اند بورز وفييتش وشهادات صندوق النقد الدولي كلها تشير الى منعة الاقتصاد الوطني في مواجهة الصدمات والتغلب عليها، ما يبطل الإشاعات المشككة.
وفي الوقت ذاته، على صندوق استثمار أموال الضمان الاجتماعي توسيع نطاق استثماراته بالمشاركة الفعلية بحجم جيد في تمويل المشاريع الكبرى كالناقل الوطني أو زيادة حصصه في الشركات الناجحة المدرجة في بورصة عمان والتي تحقق عوائد جيدة ومجزية سواء أكانت أرباحا نقدية أو رأسمالية نتيجة ارتفاع اسعارها لأن معظم اسعار الاسهم قيمتها السوقية أقل من قيمتها الدفترية كالبنوك أو شركات التعدين.