نقص العمالة الماهرة وارتفاع تكاليف التشغيل.. هل يضع عراقيل جديدة أمام المنشآت؟
الغد-هبة العيساوي
بعد اكثر من 7 أشهر على حملة وزارة العمل، لإعادة تنظيم وضبط أوضاع العمالة الوافدة والحد من المخالفات، بات الامتثال القانوني وتقليص حجم الاقتصاد غير الرسمي، وتهيئة بيئة تشغيل أكثر انضباطًا.
خبراء في القطاع، أكدوا انه وبرغم الأثر الإيجابي المتوقع لجهود هيكلة السوق وإتاحة فرص عمل للأردنيين، لكن القطاعات الإنتاجية، وفي مقدمتها الصناعية والزراعية والخدمية، تواجه تحديات مباشرة، تمثلت بنقص العمالة الماهرة وارتفاع تكاليف التشغيل وتأخير تنفيذ الطلبيات.
ورأى الخبراء، أن نجاح هذه السياسات، يتطلب معالجة جذرية للعوامل التي تحد من إقبال الأردنيين على بعض المهن، كانخفاض الأجور وصعوبة ظروف العمل وارتفاع كلفة النقل، والاستثمار في التدريب المهني، وتعزيز الشراكة مع القطاع الخاص.
كما أشار لأهمية تنظيم العمالة الوافدة، وما يجب أن يستند إليه من بيانات دقيقة ودراسات قطاعية، تضمن تحقيق التوازن بين تلبية احتياجات الاقتصاد وحماية فرص العمل المحلية، دون الإضرار بسير العمليات الإنتاجية.
بيئة تشغيل أكثر انضباطا
رئيس غرفة صناعة الأردن فتحي الجغبير، قال إن الغرفة تؤكد دعمها لجهود الحكومة الهادفة لتنظيم سوق العمل، مشيدًا بحملة تصويب أوضاع العمالة الوافدة التي نفذتها وزارة العمل، باعتبارها خطوة إيجابية لتعزيز الامتثال القانوني، وتقليص حجم الاقتصاد غير الرسمي، وتحقيق بيئة تشغيل أكثر انضباطًا واستقرارًا، مؤكدًا أن الغرفة مع الممارسات القانونية.
وأضاف الجغبير، أن المصانع واجهت تحديات تشغيلية مباشرة نتيجة للحملة، أبرزها نقص العمالة الماهرة في خطوط الإنتاج، إذ إن نسبة من العمالة الوافدة التي جرى ترحيلها أو تنقلها، كانت تشغل وظائف حيوية في قطاعات تعتمد بشكل كبير على الأيدي العاملة. موضحا بأن هذا النقص انعكس سلبًا على الطاقة الإنتاجية للمصانع، وأدى لتأخير في تنفيذ الطلبيات، ما أثر على التزامات المنشآت التصديرية تجاه الأسواق الخارجية، بخاصة مع محدودية إقبال العمالة المحلية على هذه الوظائف.
وأشار الجغبير إلى أن الحملة، فرضت على القطاع الصناعي تحديات إضافية، تمثلت بارتفاع تكاليف التشغيل، إذ أدى السماح بالتنقلات لارتفاع كلف رواتب العمالة الوافدة للحصول على خدماتها في ظل إغلاق الاستقدام، كما اضطرت المصانع لتخصيص موارد إضافية لتدريب العمالة المحلية لسد الفجوات التشغيلية، في وقت انخفضت فيه مستويات الإنتاجية مقارنة بالعمالة الوافدة المدربة.
وبيّن أن حالة عدم الاستقرار في السوق، زعزعت خطط النمو لبعض المنشآت الصناعية الصغيرة والمتوسطة التي تعتمد باستمراريتها على توافر العمالة الوافدة منخفضة التكلفة، مؤكدا أن الحملة يمكنها الإسهام إيجابيًا بتنظيم السوق، وتعزيز الانضباط المؤسسي في المصانع، وقد تدفع نحو الاستثمار في برامج تدريب للعمالة الأردنية، غير أن تحقيق ذلك يتطلب سياسات سوق نشطة، توازن بين حاجة القطاع الصناعي للعمالة الماهرة ومتطلبات تنظيم السوق، والحد من الاقتصاد غير الرسمي.
وأفاد الجغبير، أن الحملة أفرزت تأثيرات مزدوجة على القطاع الصناعي؛ وأثرت سلبًا على الأداء التشغيلي للمصانع، كما أحدثت خللًا في سير العمليات الإنتاجية. في المقابل ساهمت بإعادة ضبط سوق العمل وتقليص حجم المخالفات القانونية.
توفير فرص
عمل بديلة للأردنيين
وقال رئيس بيت العمال حمادة أبو نجمة، إن جهود الحكومة الأخيرة، تعكس توجهًا واضحًا نحو تنظيم السوق، معتبرًا بأن هذا الأمر مهم جدا، ويقع ضمن صميم مهام الدولة في إدارة السوق، وضمان توازنه، بما يعزز فرص العمل للأردنيين ويحمي حقوق العاملين.
وأضاف أبو نجمة، أن تنظيم السوق ينبغي ألا يختزل في جانب واحد من جوانبه، بل يجب أن يكون جهدًا متكاملًا ومتزنًا ينظر للواقع الاقتصادي واحتياجات القطاعات الإنتاجية بعين علمية دقيقة، موضحا أنه ما دام الهدف من تنظيم العمالة الوافدة، توفير فرص عمل بديلة للأردنيين، فمن الضروري دراسة هذا الهدف منهجيا، عبر تقييم دقيق لمدى اعتماد كل قطاع اقتصادي على العمالة الوافدة، وما إذا كانت هناك إمكانيات فعلية لإحلال عمالة أردنية مكانها، أم أن ذلك يتطلب مراحل انتقالية تضمن التهيئة والتدريب والتأهيل.
وأشار إلى أن الحاجة ماسة لبرامج تدريب مهني حقيقية، يشارك فيها القطاع الخاص، ليس من حيث التنفيذ فقط، بل وبتحديد المهن والمهارات المطلوبة فعليًا، بما يتناسب مع طبيعة العمل واحتياجاته، لافتا إلى أن ضعف الإقبال على التدريب المهني الذي لا يتجاوز 12% من الشباب الأردنيين، لا يرتبط فقط بقلة عرض التدريب، بل بعدم قناعة الشباب بأن ما سيتلقونه من تدريب سيقودهم لفرص عمل لائقة.
وبيّن أبو نجمة، أن قطاعات تعتمد على العمالة الوافدة، كالزراعة والإنشاءات وبعض الخدمات، ما تزال غير جاذبة للأردنيين لانخفاض الأجور، وضعف الالتزام بشمول العاملين بالضمان الاجتماعي، وطبيعة الأعمال الشاقة، وصعوبة الوصول لأماكن العمل، وغياب وسائل النقل العامة المناسبة، وارتفاع كلفة التنقل التي قد تستهلك أكثر من 30 % من دخل العامل. مؤكدا أن هذه التحديات يجب أن تعالج جذريًا إذا ما أردنا النجاح بالحد من الاعتماد على العمالة الوافدة، وإتاحة المجال للأردنيين لشغل هذه الوظائف.
وأشار إلى أنه لا يمكن تجاهل أن وجود العمالة الوافدة سيبقى حاجة فعلية لبعض القطاعات كما هو الحال في أغلب دول العالم، إذ يعد تبادل القوى العاملة عنصر توازن للاقتصاد. ومن المهم إعادة توجيه السياسات نحو قطاعات، تتيح فرصًا مناسبة للأردنيين، فيما يترك للعمالة الوافدة العمل في مهن لا تجد إقبالًا أردنيًا حقيقيًا، شرط أن ينظم ذلك وفق قواعد واضحة ، تحفظ الحقوق وتحقق التوازن المطلوب.
وأكد أبو نجمة، ضرورة وجود قاعدة بيانات وطنية محدثة وشاملة، ترصد العمالة الأردنية والوافدة، وتوثق الباحثين عن عمل وخصائصهم، بالإضافة لدراسات قطاعية تحدد بدقة احتياجات السوق في كل قطاع من حيث العرض والطلب والمهارات المطلوبة، مشددا على أن تفعيل مجالس المهارات القطاعية يمثل ركيزة أساسية لإدارة هذا الملف على نحو تشاركي مع القطاع الخاص، لضمان أن تكون السياسات والبرامج، مبنية على أدلة وبيانات واقعية تحقق أهدافها، دون التسبب باختلالات اقتصادية أو تعطيل قطاعات الإنتاج.
فتح باب الانتقال بين القطاعات
وزير العمل د. خالد البكار، كان قد أكد أن الوزارة اتخذت إجراءات لتنظيم شؤون العمالة غير الأردنية والحد من المخالفات، شملت مراجعة أعداد هذه العمالة، مقابل الوافدة في مختلف القطاعات، وفتح باب الانتقال بين القطاعات لخدمة أصحاب العمل، وتوقيع مذكرات تفاهم مع القطاعات المختلفة، لتحديد احتياجاتها من العمالة غير الأردنية مقابل تشغيل الأردنيين.
وأضاف البكار، أن الوزارة عدّلت نظام رسوم تصاريح العمل لتخفيض رسوم المهارات المتخصصة، وألغت "الإجازة– خروج وعودة" للعمالة المصرية، وأعفت أبناء قطاع غزة والعمالة السورية من الغرامات، مشيرا إلى أن الحملات التفتيشية المشتركة مع وزارة الداخلية ومديرية الأمن العام أسفرت عن تسفير 4552 عاملًا غير أردني مخالف في النصف الأول في العام الحالي، مقارنة بتسفير 1509 العام الماضي، مؤكدًا استمرار جهود ضبط السوق، وضمان التزام العمالة غير الأردنية بالقوانين والأنظمة.