الغد-إبراهيم المبيضين
رغم التقدم الذي حققه الأردن مؤخرا في تقرير التنافسية الرقمية والذي يعكس تطورا في محاور عديدة ترتبط بالقطاع الرقمي، إلا أن خبراء محليين أكدوا أهمية العمل بجد للبناء على هذا التقدم في عالم يتحول بشكل متسارع إلى الاقتصاد الرقمي وما يرافقه من تطور وتحول في كل القطاعات.
وقال الخبراء إن هذا التقدم يفرض مسؤولية مضاعفة لضمان استدامته والبناء عليه من قبل الجهات الحكومية القائمة على القطاع الرقمي، وبالتعاون مع القطاع الخاص والجهات المعنية بالتقنية وتنمية المهارات الرقمية والتعليم وريادة الأعمال.
وأكدوا أن الحفاظ على هذا الزخم يتطلب من الحكومة والقطاع الخاص والمجتمع العلمي العمل بروح التكامل لتسريع التحول الرقمي، وتحويل الأردن إلى مركز إقليمي للتقنية والابتكار، بما يسهم في تحقيق أهداف رؤية التحديث الاقتصادي ورفع مستوى التنافسية الوطنية عالميًا.
واقترحوا العديد من المقترحات من شأنها أن تسهم في تعزيز موقع الأردن في مجال التنافسية الرقمية، وأهمها محاور تتعلق بتقليص الفجوة في المهارات الرقمية وسوق العمل، وتحسين وتحديث البيئة التشريعية بما يتواءم مع التطورات التقنية المتسارعة، والعمل بجد على تعزيز التعليم التقني ومنظومة الابتكار وريادة الأعمال، فضلا عن أهمية كبيرة لتعزيز وتحسين مستمر في البنية التحتية للاتصالات والإنترنت عالي السرعات وخصوصا الجيل الخامس والألياف الضوئية.
وحقّقت المملكة تقدّماً ملموساً في تقرير التنافسية الرقمية العالمي لعام 2025 الصادر عن المعهد الدولي للتنمية الإدارية، إذ ارتقت من المرتبة 50 في عام 2024 إلى المرتبة 44 في عام 2025 من بين 69 دولة شملها التقرير، في إنجاز يعكس نجاح الجهود الوطنية في تطوير البيئة الرقمية وتعزيز جاهزية الاقتصاد الوطني للمستقبل، فيما حلّت المملكة في المرتبة السابعة عربياً من بين سبع دول عربية شملها التقرير.
أهمية تقدم الأردن
في تقرير التنافسية
وقال ممثل قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات في غرفة تجارة الأردن المهندس هيثم الرواجبة، إن تقدم الأردن في التقرير يعكس تطور البيئة الرقمية في الأردن، من حيث البنية التحتية التقنية، الكفاءات البشرية، والجاهزية للتحول الرقمي، كما يُظهر تحسن مكانة الأردن إقليميًا كمركز للابتكار الرقمي وريادة الأعمال.
وأكد بأن هذا التقدم يسهم في جذب الاستثمارات الأجنبية، خصوصًا في مجالات التكنولوجيا، الذكاء الاصطناعي، والخدمات الرقمية، ويعزز ثقة المستثمرين والمواطنين في الخدمات الحكومية والقطاع الخاص الرقمية، ويدعم الاقتصاد الوطني من خلال زيادة الإنتاجية، وتقليل الاعتماد على المعاملات الورقية والتقليدية
تحسن في السياسات والبنية التحتية والتشريعات
وعلى صعيد متصل أكد الرواجبة أن التقدم الذي أحرزه الأردن في التقرير يؤكد تحسنا في السياسات الحكومية "الواضحة" لتسريع التحول الرقمي عبر وزارة الاقتصاد الرقمي والريادة، كما يعكس التحسين البنية التحتية للإنترنت والاتصالات، وزيادة انتشار الألياف الضوئية والشبكات الحديثة.
وقال إن هذا التقدم يؤكد أيضا الاهتمام بتطوير المهارات الرقمية من خلال برامج تدريب للشباب والموظفين في مجالات التكنولوجيا والبرمجة، وتحسن التشريعات والأنظمة الرقمية مثل الأمن السيبراني، حماية البيانات، والتوقيع الإلكتروني، كما يؤكد تقدما في التعاون بين القطاعين العام والخاص لتطوير الخدمات الرقمية وتسهيل الابتكار.
الاستمرار في تحديث
التشريعات والتعليم التقني
وحتى يبني الأردن على هذ التقدم أكد الرواجبة أهمية الاستمرار في تحديث التشريعات لتواكب التطور السريع في مجالات الذكاء الاصطناعي والخدمات السحابية، وتعزيز التعليم التقني والرقمي في المدارس والجامعات لتأهيل جيل قادر على قيادة الاقتصاد الرقمي.
وأشار الرواجبة إلى أهمية توسيع التحول الرقمي في القطاع العام لتشمل كل الخدمات الحكومية، وتشجيع الابتكار وريادة الأعمال من خلال دعم الشركات الناشئة في المجال الرقمي، والتركيز على الأمن السيبراني لحماية البنية الرقمية وزيادة الثقة في الخدمات الإلكترونية، فضلا عن اهمية تعزيز التعاون الإقليمي والدولي في مشاريع التحول الرقمي وتبادل الخبرات في تطبيقات الذكاء الاصطناعي وتحليلات البيانات المتقدمة لتفضيلات وسلوكيات المستخدمين، والتي يتم توظيفها لتحسين تجربة العملاء.
تقدم الأردن ينسجم مع رؤية التحديث الاقتصادي
وقال رئيس هيئة المديرين في جمعية شركات تقنية المعلومات والاتصالات "إنتاج"، فادي قطيشات، إن تقدم الأردن في مؤشر التنافسية الرقمية ينسجم مع أهداف رؤية التحديث الاقتصادي التي تُعد إطاراً وطنياً شاملاً لتحفيز النمو وتعزيز التنافسية، وبما يتكامل مع الجهود التي تبذلها وزارة الاقتصاد الرقمي والريادة والمجلس الوطني لتكنولوجيا المستقبل الذي يُسهم في رسم السياسات المستقبلية الهادفة إلى تسريع التحول الرقمي، وتبني التقنيات الحديثة في مختلف القطاعات، إضافة إلى المجلس والمركز الوطني للأمن السيبراني والشركاء الآخرين في القطاعين العام والخاص، والقطاع الأكاديمي.
وأوضح قطيشات أن جمعية "إنتاج" تواصل القيام بدورها كشريك فاعل في هذه المنظومة، من خلال دعم الشركات الأردنية، وتعزيز قدرتها التنافسية إقليمياً وعالمياً، لافتا إلى أن الجمعية مستمرة عملها على ترسيخ موقعها كمصدرٍ موثوقٍ للبيانات الرقمية وبيانات قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات والشركات بما يضمن قرارات مبنيّة على حقائق من مصادرها الأصلية الموثوقة.
وأشار الى أن مواصلة هذا الزخم والتقدم يتطلب الاستثمار المستمر في الابتكار والتعليم الرقمي والبنية التحتية.
تقدم يعكس قدرة
الأردن على المنافسة
ويرى المحلل الاقتصادي وجدي المخامرة بان "هذا التقدم خطوة إستراتيجية حاسمة للأردن في سياق الاقتصاد العالمي الرقمي، حيث يعكس قدرة المملكة على المنافسة في عصر الذكاء الاصطناعي والتحول الرقمي".
وقال المخامرة إن أهمية هذا التقدم أيضا تكمن في تعزيز الاقتصاد والاستثمارات من خلال جذب الاستثمارات الأجنبية في قطاعات التكنولوجيا والابتكار، ما يسهم في خلق فرص عمل جديدة، خاصة للشباب الذين يشكلون نسبة كبيرة من السكان.
استعداد الأردن للمستقبل
وأكد المخامرة أن تقدم الأردن في التقرير يعكس نمو الشركات الناشئة في مجالات مثل الذكاء الاصطناعي والتجارة الإلكترونية، ما يرفع الناتج المحلي الإجمالي، كما يعكس تحسنا في الخدمات الحكومية والمجتمعية وتسريع التحول الرقمي في الإدارة العامة، مثل منصات الخدمات الإلكترونية أو الخدمات الرقمية في الوزارات، ما يقلل من البيروقراطية ويحسن جودة الحياة للمواطنين.
وأكد أن هذا التقدم يسهم في تعزيز استعداد الأردن للمستقبل حيث أنه في ظل التحديات العالمية مثل الجائحات أو الاضطرابات الاقتصادية، يمنح الأردن ميزة تنافسية في الاقتصاد الرقمي، مما يقلل الاعتماد على القطاعات التقليدية، ويفتح أبواب الشراكات الدولية مع دول متقدمة مثل الإمارات أو سنغافورة.
أسباب التقدم في المؤشر
وعن أسباب تقدم الأردن في المؤشر يرى المخامرة أنه مرتبط بالجهود الحكومية والمجتمعية ومنها مبادرات التحول الرقمي الحكومية والتي ركزت على تطوير المهارات الرقمية من خلال برامج تدريبية مثل "مهارات المستقبل"، التي غطت مئات الآلاف من الشباب، وهذا أدى إلى تحسن ملحوظ في مؤشر المعرفة الرقمية، الذي يقيس المهارات والتعليم الرقمي، فضلا عن التحسين في البنية التحتية التكنولوجية وزيادة تغطية شبكات الجيل الخامس والذي يسهم في القدرة على بناء التقنيات الحديثة واستخدامها وتطويعها في القطاعات الاقتصادية المختلفة.
وأشار إلى من أنه الأسباب أيضا دعم الابتكار والريادة ونمو الشركات الناشئة من خلال تحسين منظومة ريادة الأعمال الأردنية وتواجد عدد كبير من حاضنات الأعمال والصناديق الاستثمارية الموجهة للشركات الناشئة وخصوصا التقنية منها.
كيف نبني على هذا التقدم؟
وحول كيفيات وآليات البناء على هذا التقدم والإنجاز اقترح المخامرة مجموعة من المقترحات ومنها أن اتباع إستراتيجية متعددة المحاور، تركز على الاستدامة والتوسع من خلال تعزيز التعليم والمهارات وتوسيع البرامج التعليمية الرقمية في الجامعات والمدارس، مع التركيز على الذكاء الاصطناعي والأمن السيبراني.
واقترح دعم الشركات الناشئة والاستثمار وإنشاء صناديق استثمارية حكومية مخصصة للريادة الرقمية، وتسهيل الوصول إلى الأسواق العالمية عبر اتفاقيات تجارية رقمية (مثل الاتحاد الأوروبي). كما يُفضل إطلاق "يوم الابتكار الرقمي" السنوي لربط الشركات بالمستثمرين.
وأكد المخامرة أهمية تحسين البنية التحتية والتنظيم والاستثمار في الطاقة المتجددة لدعم مراكز البيانات، وتطوير قوانين أقوى لحماية البيانات. كذلك، تقليل الفجوة الرقمية عبر حملات في المناطق النائية.
وأشار إلى أهمية التركيز على الشراكات الدولية والمراقبة والانضمام إلى مبادرات عالمية مثل وإجراء مراجعات سنوية للمؤشر لقياس التقدم، مع تخصيص ميزانية تصل إلى 2-3 % من الناتج المحلي للاقتصاد الرقمي.
تنمية رأس المال البشري وتعزيز البنية التحتية
ومن جانبه اقترح الخبير في مجال التقنية والاتصالات وصفي الصفدي مجموعة من المقترحات لتعزيز موقع الأردن في مجال التنافسية الرقمية أولها (تنمية رأس المال البشري) وذلك من خلال إطلاق برنامج وطني للمهارات الرقمية يستهدف الطلبة، والعاملين، والباحثين، وتعزيز الشراكة بين الجامعات والقطاع الخاص لتخريج كوادر مؤهلة لسوق التكنولوجيا، واستقطاب الكفاءات الأردنية من الخارج وإطلاق مبادرات لإعادة توظيفها في مشاريع التحول الرقمي الوطنية.
وأكد أهمية (تطوير البنية التحتية الرقمي) من خلال تنفيذ خطة وطنية شاملة لتوسيع شبكات الألياف الضوئية وتعزيز تغطية الإنترنت عالي السرعة في جميع المحافظات، وتشجيع الاستثمار في مراكز البيانات والخدمات السحابية الوطنية، وتحسين أمن الشبكات والبنية الرقمية لضمان الثقة في التعاملات الإلكترونية.
ريادة الأعمال والتشريعات
وقال الصفدي بانه يجب العمل بجد على محور تشجيع و (تعزيز منظومة ريادة الأعمال والابتكار) وذلك من خلال مقترحات مثل تأسيس صناديق وطنية لتمويل الابتكار التكنولوجي والشركات الناشئة، وتطوير مناطق تكنولوجية متخصصة لاحتضان المشاريع الرقمية، ودعم المشاريع التي تستهدف التصدير في مجالات التكنولوجيا المالية، والتعليم الرقمي، والصحة الرقمية.
ولفت الصفدي إلى أهمية (تحديث الإطار التشريعي والتنظيمي) من خلال تبسيط إجراءات تسجيل الشركات الرقمية والترخيص الإلكتروني، ومواءمة التشريعات الوطنية مع المعايير العالمية لحماية البيانات والخصوصية، وتعزيز الحوافز الضريبية والاستثمارية للمشاريع الرقمية ذات القيمة المضافة.
وشدد الصفدي على أهمية (قياس الأداء والتحسين المستمر)، عبر إنشاء وحدة مركزية في وزارة الاقتصاد الرقمي تتولى متابعة المؤشرات الرقمية العالمية وتحديثها بشكل ربع سنوي، تحديد هدف وطني واضح للوصول إلى المرتبة الخامسة والثلاثين عالميًا خلال ثلاث سنوات، وربط موازنات الوزارات المعنية بمستوى التحسن الفعلي في المؤشرات الرقمية.