أخبار سوق عمان المالي / أسهم
 سعر السهم
Sahafi.jo | Rasseen.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
  • آخر تحديث
    14-Sep-2025

مسارات التحديث.. ملامح البرنامج التنفيذي الثاني

 الغد-خير أبو صعيليك

أدركت الإرادة السياسية في البلاد أن الأدوات التي استخدمتها الدولة في المئوية الأولى لم تعد كافية لمواكبة المتغيرات والمستجدات العالمية والإقليمية والتكنولوجية مما حتم تحديث تلك الأدوات وذلك تزامنا مع دخول المملكة في المئوية الثانية من عمرها، الأمر الذي استدعى إطلاق ثلاثة مسارات متوازية ومتكاملة للتحديث على المستوى السياسي والاقتصادي والإداري وفق رؤية ملكية سامية، بدأ تطبيقها فعليا منذ بداية العام 2023 وتستمر لمدة عشر سنوات غايتها تعزيز بناء الدولة استنادا إلى مشاركة سياسية فاعلة واقتصاد منيع مزدهر ومؤسسات عامة منتجة وكفؤة.
 
 
وإلى جانب حالة عدم اليقين والتحديات الجيوسياسية في الإقليم المضطرب وما صحبها من مفاجآت أمنية وسياسية، تبرز التحديات الداخلية متمثلة بنسبة بطالة ما تزال تحلق فوق 21 %، ارتفاع فاتورة الدين العام وجاذبية البيئة الاستثمارية في ظل تراجع المساعدات والمنح، الأمر الذي تطلب أن تكون خريطة التحديث مرنة، حية وتأخذ بالتغذية الراجعة، ما عزز الحاجة إلى اشتقاق برامج تنفيذية ثلاثة: الأول منها مدته ثلاث سنوات بدأ فعليا منذ بداية العام 2023 بينما ستكون مدة البرنامج التنفيذي الثاني اربع سنوات تبدأ فعليا من العام 2026 اما البرنامج التنفيذ الثالث والأخير فمدته ثلاث سنوات تبدأ من العام 2030 وتنتهي في نهاية عام 2033 لتكتمل السنوات العشر.
لماذا مدة العشر سنوات؟
أصل الفكرة أن تمتلك الأحزاب برامج شاملة للنهوض وعلى كافة المسارات، فتتقدم بها إلى المواطن والذي سيختار بدوره من خلال الانتخابات العامة الحزب الذي يمتلك البرنامج الذي يلبي طموحه ويمتلك حلولا للتحديات التي يعاني منها فيبدأ حزب الأغلبية النيابية بتطبيق برامجه المعدة مسبقا حال تشكيله للحكومة التي تحظى بدعم الأغلبية الحزبية البرلمانية وذلك انسجاما مع الممارسات العالمية الفضلى. وحيث أن اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية اعتمدت مبدأ التدرج في القوائم الحزبية لكل دورة انتخابية بدءا من نسبة 30 % أي (41 مقعدا) في البرلمان الحالي حسب قانون الانتخاب رقم 4 لسنة 2022 وصولا إلى 65 % من إجمالي مقاعد المجلس في انتخابات المجلس الثاني والعشرين والمفترض أن تجري عام 2032.
وعليه وحتى تكتمل الصورة الحزبية في عام 2033 وتتمكن الأحزاب من بناء قدراتها وإنتاج برامجها كان لا بد للدولة - ولا أقول الحكومة - من ملء الفراغ عبر مسارات التحديث فليس مقبولا أن نترك الأمر للصدفة لمدة عشر سنوات لحين اكتمال الفكرة، وهذا يفسر الرؤية الملكية الحاذقة والماهرة التي أوعزت بضرورة توسيع قاعدة التشاور والمشاركة في صياغة الرؤية حتى تكون خطة دولة عابرة للحكومات وليس خطة حكومة عابرة تنتهي برحيلها.
المسار السياسي – البرنامج التنفيذي الثاني
تبدو ملامح البرنامج التنفيذ الثاني في المسار السياسي واضحة، فنحن بحاجة إلى تعديل نظام تقسيم الدوائر الانتخابية انسجاما مع المادة 71 من قانون الانتخاب لمجلس النواب رقم 4 لسنة 2022 بحيث يرتفع عدد المقاعد المخصصة للدائرة الانتخابية العامة إلى 50 % وذلك في انتخابات مجلس النواب الحادي والعشرين، وما يزال موضوع توسيع حجم الدوائر المحلية ومبدأ التصويت للقائمة النسبية والمغلقة داخل القائمة الحزبية موضع جدل دائم يستوجب مزيدا من النقاش والتوافق حيث هناك أراء ترى أن هاتين النقطتين قد تسببتا بضرر للأحزاب الناشئة وأدت إلى تمثيل لا يعكس التوجه الحقيقي للشارع الأردني، وأما الأحزاب فيقع على عاتقها سرعة الخروج من مربع التأسيس والرمال المتحركة إلى مربع الاستقرار وتراكم الثقافة الحزبية وبناء القدرات والبرامج والاقتراب من المواطن عبر طرح البرامج واستقطاب ذوي الفكر والحضور.
وتبرز الحاجة إلى إنتاج قانون جديد للإدارة المحلية بهدف تحديث منظومة الحكم المحلي وخاصة بعد حل المجالس البلدية ومجالس المحافظات ومجلس أمانة عمان، ولا بد للجان المختصة في مجلس النواب من الشروع في المشاورات والاستماع حول مسودة القانون حال وصوله إلى مجلسهم وبما يضمن تعزيز المشاركة الشعبية وزيادة الكفاءة والنزاهة المالية والإدارية، وهنا نورد ما تضمنه رد رئيس الوزراء جعفر حسان على كتاب التكليف السامي إذ يقول 
(وستبدأ الحكومة بدراسة التشريعات المتعلقة بالإدارة المحلية للتَحضير لانتخابات المجالس البلدية ومجالس المحافظات القادمة، وذلك بالاستناد إلى مخرجات لجنة التحديث السياسي والتوصيات ذات العلاقة؛ فللبلديات ومجالس المحافظات دور أساسي في التنمية والنهوض بواقع الخدمات وتلبية احتياجات المواطنين وتحديد أولوياتهم التنموية).
المسار الاقتصادي – البرنامج التنفيذي الثاني
جلسات التحديث الاقتصادي القطاعية في الديوان الملكي والتي غطت 17 قطاعا حيويا وبمشاركة أكثر من 400 مختص مثلت رسالة واضحة أن هذا المسار هو مسار دولة وليس مسار حكومة، وتأتي هذه الجلسات بهدف تقييم ما تم إنجازه في البرنامج التنفيذي الأول والتوافق على المحاور والمبادرات وإعادة ترتيب الأولويات للبرنامج التنفيذي الثاني وبما يضمن تجويد البرنامج وتجاوز التحديات، والمقصود هنا هو شراكة وليس إشراكا للقطاع الخاص والخبراء ومؤسسات المجتمع المدني وذلك على غرار الجلسات التي عقدها الديوان الملكي عام 2022 ولا يغيب عن البال الفرضيات الرئيسة التي استندت عليها الرؤية وهي خلق مليون فرصة عمل والوصول الى نسبة نمو اقتصادي تتجاوز 5 % مع نهاية مدة الرؤية من خلال إجمالي استثمارات مستهدفة تصل إلى 41 مليار دينار.
المشاريع الكبرى هي العنوان الأبرز لتحقيق المستهدفات باعتبار أن النمو الاقتصادي لا يمكن تحفيزه من خلال السياسات الجبائية، وفي مقدمته المشاريع الكبرى يأتي مشروع الناقل الوطني لتحلية ونقل المياه ومشاريع النقل ومن ضمنها سكة الحديد بالإضافة إلى مشاريع الطاقة وتحديدا الغاز وكذلك المدينة الجديدة والتي ستضم استادا رياضيا يمثل  Anchor Project، ومن المهم هنا التركيز على  خلق التأثير المضاعف والمشاريع المكملة (Multiplier Effect)  وربط هذه المشاريع الكبرى مع المشاريع الصغيرة والمتوسطة المحلية بهدف تعظيم المساهمة المحلية (Back & Forward linkages) بحيث تستخدم الخدمات والمنتجات المحلية كمدخلات لهذه المشاريع كلما كان ذلك ممكنا الأمر الذي سينعكس إيجابا على المشاريع الصغيرة والمتوسطة باعتبارها الأكثر استدامة والأكثر تشغيلا للعمالة.
أما شعار تحويل التحديات إلى فرص فهذا هو الوقت الأنسب لتفعيله مستثمرين أجواء الانفراج النسبي لدى الشقيقة سورية، وهذا يستدعي بالضرورة النظر بإيجابية إلى موانئ طرطوس واللاذقية باعتبارها الأقرب إلى البحر الأسود وأوروبا والتفكير بعدها في إعادة الألق إلى النقل البري المشترك بين البلدين والذي كان يعتبر بحق بوابة العبور إلى أسواق الخليج العربي والسوق العراقي.
اتخذت الحكومة الحالية منذ توليها شرف المسؤولية جملة من القرارات الإيجابية ما ساهم في تعزيز نسبي للثقة في البيئة الاستثمارية – والتي سنتحدث عنها بالتفصيل في إطلالات لاحقة - وتستمر في السير قدما لإنجاز المزيد بشكل هيكلي وليس إجرائيا يصب في تحسين مؤشرات الاستثمار الأجنبي المباشر.
لا يمكن النظر إلى تحسين مؤشرات المالية العامة على أنه انعكاس لنشاط البيئة الاستثمارية فحسب بل انه مرتبط بالمراقبة المستمرة لكفاءة الإيرادات والإنفاق وعدم تجاوز العجز المقرر في قانون الموازنة العامة الذي اقره مجلس الأمة، ويشمل ذلك الاستمرار في سياسات الإصلاح المالي وضبط الإنفاق والنجاح في مراجعات الصندوق وتعزيز التصنيف الائتماني، وهنا لا بد من استكمال ما بدأت به الحكومة من معالجة المتأخرات للمستشفيات والمقاولين والمصفاة وغيرها وكذلك إزالة التشوهات من بند الانفاق الرأسمالي. وتبقى السياسة النقدية الحصيفة ركيزة استقرار مهمة فاحتياطي العملات الأجنبية ومتانة الدينار في أحسن حالاتها والجهاز المصرفي يعمل بكفاءة وحصافة.
ولا بد من استمرار التركيز على صادرات الصناعة المحلية كمساهم في توريد العملات الأجنبية ومحسن للميزان التجاري وفي مقدمة هذه الصناعات الفوسفات والبوتاس التي تتطلب كفاءة في الإنتاج والتصدير وخلق صناعات ذات قيمة مضافة عالية (Downstream Industries) مما يتطلب التركيز على محرك الصناعة وقطاع الصناعات عالية القيمة من خلال تخفيض كلف الإنتاج وزيادة التنافسية.
ومن المهم أن يترافق كل ذلك مع تأهيل الشباب لسوق العمل بشكل يواكب غير تقليدي يواكب المستجدات التكنولوجية بالتزامن مع تحسين منظومة التمويل الأصغر Microfiance لتكون فاعلة بحق وموجهة نحو المشاريع الريادية الحقيقة وليس القروض الوهمية.
مسار التحديث الإداري– البرنامج التنفيذي الثاني
وهو رافعة المسارات الأخرى واحد ركائز نجاحها، حيث بدأ العمل في تقييم مخرجات البرنامج التنفيذي الأول منذ شهر 5/2025 وقادت الحكومة تحولات عميقة ضمن خريطة طريق تضم سبعة مكونات رئيسة وستبدأ رئاسة الوزراء بعقد جلسات التحديث الإداري بعد انتهاء جلسات الاقتصادي بهدف التقييم واقتراح ركائز البرنامج الجديد ومدته 4 سنوات، ويشار إلى أن نسبة الإنجاز في خريطة تحديث القطاع العام حتى نهاية شهر 8/2025 الماضي بلغت 71 % مما يؤشر إلى البدء بإحداث فرق إيجابي يلمس نتائجه المواطن.
المحافظة على المبادئ الإصلاحية التي جاء بها البرنامج التنفيذي الأول والتوجه نحو ثقافة الخدمة العامة غاية في الأهمية ويشمل ذلك التعيين والترقية والتقييم على أسس الكفاءة والكفايات استنادا إلى نص المادة 22 من الدستور والتي تنص على أن (التعيين للوظائف العامة من دائمة ومؤقتة في الدولة والإدارات الملحقة بها والبلديات يكون على أساس الكفايات والمؤهلات) يضاف إلى ذلك سياسات دراسة الأثر المسبق واللاحق والابتعاد عن الإدارة وفق أسلوب الخطأ والصواب، كما أن التحسين الجوهري في أتمته الخدمات وتوظيف التكنولوجيا يجب أن يكون مسبوقا بهندسة وتبسيط الإجراءات من قبل المختصين بتطوير آليات عمل القطاع العام ثم السير تاليا في إجراءات أتمتها بغرض الانتقال من الجمود إلى المرونة، كما أن استكمال إنشاء مراكز الخدمات الحكومية الشاملة يزيد من ثقة المواطن في الجهاز الإداري الحكومي.
أبرز ملامح البرنامج التنفيذي الثاني تتطلب إدخال البلديات وأمانة عمان ضمن مشروع خريطة تحديث القطاع العام فهذه الجهات تقدم خدمات مباشرة للمواطن والمستثمر ولا يمكن قبول بقائها خارج إطار التحديث الإداري. كما أن تقييم إطار إدارة الأداء (Performance Management Framework) كان خجولا في البرنامج التنفيذي الأول مما يتطلب منحه أولوية في البرنامج الثاني ولا بد من أن يركز البرنامج الثاني على كفاءة الإنفاق (Spending Efficiency)، وتطوير آليات الاستثمار في راس المال البشري وإكمال مسارات التدريب ورفع القدرات التي تركز على الكيف وليس الكم والتي تضمنها البرنامج الأول ضمن مشروع ترشيد القطاع العام بحيث ننتقل من الإدارة المبنية على السلطة إلى الإدارة القائمة على المعرفة.
ولا بد من استكمال تحديث الإداري لمنظومة التعليم عبر مسار الحياة والذي بدأ العمل به منذ بداية العام الحالي عندما تم دمج هيئة المهارات مع هيئة اعتماد مؤسسات التعليم العالي، فهذا الدمج لم يكن شكليا بل أسس لمنظومة رقابية على جودة التعليم (Quality Assurance Agency) فليس معقولا أن تقوم وزارة التربية بتنفيذ العملية التعليمية وتقوم هي ذاتها بمراقبة الجودة على نفسها.
الخلاصة 
تدرك الحكومة جيدا آليات التعامل مع هذه المسارات وتستحق جهودها الدعم والإسناد من قبل مجلس الأمة صاحب الصلاحية في التشريع كما أن رقابة النواب على التنفيذ أمر في غاية الأهمية فهو يعزز كفاءة وسرعة الإنجاز، كما أن بث الأجواء الإيجابية هو جزء من تعزيز الثقة، فكثير من المستثمرين يبنون قراراتهم بعد انتهاء دراسات الجدوى على قناعتهم الشخصية وانطباعهم العامة ومن المهم أن نمتلك أدوات إعلامية تحتفل بالنجاح وتبرزه كعنوان رئيس.
إن استمرار العمل بمسارات التحديث بشكل متوازي يمثل رؤية ملكية سامية طويلة الأمد، وهو إشارة إلى استقرار البلاد كما انه ضرورة ماسة لمواكبة المستجدات مع الأخذ بعين الاعتبار أن محور هذه المسارات الثلاثة هو المواطن الأردني الذي يستحق الأفضل دائما. ولا بد من الإشادة الكبيرة بالمواقف السياسية التي يقودها جلالة الملك والتي نجحت دائما في تجنيب الأردن مخاطر كثيرة عانى منها الإقليم لتبقى ركيزة الأمن أساسا للاستثمار وللتنمية والازدهار.