"الفوترة الوطني".. كيف يسهم في ترسيخ مبادئ الشفافية والمساءلة؟
الغد-عبدالرحمن الخوالدة
رغم التحديات، يمثل نظام الفوترة الوطني تحولا جوهريا في الإدارة المالية والضريبية، لا سيما في بلد يعاني من ضغوط موازنية مزمنة وارتفاع كلفة الإنفاق الجاري.
نظام الفوترة اليوم أكثر من مجرد منصة إلكترونية، فهو رافعة إصلاحية تسهم في إعادة هيكلة العلاقة بين الدولة والمواطن، وترسيخ مبادئ الشفافية والمساءلة والعدالة في المنظومة الاقتصادية.
وفي الوقت الذي تواصل فيه الحكومة جهودها للإصلاح المالي وتعزيز الشفافية، يُنظر إلى نظام الفوترة الوطني كأحد أبرز أدوات التحول الاقتصادي، إذ يشكل ركيزة أساسية لمكافحة التهرب الضريبي، الذي طالما أثقل كاهل المالية العامة في الأردن.
اليوم، يُصدر النظام أكثر من مليون فاتورة يوميا، ويرتبط به أكثر من 135 ألف منشأة في مختلف القطاعات. ويرى خبراء اقتصاديون أن هذه القفزة لا تمثل مجرد تحول إداري أو رقمي، بل هي محاولة لإعادة صياغة العلاقة بين الدولة والمكلف على أسس الثقة والعدالة والشفافية.
ويؤكد الخبراء أن الانتقال من اقتصاد تقليدي إلى آخر منظم وموثق لا يمكن تحقيقه دون توسيع نطاق تطبيق نظام الفوترة، كونه من أكثر الوسائل فاعلية في تقليص الاقتصاد غير الرسمي وتحسين كفاءة التحصيل الضريبي. وتنعكس هذه الجهود بشكل مباشر على تحسين جودة الخدمات العامة وتعزيز العدالة في توزيع العبء الضريبي بين المواطنين.
غير أن إنجاح المشروع يتطلب، بحسب الخبراء، استثمارات تقنية وفنية لتطوير البنية التحتية، إلى جانب حملات توعوية تعزز قناعة المكلفين بأن الالتزام الضريبي ليس عبئا، بل مساهمة في تمويل الخدمات العامة وتوسيع شبكة الأمان الاجتماعي.
أكثر من مليون فاتورة يوميا
وكان مدير عام دائرة ضريبة الدخل والمبيعات حسام أبو علي أكد أخيرا، أن نظام الفوترة الوطني أثبت فعاليته على أرض الواقع، إذ يتم إصدار أكثر من مليون فاتورة يوميا من خلاله، وعدد المشتركين فيه تجاوز 135 ألف منشأة، ويصل معدل تنفيذ العمليات فيه إلى نصف ثانية فقط، وهو رقم يعكس قوة البنية التحتية للنظام وكفاءة الكوادر العاملة عليه.
وبين أبو علي خلال جلسة حوارية عقدتها جمعية شركات تقنية المعلومات والاتصالات "إنتاج" أن هذا النجاح نتيجة تعاون طويل بين دائرة الضريبة والقطاع التقني الأردني، خصوصا شركات البرمجة وتكنولوجيا المعلومات التي قدمت دعما ملموسا في إعداد البرامج وربطها مع النظام الوطني.
وشدد أبو علي على أن الغاية من النظام ليست جمع الفواتير أو التدقيق العشوائي، بل تنظيم السوق، وضمان أن تكون كل عملية بيع أو شراء موثقة ومرئية ضمن قواعد ضريبية واضحة.
يشار إلى أن دائرة ضريبة الدخل والمبيعات، أطلقت أواخر عام 2022 نظام الفوترة الوطني الإلكتروني الأردني لتبدأ مرحلة انضمام الشركات والمنشآت إلى شبكة برنامج الفوترة الوطني، قبل أن يتم مطلع العام الحالي اعتماد الإطار التشريعي للبدء في المرحلة الثانية من تطبيق نظام الفوترة والعمل على تطبيق نظام الفوترة على المشتريات المحلية من السلع والخدمات المقدمة والتي يتطلب ضريبيا أن تكون هذه المشتريات من الخدمات والسلع معززة بموجب فواتير أصولية.
إصلاح مالي حقيقي
الخبير الاقتصادي محمد البشير يرى أن النظام يشكل خطوة جوهرية نحو إصلاح المنظومة الضريبية، إذ يساعد في سد الفجوة بين النشاط الاقتصادي الحقيقي وما يُسجل رسميا، ويحد من اقتصاد الظل الذي طالما استنزف الإيرادات وأضعف العدالة.
وأوضح البشير أن النظام يربط بين الإيرادات والنفقات، ويعزز من شفافية المكلفين، مما يقلل من فرص التلاعب. كما أشار إلى أن دقة البيانات الناتجة عن الفوترة تساعد صنّاع القرار في رسم سياسات اقتصادية ومالية أكثر استنارة وفاعلية.
الفوترة لتعزيز العدالة وتوسيع القاعدة الضريبية
وفي سياق متصل، شدد البشير على ضرورة توسعة نظام الفوترة ليشمل أكبر عدد من القطاعات، ورفده بإطار تشريعي عقلاني يفرض عقوبات رادعة على المتخلفين دون المساس بالملتزمين. وأكد أن العدالة الضريبية لا تُبنى بالشعارات، بل بتطبيق القوانين على الجميع دون استثناء، وتحقيق الثقة المتبادلة بين الدولة والمكلفين.
الفوترة وأثرها على الخدمات والتنمية
من جانبه، وصف مدير مركز الفينيق للدراسات الاقتصادية والاجتماعية، أحمد عوض، النظام بأنه أحد أبرز إنجازات الإدارة الضريبية في السنوات الأخيرة. وأكد أن الوصول إلى أكثر من مليون فاتورة يوميا مؤشر إيجابي، لكنه شدد على أهمية الاستمرار في توسيع قاعدة المشتركين.
وأشار عوض إلى أن التهرب الضريبي، لا سيما في القطاع غير الرسمي، ما يزال يشكل تحديا كبيرا، مؤكدا أن الضرائب هي المورد الأساسي لتمويل الخدمات العامة. واعتبر أن توسعة النظام تتطلب زيادة التوعية وتقديم فترات انتقالية مشجعة لمؤسسات الأعمال والأفراد.
خطوات عملية
ومعالجات مطلوبة
بدوره، قال الخبير الاقتصادي زيان زوانة، أن نظام الفوترة الوطني أحد مخرجات الإصلاح المالي والضريبي الذي عملت الحكومة على إنجازه خلال السنوات الماضية، ولفت إلى وجود آمال كبيرة بمساعدة النظام في الحد من التهرب الضريبي.
وأكد زوانة أن هناك خطوات ملموسة من دائرة ضريبة الدخل والمبيعات في تشجيع ممن تنطبق عليهم معايير التكليف الضريبي في الانخراط بنظام الفوترة الوطني، ويتضح ذلك بعدد المشتركين الحاليين في النظام، إضافة إلى عدد الفواتير اليومية الصادرة.
ولفت إلى أن الارتقاء بنظام الفوترة الوطني وتوسيعه يتطلب من الجهات المعنية تقييم تجربته خلال المرحلتين الأوليتين، بما يساعد في معالجة العيوب والفجوات التي ما زال بإمكان بعض المكلفين الهروب من خلالها.