أخبار سوق عمان المالي / أسهم
 سعر السهم
Sahafi.jo | Rasseen.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
  • آخر تحديث
    02-Dec-2025

لماذا نحتاج المدينة الجديدة؟*سلامة الدرعاوي

 الغد

ها هي باكورة المشاريع الحكومية الكبرى دخلت حيز التنفيذ الفعلي قبيل انتهاء العام، من خلال 'عمرة أذينة' الجديدة التي ستدخل جغرافيا الأردن، والتي كشفت الحكومة مؤخرا عن تفاصيلها.
 
 
تطرح 'مدينة عمرة' سؤالا محوريا في نقاشات المواطنين: لماذا نحتاج مدينة جديدة؟.
الإجابة جاءت واضحة من الحكومة، التي أكدت أن المملكة تتجه نحو مرحلة يتسارع فيها النمو السكاني بوتيرة مرتفعة؛ إذ تشير التقديرات إلى إمكانية وصول عدد سكان عمّان والزرقاء فقط إلى نحو أحد عشر مليون نسمة خلال الخمسة والعشرين عاما المقبلة، وهذا الرقم، في حال تحقّقه، يتجاوز بكثير قدرة البنية التحتية الحالية على الاستيعاب، ويضع ضغطا هائلا على شبكات النقل والخدمات والإسكان، ما يستدعي حلولا إستراتيجية مبكرة تتجاوز الترميم والتوسعة التقليدية.
ومن هذا الواقع، تبرز الحاجة إلى مدينة جديدة مخططة مسبقا تُبنى على أسس مختلفة تماما عن مسار التطور العمراني التقليدي، فالتوسع الحالي داخل المدن الكبرى خلق فجوة واسعة بين نمو السكان وقدرة المدن على الاستيعاب، في وقت تتفاقم فيه مشكلات الازدحام، وارتفاع أسعار السكن، وتقادم البنية التحتية.
والسؤال هنا: هل هذا النهج ابتكار أردني؟ بالتأكيد لا، فالعالم العربي شهد خلال العقدين الأخيرين نماذج بارزة لمدن جديدة استطاعت إحداث تحول اقتصادي، فالعاصمة الإدارية الجديدة في مصر تحولت خلال سنوات قليلة إلى مركز حكومي واقتصادي حديث، بينما جاءت مشاريع نيوم والقدية والرياض الجديدة في السعودية ضمن رؤية اقتصادية تهدف لتنويع مصادر الدخل وجذب الاستثمارات العالمية، وفي المغرب، أصبحت مدينة الدار البيضاء المالية مركزا إقليميا للشركات الدولية بفضل التخطيط الاستباقي ووضوح الرؤية الاستثمارية.
أما مدينة مصدر في الإمارات، فتمثل نموذجا لمدينة مستدامة تعتمد الطاقة المتجددة وتحتضن صناعات تكنولوجية صاعدة.
وعلى المستوى الدولي، تُعد سونغدو الكورية مثالا لمدينة ذكية متكاملة تعتمد على البنية الرقمية والخدمات الذكية، فيما أثبتت سنغافورة نجاح نموذج المدن الفرعية (New Towns) في توزيع التنمية وتخفيف الضغط عن مركز المدينة.
وانطلاقا من هذه التجارب، تسعى الحكومة لأن تكون "مدينة عمرة" نواة اقتصادية موجهة لجذب الاستثمارات، ضمن نموذج تنموي مستدام يعتمد الطاقة النظيفة، والتقنيات الحديثة، والنقل العام، ويولّد فرص عمل واسعة في قطاعات المقاولات والبناء، والتجارة، والصناعات الإنشائية، والتكنولوجيا.
وتزداد أهمية المشروع لقدرته على توفير بدائل سكنية عصرية تستجيب لاحتياجات الشباب والجيل القادم، بعد عقود من التوسع السكني غير المنظم الذي خلق تفاوتا حادا في جودة الخدمات والفرص، ويمنح المخطط الشمولي للمدينة القدرة على إعادة صياغة العلاقة بين الإنسان ومحيطه الحضري عبر تحديد مسبق لمناطق السكن والعمل والتعليم والترفيه والنقل، في نموذج يضع الاستدامة في قلب التصميم.
وتتمتع مدينة عمرة كذلك بموقع إستراتيجي على شبكة طرق دولية تربط الأردن بدول الإقليم، وعلى مسافة متوازنة من عمّان والزرقاء ومطار الملكة علياء الدولي، ما يعزز تنافسيتها وجاذبيتها للمستثمرين المحليين والأجانب.
في المحصلة، تمثل "مدينة عمرة" فرصة نوعية لإعادة تشكيل المشهد الحضري والاقتصادي في الأردن بطريقة تتناسب مع طموحات المستقبل، وتوفر للبلاد نموذجا تنمويا متقدما يليق بالتحديات والفرص القادمة، ويبقى التحدي الأخير أمام هذا المشروع هو في كيفية توفير التمويل اللازم له دون إضافة أعباء مالية جديدة على الخزينة.