الأسواق الآسيوية غير العربية بوابة عملاقة لتنمية الصادرات.. كيف نستثمرها؟
الغد-طارق الدعجة
ما يزال صناعيون يؤكدون أن هنالك فرصا حقيقية يجب التمسك بها لزيادة الصادرات الوطنية إلى أسواق الدول الآسيوية غير العربية في ظل ما تتمتع به هذه الدول من كثافة بشرية عالية تضم حوالي 56 % من سكان العالم.
ورغم أن حصة الأسواق الآسيوية غير العربية تستحوذ على 20 % من إجمالي الصادرات الوطنية إلا أن صناعيين يؤكدون أن حجم هذه السوق لا يتناسب مع حجم هذه الحصة، خصوصا أن بعض الدول الآسيوية بدأت تسيطر على عصب الاقتصاد العالمي، مثل الصين التي تشكل 17 % من الاقتصاد العالمي والهند التي يتوقع أن تصبح أكبر ثالث اقتصاد في العالم بعد عامين، إضافة إلى تركيا وماليزيا وكوريا الجنوبية واليابان وسنغافورة.
ويؤكد صناعيون أن هنالك تحديات لا بد من مواجهتها بهدف زيادة الصادرات إلى تلك الأسواق من جهة واستغلال الفرص الضائعة أمام المنتجات الوطنية في هذه الأسواق والتي تقدر بـ 3 مليارات دينار من جهة أخرى.
وتشير بيانات التجارة الخارجية إلى نمو الصادرات الأردنية إلى هذه الأسواق بنسبة 12 % لتصل إلى 727 مليون دينار خلال الأشهر الخمسة الأولى من العام الحالي مقابل 646 مليونا للفترة نفسها من العام الماضي.
ويصل عدد الدول الآسيوية غير العربية إلى 37 دولة تشكل بحسب التقديرات ما بين 40 و 45 % من الاقتصاد العالمي، وقد احتلت حصة هذه الدول من الصادرات الوطنية المرتبة الثالثة بعد دول اتفاقية التجارة الحرة لشمال أميركيا التي استحوذت على 26 % من الصادرات وحلت قبلهما الدول العربية في المرتبة الأولى بنسبة استحواذ بلغت 42 %.
ضرورة وجود خطة عمل متكاملة تشمل دعم الترويج
يتطلب استثمار الفرصة في هذه الأسواق وجود خطة عمل متكاملة تشمل دعم الترويج التجاري، تحسين الخدمات اللوجستية، تعزيز التمثيل التجاري للتوسع في هذه الأسواق.
ويشير صناعيون إلى أن أبرز السلع التي تمتلك فرصا قوية في هذه الأسواق تشمل الأسمدة، الفوسفات، البوتاس، والمنتجات الكيماوية، والتي تلقى طلبا متزايدا من دول مثل الصين والهند.
ولفت هؤلاء إلى وجود فرص واعدة للمنتجات التجميلية وأملاح البحر الميت في أسواق مثل اليابان وكوريا، والمنتجات الغذائية الموجهة للمستهلكين من الجاليات العربية المتواجدة في هذه الدول والمسلمين في دول مثل الصين وتايلند وماليزيا (منتجات الحلال).
وأضافوا أن "المستحضرات الدوائية، المحيكات، والمجوهرات تعد أيضا من القطاعات القابلة للنمو في عدد من دول آسيا الوسطى" مؤكدين أن تنوع هذه السلع يعكس مرونة وقدرة الصناعة الأردنية على تلبية متطلبات متعددة ومتخصصة.
تحديات دخول الأسواق الآسيوية غير العربية
يؤكد صناعيون أن هنالك تحديات كثيرة يجب مواجهتها لزيادة الصادرات إلى تلك الدول، مثل كلف الشحن، وغياب التمثيل التجاري الفاعل، وافتقار الأردن إلى اتفاقيات تفضيلية مع العديد من هذه الدول.
ودعوا إلى خطة وطنية شاملة تشمل تحسين بيئة التصدير، دعم كلف الإنتاج، الترويج المؤسسي، والمشاركة في المعارض الدولية، مشددين على أن تنويع الأسواق هو مفتاح تعزيز النمو الاقتصادي، وتوفير فرص عمل، وزيادة الاحتياطي من العملات الأجنبية.
الجغبير: الأسواق الآسيوية غير العربية فرصة لزيادة الصادرات
بدوره، قال رئيس غرفتي صناعة الأردن وعمان م.فتحي الجغبير إن "الأسواق الآسيوية غير العربية باتت تمثل فرصة إستراتيجية مهمة أمام الصادرات الأردنية".
وبين الجغبير أن الزيادة في الصادرات لهذه الدول لا تعكس فقط توسعا جغرافيا في خريطة الصادرات، بل تمثل أيضا نجاحا في اختراق أسواق صعبة ومعقدة مثل الهند، والصين، وماليزيا، وبنغلاديش، والتي تتطلب منتجات عالية الجودة تلبي متطلبات فنية صارمة.
وأوضح الجغبير أن الهند تصدرت الوجهات التصديرية ضمن هذه المجموعة، حيث شكلت الصادرات الوطنية إليها نحو 56 % من إجمالي الصادرات إلى الأسواق الآسيوية غير العربية، بقيمة تقارب 407 ملايين دينار، وبمعدل نمو بلغ خلال الأشهر الخمسة الأولى 16 % عن الفترة ذاتها من العام الماضي.
كما سجلت الصين بدورها ارتفاعا ملحوظا في استيراد المنتجات الأردنية، ما يعكس طلبا متزايدا على المواد الخام الأردنية في قطاعات الصناعات الثقيلة والكيماوية.
وأشار إلى أن أبرز السلع المصدرة شملت الفوسفات، البوتاس، الأسمدة، والمنتجات الكيماوية، إلى جانب مواد أولية معدنية وصناعية تستخدم في الصناعات التحويلية والغذائية والزراعية، مؤكدا أن هذه الصادرات تعكس التطور الهيكلي للصناعة الأردنية وقدرتها على المنافسة عالميا.
وفيما يتعلق بالتحديات، أشار الجغبير إلى أن ارتفاع كلف الشحن البحري مقارنة بالأسواق الإقليمية، واشتراطات المطابقة الفنية والصحية المعقدة التي تفرضها بعض الدول، تعد من أبرز المعوقات وهذه تتطلب تجهيزات خاصة وشهادات مطابقة قد لا تتوفر لجميع الشركات، خصوصا الصغيرة والمتوسطة.
ولفت إلى ضعف الترويج المؤسسي ومحدودية التمثيل التجاري في تلك الأسواق، فضلا عن غياب الاتفاقيات التفضيلية مع عدد من الدول الآسيوية، مما يضعف من قدرة المنتج الأردني على المنافسة أمام دول منافسة تحصل على إعفاءات جمركية.
خطة واضحة لتعزيز الحضور الأردني في الأسواق الآسيوية غير العربية
وأكد الجغبير أن غرفة صناعة الأردن تمتلك خطة واضحة لتعزيز الحضور الأردني في الأسواق الآسيوية غير العربية، وتشمل إعداد دراسات متخصصة لتحليل واقع التبادل التجاري مع دول آسيا الوسطى، مثل كازاخستان وأوزبكستان، واستكشاف فرص الصناعات الدوائية والمستلزمات العلاجية فيها، إضافة إلى تنظيم مشاركات أردنية في معارض دولية، أبرزها في سنغافورة وأوزبكستان، وإكسبو اليابان، ومعرض الصين للصناعات البلاستيكية.
وشدد على أن الصادرات الأردنية يمكن أن تحقق قفزات نوعية إذا ما توفرت البنية الداعمة لذلك، من حيث تحسين كفاءة الشحن، دعم كلف الإنتاج، ربط الشركات بمنصات التجارة الإلكترونية، وتوفير برامج تأهيل للتصدير، لا سيما للشركات الصغيرة والمتوسطة.
3 مليارات فرص تصديرية غير مستغلة
وكشف الجغبير أن البيانات المتوفرة من مركز التجارة الدولية (ITC) تشير إلى وجود فرص تصديرية غير مستغلة تقدر بنحو 3 مليارات دولار في الأسواق الآسيوية غير العربية، تتركز في الصناعات الكيماوية والتجميلية، المنتجات العلاجية، والمحيكات والجلديات.
وأكد الجغبير أن تنويع الأسواق التصديرية أولوية وطنية، وهو الضامن الحقيقي لتعزيز احتياطات المملكة من العملات الأجنبية، وتحقيق التنمية الاقتصادية المستدامة، وتوفير فرص العمل للأردنيين.
تنويع الأسواق أولوية وآسيا الوسطى أسواق واعدة
وأكد رئيس جمعية المصدرين الأردنيين، العين أحمد الخضري، أن الجمعية تولي اهتماما متزايدا بفتح أسواق جديدة لصادرات المنتجات الأردنية، خصوصا في آسيا، مشددا على أهمية تنويع وجهات التصدير وعدم الاعتماد على سوق واحد.
وأشار الخضري إلى أهمية الاستمرار إلى تنويع سلة الأسواق التصديرية، وحتى لا يكون هنالك انكشاف على الأسواق الخارجية، مبينا أن الاعتماد على سوق واحد قد يتعرض لتغيرات في أي لحظة من ناحية فرض الرسوم الجمركية، كما حدث أخيرا في السوق الأميركي، حيث ستواجه بعض المصانع تحديات كبيرة، ما سيدفع البعض للتفكير بالانتقال إلى وجهات تصنيعية أخرى.
وأشار الخضري إلى أن الجمعية تركز حاليا على السوق الصيني كأحد الخيارات الإستراتيجية، موضحا أنه سبق أن عقد عدة اجتماعات رسمية من أجل توقيع بروتوكول تعاون تجاري بين البلدين، لما يمثله السوق الصيني من فرصة ضخمة للصادرات الأردنية.
وقال الخضري "الجمعية تتابع كذلك باهتمام ملف انضمام الأردن إلى معاهدة اليورو-آسيا، التي تضم دولا مثل روسيا وروسيا البيضاء وكازاخستان وقيرغيزستان وأرمينيا، معتبرا أن هذه الأسواق تعد "أسواقا خام" أمام المنتجات الأردنية، وقد تمثل بديلا مهما في حال تعثر أسواق تقليدية".
تنظيم بعثات تجارية واستكشافية إلى الأسواق الآسيوية
وفيما يتعلق بخطط الجمعية، أوضح الخضري أن الجمعية تعمل على إطلاق مجموعة من البرامج الموجهة لتعزيز تنافسية الصادرات الأردنية، تشمل تنظيم بعثات تجارية واستكشافية إلى الأسواق الآسيوية، وتوفير دراسات سوق متخصصة، إلى جانب عقد لقاءات ثنائية بين الشركات الأردنية والمستوردين المحتملين.
كما تسعى الجمعية لتأهيل المصدرين، لا سيما الشركات الصغيرة والمتوسطة، عبر ورش تدريبية حول متطلبات النفاذ إلى الأسواق الجديدة والمعايير الفنية واللوجستية المطلوبة.
وحول أهمية دعم الصادرات الوطنية، شدد الخضري على أن القطاع التصديري يمثل ركيزة أساسية لتحريك عجلة الاقتصاد الوطني وتحقيق التنمية المستدامة، مؤكدا أن تعزيز تنافسية الصادرات وتمكين الشركات الأردنية من دخول أسواق جديدة يسهم بشكل مباشر في توفير فرص العمل للأردنيين وزيادة الإنتاج بالإضافة إلى تعزز احتياطي المملكة من العملات الأجنبية، وتقلل من العجز في الميزان التجاري، ما ينعكس إيجابا على الاستقرار الاقتصادي الكلي.
وأكد الخضري ضرورة أن يكون لدى القطاع التصديري دائما خطة بديلة، مشيرا إلى أهمية التعاون قطاع خاص، وبالتعاون مع الحكومة، حماية الصناعة الوطنية وتعزيز تنافسيتها، لضمان استدامة نمو الصادرات.
أبو حلتم: أهمية تنويع القاعدة السلعية للصادرات
وأكد رئيس جمعية شرق عمان الصناعية د.إياد أبو حلتم أهمية التوسع في التصدير إلى الأسواق الآسيوية غير العربية، مشيرا إلى أن هذه الأسواق تمثل مساحة جغرافية واسعة تضم دولا من وسط آسيا مثل كازاخستان، أوزبكستان، أذربيجان، جورجيا وطاجيكستان، وصولا إلى باكستان، الهند، الصين، واليابان.
وأوضح أبو حلتم أن أبرز الصادرات الأردنية إلى هذه الأسواق تتمثل في البوتاس والفوسفات، حيث تعد الهند من أكبر المستوردين لهذين المنتجين مشددا في الوقت ذاته على أهمية تنويع القاعدة السلعية للصادرات، لا سيما في ظل وجود فرص حقيقية لمنتجات أخرى يمكن أن تنافس بقوة في تلك الدول.
وبين أن من بين الفرص الواعدة إمكانية تصدير المنتجات الغذائية إلى الصين، خصوصا تلك التي تتوافق مع متطلبات المستهلكين المسلمين هناك، فضلا عن منتجات أملاح البحر الميت والمستحضرات التجميلية إلى اليابان، والتي شهدت سابقا محاولات تصديرية واعدة.
وأشار أبو حلتم إلى إمكانية توسيع نطاق الصادرات الأردنية لتشمل الصناعات الكيماوية، والمستحضرات الدوائية، والمجوهرات، وحتى بعض المنتجات الهندسية التي قد تلقى رواجا خاصا في دول آسيا الوسطى.
ولفت إلى جملة من التحديات التي ما تزال تعيق قدرة المصدر الأردني على النفاذ إلى هذه الأسواق، وعلى رأسها ارتفاع كلف النقل، وغياب الدعم اللوجستي الفعال.
ودعا إلى اتخاذ خطوات عملية للتغلب على هذه المعيقات، وعلى الأقل تقديم دعم حكومي لتخفيض كلف النقل في المراحل التصديرية الأولى، بما يسهم في تعزيز تنافسية المنتج الأردني في تلك الأسواق.
تفعيل الدبلوماسية الاقتصادية من خلال سفارات المملكة
وأكد أبو حلتم على أن الأسواق الآسيوية غير العربية تمثل فرصة إستراتيجية حقيقية أمام الأردن، شرط العمل على تمكين القطاع الصناعي وتقديم التسهيلات التي يحتاجها للوصول إلى هذه الأسواق بكفاءة واستدامة من خلال المشاركة بالمعارض بالإضافة إلى تفعيل الدبلوماسية الاقتصادية من خلال سفارات المملكة الموجدة في هذه الدول وتوفير معلومات عن هذه الأسواق والانظمة الجمركية والمواصفات المطلوبة.