الشرق الاوسط-الرياض: هلا صغبيني
أشاد المجلس التنفيذي لصندوق النقد الدولي بالأداء القوي للاقتصاد السعودي وقدرته على الصمود في مواجهة الصدمات الخارجية، وبسياسات المملكة المالية ونجاح استراتيجيات التنوع الاقتصادي، مؤكداً أن الآفاق المستقبلية لا تزال قوية، رغم تصاعد حالة عدم اليقين العالمي وتراجع أسعار السلع الأولية. كما شدد على أهمية مواصلة الإصلاحات الهيكلية للحفاظ على النمو في القطاع غير النفطي، والدفع نحو تحقيق تنويع اقتصادي شامل، بصرف النظر عن تطورات أسعار النفط.
يعكس هذا التقييم الدولي نجاح السياسات الاقتصادية السعودية في استمرار تنفيذ مستهدفات «رؤية 2030» وتحقيق توازن بين الاستقرار المالي والتحول الهيكلي، بما يعزز من قدرتها على مواجهة الصدمات الخارجية وتحقيق أهدافها التنموية طويلة المدى. ورحب وزير المالية السعودي محمد الجدعان بنتائج التقرير، وبما «تضمّنه من إشادات بمتانة اقتصادنا المتنوع وقدرته على الصمود في وجه الصدمات العالمية، والذي نسير من خلاله بخطى ثابتة نحو تحقيق مستهدفات رؤية السعودية 2030»، وفق ما كتب على حسابه الخاص على منصة إكس.
ووفقاً لبيان صدر بعد اختتام المجلس التنفيذي مشاورات المادة الرابعة مع المملكة، يوم الاثنين، فإن الاقتصاد السعودي يواصل إظهار مرونة ملحوظة، مدعوماً بنمو الأنشطة غير النفطية، واحتواء التضخم، بالإضافة إلى انخفاض معدلات البطالة إلى مستويات قياسية وصلت إلى 7 في المائة في الربع الرابع من العام 2024، متجاوزةً مستهدف «رؤية 2030» في وقت مبكر والذي تم تحديثه ليصبح 5 في المائة بحلول العام 2030.
كانت بعثة من الصندوق، برئاسة أمين ماتي، قد زارت المملكة في الفترة بين 12 و26 مايو (أيار) الماضي، حيث أجرت مشاورات المادة الرابعة لعام 2025، ثم أصدرت بيانها الختامي في 26 يونيو (حزيران)، لترفع بعدها تقريرها إلى المجلس التنفيذي؛ لاتخاذ القرار النهائي.
وجاء تقرير المادة الرابعة بعد أيام على رفع الصندوق توقعاته للنمو الاقتصادي في المملكة إلى ما نسبته 3.6 في المائة في 2025، من 3 في المائة في توقعاته السابقة لأبريل (نيسان)، و3.9 في المائة لعام 2026 (من 3.7 في المائة).
لا حاجة لخفض الإنفاق
وقال ماتي خلال مؤتمر صحافي عرض خلاله أبرز ما جاء في تقرير المجلس التفيذي، إن المملكة خفضت إنفاقها بشكل كافٍ هذا العام، وقد لا تحتاج إلى إجراء المزيد من التعديلات المالية حتى في حال ضعف أسعار النفط الخام.
أضاف في رده على سؤال «الشرق الأوسط» حول توصية الصندوق انتهاج سياسة مالية معاكسة للاتجاهات الدورية، أن الصندوق «لا يعتقد أن هناك حاجة لاتخاذ المزيد من الإجراءات لخفض الإنفاق أو التعديل المالي لهذا العام».
وكانت المملكة أعلنت في أواخر عام 2024 أنها ستخفض نفقاتها لعام 2025 إلى 1.285 تريليون ريال (342 مليار دولار)، بعد تجاوزها الأهداف السابقة بهدف تسريع التقدم في خطط تنويع الاقتصاد.
ويتوقع الصندوق أن يرتفع عجز الموازنة إلى 4 في المائة هذا العام، وهو مستوى وصفه ماتي، بأنه «مناسب تماماً» نظراً للمستوى الكافي من الاحتياطيات الأجنبية للمملكة. وتتوقع الحكومة السعودية عجزًا أقل بنسبة 2.3 في المائة لهذا العام.
نمو غير نفطي وتوصيات للسياسة المالية
وأكد الصندوق في تقريره أن إجمالي الناتج المحلي الحقيقي غير النفطي حقق نمواً بنسبة 4.5 في المائة خلال عام 2024، مدفوعاً بقطاعات حيوية مثل التجارة بالتجزئة والضيافة والبناء، وذلك في تأكيد على نجاح استراتيجيات التنوع الاقتصادي التي تنفذها المملكة تماشياً مع مستهدفات «رؤية 2030».
وفي المقابل، أدى قرار خفض الإنتاج، بموجب اتفاق «أوبك بلس»، إلى انخفاض إجمالي الناتج المحلي النفطي بنسبة 4.4 في المائة، وتراجع النمو الكلي إلى 2 في المائة. ورغم ذلك، ظل التضخم قيد الاحتواء مع استمرار تباطؤ الارتفاع في إيجارات المساكن، ووصل معدل بطالة المواطنين السعوديين إلى أدنى مستوى قياسي له.
ولفت الصندوق إلى أن الميزان التجاري قد تحوّل من فائض نسبته 2.9 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي إلى عجز طفيف بلغ 0.5 في المائة، يجري تمويله من خلال الاقتراض الخارجي والحد من تراكم الأصول بالنقد الأجنبي في الخارج. ومع ذلك، تظل هوامش الأمان الاحتياطية لدى البنك المركزي السعودي «ساما» قوية، حيث استقر صافي الأصول الأجنبية لدى «ساما» عند 415 مليار دولار، وهو ما يغطي 187 في المائة من مقياس صندوق النقد الدولي لكفاية الاحتياطيات.
توقعات مستقبلية
وتوقّع الصندوق أن يبقى الطلب المحلي قوياً، وأن يدفع النمو غير النفطي إلى مستوى أعلى من 3.5 في المائة على المدى المتوسط، وذلك بفضل الاستمرار في تنفيذ مشروعات «رؤية 2030»، واستضافة فعاليات دولية كبرى.
كما توقّع تسارع وتيرة إجمالي الناتج المحلي الحقيقي إلى 3.9 في المائة بحلول عام 2026، يدعمه الإلغاء التدريجي المستمر لخفض الإنتاج، بموجب اتفاق «أوبك بلس».
ومن المتوقع أن يظل التضخم قيد الاحتواء، في حين يُتوقع استمرار عجز الحساب الجاري على المدى المتوسط نتيجة زيادة الواردات المرتبطة بالاستثمار والتدفقات الخارجة من تحويلات العاملين الوافدين. كما توقّع أن تظل هوامش الأمان الاحتياطية ملائمة، حيث يُتوقع تمويل عجز الحساب الجاري، من خلال السحب من الودائع، والحد من تراكم الأصول بالنقد الأجنبي في الخارج، وزيادة الاقتراض الخارجي.
مساحة إلى الأسواق الخارجية
وتوقّع التقرير أن تسجل نسبة الدين إلى الناتج المحلي ما نسبته 29.8 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي في 2025، وأن ترتفع إلى 32.6 في المائة خلال عام 2026. ويرى أنه لا يزال لدى السعودية مساحة للوصول إلى الأسواق الخارجية، مع زيادة طفيفة في حصة الدين بالعملة الأجنبية بمرور الوقت.
وسجل الدين العام للمملكة انخفاضاً إلى 26.2 في المائة من الناتح المحلي الإجمالي في 2024، محققاً أحد أفضل المعدلات بين دول مجموعة العشرين.
وتوقع الصندوق أن يرتفع إجمالي الدين العام للبلاد بشكل معتدل، بمرور الوقت، «لكنه سيبقى ضمن المعدلات الطبيعية، مدعوماً بجهود ضبط الأوضاع المالية واستراتيجيات إصدار الديون».
ومن جهة أخرى، أشار الصندوق إلى مخاطر التطورات السلبية المحتملة على المدى القريب، مثل ضعف الطلب على النفط نتيجة التوترات التجارية، وانخفاض الإنفاق الحكومي، والمخاطر الأمنية الإقليمية. وفي المقابل، أشار إلى أن ارتفاع إنتاج النفط أو تنفيذ استثمارات إضافية ضمن «رؤية 2030» يمكن أن يدعم النمو.
سياسة مالية تدعم النمو
أثنى المديرون التنفيذيون على التقدم الذي حققته السلطات في تقوية مؤسسات المالية العامة. وحثوا على مواصلة الجهود لتعزيز إطار المالية العامة متوسط الأجل. وأثنوا على انتقال الحكومة إلى التخطيط المالي متوسط المدى لمدة خمس سنوات، والنهج الاستباقي المتبع في تحديد سقوف الإنفاق لجميع الجهات حتى العام 2030. وأوصوا بانتهاج سياسة مالية معاكسة للاتجاهات الدورية على المدى القريب لدعم النمو.
إصلاحات مالية ومصرفية تعزز الاستقرار
وفيما يخص القطاع المصرفي، أكد المديرون أنه لا يزال يتمتع بمستويات جيدة من رأس المال والربحية، مع أوضاع سيولة كافية. ورحّبوا بمواصلة التقدم في تنفيذ الإصلاحات التنظيمية والرقابية، وحثّوا على سرعة اعتماد نظام المصارف، والانتهاء من وضع إطار شامل لإدارة الأزمات. كما أشادوا بيقظة البنك المركزي السعودي في رصد المخاطر المحتملة واستخدامه الاستباقي لأدوات السلامة الاحترازية الكلية، مثل تحديد هامش أمان رأسمالي معاكس للتقلبات الدورية.
في نهاية العام 2024، سجل القطاع المصرفي السعودي متانة عالية مع انخفاض القروض المتعثرة إلى 1.2 في المائة.
ورحّب المديرون كذلك بمواصلة التقدم في تعميق السوق المالية المحلية، وهو أمر مهم للمساعدة على تنويع مصادر التمويل.
وسلّط الصندوق الضوء على التقدم الكبير في شفافية المالية العامة. كما أشاد بالجهود المبذولة في تحليل المخاطر، بما فيها الالتزامات المحتملة. وأشار المديرون إلى أن ضيق فروق العائد على السندات السيادية بعد إصدارها مؤخراً يعكس زيادة ثقة المستثمرين في استدامة سياسات المالية العامة.
استضافة مباريات كاس العالم
ووفق تقرير الصندوق، تتضمن استعدادات المملكة لاستضافة كأس العالم لكرة القدم 2034 إنفاق ما يقرب من 26 مليار دولار على البنية التحتية، بما يتماشى مع «رؤية 2030»، متوقعاً أن تسهم بما يتراوح بين 9 مليارات و14 مليار دولار في الناتج المحلي الإجمالي للسعودية.
وسلط التقرير الضوء على قانون الاستثمار المحدث، مؤكداً أنه يضمن المساواة في المعاملة بين المستثمرين المحليين والأجانب من حيث الحقوق والالتزامات.
زخم الإصلاح الهيكلي للمستقبل
أشاد المديرون التنفيذيون بالإصلاحات الهيكلية «المثيرة للإعجاب» التي قامت بها المملكة منذ عام 2016، مؤكدين أهمية الحفاظ على هذا الزخم، بغضّ النظر عن تقلبات أسعار النفط. ورحّبوا، بشكل خاص، بالتحسن في البيئة التنظيمية وبيئة الأعمال، وبمشاركة المرأة في سوق العمل، وتطوير رأس المال البشري. ودعوا إلى مواصلة الجهود لجذب استثمارات القطاع الخاص للمُضي قُدماً في تنويع النشاط الاقتصادي.
واختتم الصندوق بيانه بالإشادة بدور المملكة القيادي في المنطقة، ودورها في تحقيق الاستقرار، ومشاركتها الفعالة في المنتديات الدولية متعددة الأطراف مثل مجموعة العشرين، مؤكداً أهمية استمرار مساهماتها في معالجة التحديات العالمية.