الراي
السياحة ليست نشاطاً ترفيهياً عابراً، بل ركيزة أساسية من ركائز الاقتصاد الوطني، ومؤشر على استقرار الدولة وحيويتها وقدرتها على إدارة مواردها بروح منفتحة. فهي قطاع قادر على تحريك قطاعات موازية كالنقل والمطاعم والحرف والفنادق، وتوليد فرص عمل مباشرة وغير مباشرة، وتعزيز صورة الوطن في الخارج. ومن هنا تبرز أهمية الإجراءات الحكومية الداعمة للسياحة، باعتبارها استثماراً في الإنسان والمكان، وخياراً استراتيجياً لتحقيق تنمية شاملة ومستدامة.
لقد أدركت الحكومة مبكراً أن السياحة يمكن أن تكون أحد المحركات الكبرى للنمو، فباشرت بتنفيذ سلسلة من الخطوات النوعية, شملت تطوير الخدمات في المواقع الأثرية، وتوسيع شبكة الطرق المؤدية إلى المقاصد السياحية، ودعم السياحة العلاجية والدينية والبيئية، إضافة إلى تهيئة بنية تحتية قادرة على استيعاب النمو المتزايد في أعداد الزوار. كما عززت الشراكة مع القطاع الخاص، وفعّلت برامج التدريب لرفع كفاءة العاملين في المجال السياحي، وشجعت المجتمعات المحلية لتكون جزءاً من التجربة السياحية ذاتها، لا مجرد متلقٍّ لها.
ومن بين أبرز الإجراءات الحكومية التي تعكس وعياً اقتصادياً متقدماً، تلك المتعلقة بإعفاء الفعاليات والأنشطة التي تخدم السياحة من الضرائب والرسوم. فهذه الخطوة لا تُخفف الأعباء المالية عن المستثمرين والفاعلين في القطاع فقط، بل تفتح الباب أمام مبادرات شبابية وثقافية جديدة، وتُشجع على تنظيم مهرجانات ومعارض ومشروعات نوعية تُثري التجربة السياحية في مختلف المحافظات. كما تُسهم هذه الإعفاءات في تحسين تنافسية الأردن إقليمياً، وجذب مزيد من الاستثمارات في السياحة والترفيه والخدمات المساندة.
إن الإجراءات الحكومية الداعمة للسياحة تعبّر عن رؤية وطنية تُدرك أن الاقتصاد لا يُبنى على المعادلات المالية وحدها، بل على الإبداع والهوية والانفتاح. فكل زائر يحمل معه قيمة مضافة تتجاوز البعد الاقتصادي، إذ يساهم في إبراز الوجه الإنساني والحضاري للمملكة، ويُعمّق حضورها الثقافي في وجدان العالم.
دعم السياحة هو في جوهره دعم لصورة الوطن، وثقة بقدراته، وإيمان بأن التنمية لا تكتمل إلا حين تُصبح الجغرافيا الأردنية بكل مواردها وتنوعها جزءاً من معادلة الإنتاج الوطني. فحين تُعفي الدولة الأنشطة السياحية من الضرائب وتُيسّر الاستثمار في هذا المجال، فإنها تُرسل رسالة واضحة: أن ازدهار السياحة هو طريق موازٍ لازدهار الوطن كله.