أخبار سوق عمان المالي / أسهم
 سعر السهم
Sahafi.jo | Rasseen.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
  • آخر تحديث
    09-Nov-2025

موازنة 2026: بين الاستقرار المالي والتحفيز الاقتصادي*د. رعد محمود التل

 الراي 

تفترض موازنة 2026 ارتفاع النمو الاقتصادي الحقيقي من 2.7% في 2025 إلى 2.9% في 2026، مستندة إلى بدء تنفيذ مشاريع رأسمالية كبرى مثل الناقل الوطني لتحلية المياه ومشاريع السكك الحديدية والغاز، والتي يُعوّل عليها لتعزيز النشاط الاقتصادي وخلق فرص عمل جديدة. ومع ذلك، من الصعب توقع استمرار معدل التضخم عند 2% خلال السنوات الثلاث المقبلة، خاصة في ظل التقلبات الإقليمية والدولية، وكان من الأفضل الاعتماد على تقدير أكثر واقعية لمعدل التضخم.
 
على صعيد الإنفاق، يبلغ إجمالي الإنفاق العام نحو 13.056 مليار دينار، منها 11.456 مليار دينار نفقات جارية و1.6 مليار دينار نفقات رأسمالية. وتمثل النفقات الجارية نحو 87.7% من الإجمالي، مقابل 12.3% للإنفاق الرأسمالي، ما يوضح استمرار الطابع التشغيلي للموازنة وضعف الحيز المتاح لتحفيز النمو من خلال الإنفاق التنموي، وهو ما يبرز أهمية دور القطاع الخاص والاستثمار الخارجي.
 
تُقدّر الإيرادات المحلية في موازنة 2026 بنحو 10.196 مليار دينار، أي أنها تغطي حوالي 89% من النفقات الجارية، وهو تحسن عن العام الماضي (86%). ومع ذلك، لا يزال هذا يشير إلى استمرار الاعتماد على الاقتراض والمنح لتغطية الفجوة في النفقات التشغيلية، مما يبرز أهمية أن يكون الإنفاق الجاري مقتصرًا على ما هو مرصود في الموازنة، وأن يقتصر الاقتراض على تمويل المشاريع. ويُقدّر العجز الكلي بنحو 2.125 مليار دينار (4.6% من الناتج المحلي الإجمالي) مقارنة بـ 2.258 مليار دينار (5.2%) في 2025، وهو تحسن نسبي لكنه لا يزال مرتفعًا.
 
تعتمد الإيرادات المحلية لموازنة 2026 بشكل رئيسي على الإيرادات الضريبية التي تبلغ 7.656 مليار دينار، أي نحو 75% من الإجمالي، مقابل 2.54 مليار دينار غير ضريبية (25%). ومن بين الإيرادات الضريبية، تشكل الضرائب على السلع والخدمات 5.176 مليار دينار (68%) مقابل 1.926 مليار دينار للضرائب على الدخل والأرباح (25%)، صحيح أن هناك ارتفاع طفيف بنسبة الضرائب على الدخل كنسبة من الايرادات الضريبية، لكن يظهر جلياً بانه لا يزال هناك اعتماد كبير على الضرائب غير المباشرة، ويضع ذلك ضغطًا متزايداً على المستهلك ويحد من قدرة الحكومة على تمويل النفقات الجارية والاستثمارية بشكل مستقل، ويبرز الحاجة إلى إصلاح ضريبي لتعزيز الإيرادات المباشرة.
 
تشكل مدفوعات خدمة الدين نحو 2.26 مليار دينار، أي 17.3% من إجمالي الإنفاق العام، وهو عبء كبير يحد من قدرة الحكومة على زيادة الإنفاق الرأسمالي، ما يبرز الحاجة إلى تخفيف كلفة الدين كأولوية مالية. بالمقابل خصصت الموازنة 655 مليون دينار للدعم الاجتماعي، تشمل الحماية الاجتماعية، دعم الخبز والأعلاف، دعم أسطوانة الغاز، وتأمين علاج السرطان، وهو جزء مهم من شبكة الأمان الاجتماعي لكنه يزيد الضغط على الموارد المالية.
 
في المقابل، ارتفعت النفقات الرأسمالية إلى 1.6 مليار دينار مقارنة بـ 1.37 مليار دينار في إعادة تقدير 2025. وشملت مخصصات مهمة مثل 396 مليون دينار لمشاريع رؤية التحديث الاقتصادي، 60 مليونًا لمشروع الناقل الوطني للمياه، 35 مليونًا للتنقيب عن غاز الريشة، و210 ملايين دينار لدعم البلديات بعد رفعها من 180 مليونًا. هذه المخصصات تمثل محاولة لتوجيه الإنفاق نحو المشاريع التنموية ذات الأثر الاقتصادي المباشر، وهو مما لا يدعو للشك توجه صحيح، لكن مع استقرار القناعة بأنه رقم غير كافي لإحداث التحفيز الاقتصادي المنشود!
 
تعكس موازنة التمويل اعتمادًا كبيرًا على الاقتراض، حيث تبلغ القروض الداخلية 5.543 مليار دينار، وإجمالي مصادر التمويل لتسديد العجز والدين والمتأخرات نحو 9.811 مليار دينار. الجزء الأكبر من التمويل يذهب لتغطية النفقات الجارية وتسديد الديون السابقة، بينما يظل التمويل الخارجي المخصص للاستثمار محدودًا، مما يعكس استمرار الاعتماد على الدين ويحد من قدرة الدولة على توجيه الموارد نحو الاستثمار الإنتاجي وتعزيز الاعتماد المالي على الذات.
 
إن تحليل هيكل الموازنة يُظهر استمرار التحدي المتمثل في ضعف الاعتماد على الذات. فالفجوة بين الإيرادات المحلية والنفقات الجارية تعني أننا لم نصل بعد إلى نقطة الاكتفاء المالي الذاتي. كما أن ارتفاع نسبة النفقات الجارية، وعبء خدمة الدين، وتراجع الحصة الاستثمارية من الإنفاق العام، تحدّ جميعها من قدرة المالية العامة على دعم التحول نحو اقتصاد منتج ومستدام.
 
مع ذلك، تظل موازنة 2026، ضمن سياقاتها الاقتصادية والمحددات الحالية، موازنة انضباط مالي أكثر منها أداة تحول اقتصادي، وهو أمر ضروري للحفاظ على الاستقرار المالي. فهي تحاول الحد من العجز ضمن هوامش ضيقة، مع الحفاظ على شبكة الدعم الاجتماعي ودعم الإنفاق الرأسمالي وهو توازن صعب التحقيق. ورغم ذلك، لم يتم بعد الوصول إلى التوازن المطلوب بين الإيرادات المحلية والإنفاق الجاري، وهو التوازن الأساسي لتحقيق مفهوم الاعتماد على الذات المالي الذي يجب أن تسعى الدولة إلى ترسيخه على المدى المتوسط.