أخبار سوق عمان المالي / أسهم
 سعر السهم
Sahafi.jo | Rasseen.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
  • آخر تحديث
    09-Dec-2025

دعوات مراجعة اتفاقيات الطاقة تعود للواجهة

 الغد-رهام زيدان

بينما تؤكد وزارة الطاقة والثروة المعدنية أن إعادة التفاوض حول اتفاقيات الطاقة المبرمة مع المستثمرين سوف تراعي رضا جميع الأطراف بما يحقق توازنا بين مصالح الحكومة والمستثمرين، حذر خبراء من تأثيرات محتملة على البيئة الاستثمارية واستقرار التشريعات في حال تعديل الاتفاقيات. 
 
 
ويرى خبراء أن معالجة التحديات تتطلب مقاربة أشمل تتجاوز مراجعة الأسعار إلى إصلاح هيكل القطاع وتعزيز كفاءته، مشددين على أن الثقة بين الدولة والمستثمر تبقى أساس نجاح الشراكة في مشاريع الطاقة ما يتطلب حالة متوازنة لا تمس استقرار القطاع. 
وزارة الطاقة والثروة المعدنية كررت إشارتها في فترات سابقة إلى أنها ستشرع في مفاوضات مع شركات الطاقة المتجددة حول مراجعة اتفاقيات شراء الطاقة المتجددة والتقليدية من منظور فني، اقتصادي، تجاري وقانوني، بهدف تخفيض كلف النظام الكهربائي بما يحقق العدالة بين جميع الشركات العاملة في القطاع من جهة وشركة الكهرباء الوطنية، ولتحقيق بيئة استثمارية جاذبة ومستقرة على أسس متينة.
وكان وزير الطاقة والثروة المعدنية د.صالح الخرابشة قال في رده على أسئلة لجنة الطاقة النيابية أخيرا إن “الوزارة ستراعي في هذه المفاوضات الموازنة بين مصالح المستثمرين ومصالح الحكومة وأن المفاوضات ستكون بالتراضي بين الطرفين”. 
يذكر أن الحكومة، من خلال شركة الكهرباء الوطنية مرتبطة بعدد من الاتفاقيات لشراء طاقة كهربائية منتجة من مشاريع القطاع الخاص سواء من مصادرها التقليدية أو المتجددة وهي ملزمة بهذه الاتفاقيات بشراء كامل إنتاج المشاريع بأسعار محددة ضمن إطار زمني محدد تحكمه الاتفاقية.
وتشتري الحكومة الطاقة لصالح الشركة الوطنية للكهرباء ثم تبيعها لشركات التوزيع ثم إلى المستهلك.
وفي ظل انخفاض أسعار الطاقة عالميا في السنوات الأخيرة، تسعى الحكومة لخفض أسعار الشراء المتفق عليها ضمن اتفاقيات مسبقة مع القطاع الخاص.
من جهته، يقول عضو مجلس إدارة جمعية إدامة للطاقة والبيئة والمياه د.ماهر مطالقة إن “إعادة التفاوض على الاتفاقيات القائمة يتعارض مع مبدأ الثبات في التشريعات والقوانين”.
وأكد أن هذا التوجه لا ينسجم مع مخرجات رؤية التحديث الاقتصادي التي تشدد على أهمية استقرار البيئة التشريعية الجاذبة والمحفزة للمستثمرين.
وأشار مطالقة إلى أن الغالبية العظمى من مشاريع الطاقة في الأردن تعود لممولين ومستثمرين دوليين وملكيتها تعود لبنوك ومؤسسات مالية دولية وأيضا محلية ما يجعل مسألة إعادة التفاوض معهم على اتفاقيات أبرمت سابقا أمرا غير يسير.
وبين أن مثل هذه الخطوة تتطلب الاستعانة بمستشارين ومحامين متخصصين، وهو ما يرتب كلفا إضافية على الحكومة.
ولفت إلى أن هذه الكلف قد تتجاوز مقدار الوفر الذي تتطلع الحكومة لتحقيقه من خلال إعادة التفاوض على الاتفاقيات، حتى وإن تم ذلك بالتراضي بين الأطراف المعنية، وهو ما يستدعي تقديرا دقيقا للتبعات المالية والقانونية قبل المضي في أي إجراء.
وبين أن الأجدى من إعادة التفاوض هو إعطاء مشاريع جديدة للمستثمرين بأسعار متدنية حتى يصبح مزيج الكلف بين أسعار بيع الطاقة القديمة والجديدة ملائما للكلف التي تتحملها الحكومة، وإذا ارتأت بعض الشركات التفاوض بالتراضي والوصول إلى صيغة توافقية مع الحكومة، فإن هذا يعد جيدا إذا ما كان يتوافق مع النموذج المالي وتطلعاتها المستقبلية للتوسع في المنطقة.
من جهته، أكد المستثمر والخبير الاقتصادي د.فراس بلاسمة أن إعادة التفاوض لم يكن حلا ماليا ولا أداة إصلاح واقعية، لا تعالج جذور الأزمة، مؤكدا أن الطريق نحو قطاع كهرباء سليم وموازنة مستقرة يمر عبر إصلاح بنية القطاع وتعزيز كفاءته واحترام الالتزامات القانونية.
وأشار إلى مطالب واسعة حملت اتفاقيات شراء الطاقة كامل المسؤولية، ومصورة إياها بوصفها أصل المشكلة، الأمر الذي أعاد طرح الدعوات لفتح باب “إعادة التفاوض” باعتباره حلا ماليا سريعا أو وسيلة لتجميل صورة الموازنة. 
وبرأيه، فإن أي مقاربة عقلانية في ذلك الوقت كان لا بد أن تنطلق من حقيقة أساسية مفادها أن تلك الاتفاقيات لم تكن أداة لتبرير العجز ولا منصة للتصعيد السياسي، وإنما هي أدوات استثمار دولية محكومة بقواعد صارمة، وأن المساس بها كان سيقود إلى كلف تفوق كثيرا أي منفعة قد يتوقع تحقيقها. 
وبين أن الدولة لم تكن تتعامل مع المستثمرين من موقع ضعف، لكنها في الوقت نفسه لم تكن قادرة على إدارة الاتفاقيات بمنطق الإملاء السياسي، مؤكدا أن الحفاظ على هذا التوازن كان ضروريا لصون استقرار السياسات العامة ومنع تغيير قواعد اللعبة تبعا للظرف السياسي، وتفادي رفع المخاطر السيادية أو تراجع التصنيف الائتماني.
ولفت بلاسمة إلى أن استدامة الاستثمار المستقبلي كانت تتطلب تثبيت الثقة، خصوصا في قطاعات ناشئة مثل الطاقة الخضراء والهيدروجين والتخزين، التي كانت تحتاج ما لا يقل عن عشرة مليارات دينار خلال العقد التالي.
ورأى أن أي انطباع بأن الدولة تتراجع عن التزاماتها كان سيؤدي إلى عزوف واسع من المستثمرين الدوليين.
وأضاف “قدرة الدولة على الاقتراض الدولي كانت تتأثر مباشرة بمستوى الالتزام التعاقدي، في ظل مراقبة المؤسسات المالية العالمية لأي مؤشر على نزاع تعاقدي قد ينعكس فورا في ارتفاع كلف الاقتراض على الخزينة”. 
وشدد على أن إدارة المخاطر لم تكن تعني نقلها إلى المستثمر، إذ أن إضعاف المركز التعاقدي للمستثمر كان سيؤدي إلى تعويضات وتحكيم دولي، لا إلى تحقيق وفر مالي للدولة.
وأكد أن كلفة المخاطر المتوقعة كانت أعلى بكثير من أي وفر، وأن أي تفاوض غير متفق عليه كان قد يفتح الباب لتحكيم دولي بتعويضات مرتفعة. 
وبين أن المشكلة الحقيقية لم تكن في سعر شراء الطاقة، بل في خلل هيكلة قطاع الكهرباء نفسه، الفاقد المرتفع، وكلفة التوزيع والنقل، والتداخل المؤسسي، والقرارات غير الاقتصادية، ونموذج التسعير غير الواقعي، وهي جميعها تحديات تشغيلية لا تعاقدية.
وأوضح أن إعادة التفاوض لم تكن أداة مالية، بل قرار قانوني خاضع لشروط “الظروف القاهرة” أو “تغير الظروف الجوهرية” وهي شروط لم تكن متحققة في الغالب.
وشدد بلاسمة على ضرورة إصلاح القطاع من الداخل عبر خفض الفاقد وتحديث الحوكمة وتقليل ازدواجية المؤسسات وتحرير سوق الكهرباء وزيادة مرونته عبر حلول التخزين، إلى جانب اعتماد سياسة تسعير تقوم على معايير اقتصادية لا سياسية.
وأكد المدير العام الأسبق لشركة الكهرباء الوطنية م.عبدالفتاح الدرادكة أن الثقة بين المستثمر والحكومة تُعد إحدى الركائز الأساسية لنجاح أي قطاع اقتصادي، ولا سيما قطاع الطاقة الذي يعتمد بطبيعته على استثمارات طويلة الأمد ورؤوس أموال كبيرة، ويتطلب بيئة مستقرة تشريعيا وسياسيا تضمن استدامة المشاريع. 
وبين أن التجربة الأردنية خلال العقدين الماضيين شكلت نموذجا واضحا لنجاح الشراكة بين القطاعين العام والخاص وما حققته من تطور نوعي في بنية الطاقة وإدارة النظام الكهربائي.
وأوضح الدرادكة أنه إذا ما أخذنا بالاعتبار أن جميع مشاريع الطاقة، سواء المتجددة أو التقليدية، جاءت عبر مسارات تنافسية باستثناء مشروع العطارات—الذي استمر التفاوض عليه لما لا يقل عن ثماني سنوات بفعل صعوبة التمويل وخصوصية المشروع—فإن ذلك يؤكد أن الاتفاقيات والأسعار في حينها كانت تعكس الواقع القائم على ارتفاع كلف التمويل.
وأضاف “ الأردن، نتيجة محدودية الموارد ونقص السيولة وعجز الموازنات الحكومية، لم يكن قادرا على دعم مشاريع الطاقة الكبرى، ما أدى إلى ارتفاع كلف الاستطاعة، وبالتالي ارتفاع أسعار شراء الطاقة من المطورين بطريقة لم تتناسب مع إمكانية الوصول إلى التعادل بين النفقات والإيرادات في التعرفة الكهربائية”.
وأشار الدرادكة إلى أن التفاوض مع المطورين حول إعادة دراسة الأسعار، وإن كان خطوة صحية استنادا إلى معطيات جديدة كانخفاض كلف مكونات المشاريع أو الأرباح التشغيلية للمستثمرين، إلا أن ذلك يجب ألا ينعكس سلبا على علاقة الشراكة بين الحكومة والقطاع الخاص.
ولفت إلى أن تمترس أي من الطرفين أو كليهما سيضع هذه العلاقة الإستراتيجية تحت علامة استفهام، مؤكدا ضرورة تفهم الجانبين لحاجات بعضهما عبر التواصل والبحث عن حلول تخفف أثر بعض الأسعار المرتفعة، مثل إعادة قراءة اتفاقيات شراء الطاقة بشفافية، وجدولة الدفعات، والمساعدة في التمويل عبر مشاركة الوحدة الاستثمارية للضمان الاجتماعي، أو إضافة توسعات بأسعار أقل تراعي الواقع الحالي، سواء في مشاريع الطاقة المتجددة أو الصخر الزيتي.
كما شدد الدرادكة على أن الارتفاع غير المسبوق في الأحمال الكهربائية خلال صيف العام الماضي يفرض تبني مشاريع طاقة تقليدية جديدة لتعزيز الاستطاعة التوليدية، بما يمكن النظام الكهربائي من مواجهة أحمال أعلى مستقبلا.
 وأكد أن المطلوب إضافته ما لا يقل عن 1000 ميغاواط، أي ما نسبته %25 من الاستطاعة الحالية البالغة 4400 ميغاواط.
 وأضاف “ السير في إنشاء هذا الحجم من الطاقة التقليدية سيفتح الباب واسعا أمام إطلاق مزيد من مشاريع الطاقة المتجددة منخفضة الكلفة، كما أن تسريع تنفيذ مشاريع التخزين الكهربائي أو المائي سيتيح المجال لبناء مشروعات أكبر من الطاقة المتجددة، الأمر الذي يعزز استدامة الشراكة بين الحكومة والقطاع الخاص ويذيب ما تبقى من الإشكاليات التي ارتبطت سابقا بما اعتُبر أسعارا مرتفعة لشراء الطاقة”.