أخبار سوق عمان المالي / أسهم
 سعر السهم
Sahafi.jo | Rasseen.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
  • آخر تحديث
    08-Oct-2019

وقف الهدر في محاربة الفقر*جمال الطاهات

 الدستور-عدم قيام حكومات بدورها في الرقابة الميدانية على نتائج برامج وكالات التنمية الدولية يجعلها مسؤولة عن الفشل المستفز للعديد من برامج التنمية في المجتمعات المحلية. حيث يمكن معاينة مشاريع بلغت كلفتها ملايين الدنانير ولكن عائدها الاقتصادي والاجتماعي صفر. فهناك مشاريع بمجرد أن انتهى صرف موازنتها، كانت تغلق تماماً، وتتحول إلى خردة. وقصص هذه المشاريع كثيرة ومتراكمة. وبالرغم من أنه لا توجد جهة لديها الصلاحية لتعلن حصاد برامج ومشاريع التنمية في المناطق الريفية لآخر خمس سنوات، إلا أن المتتبع يمكنه أن يلاحظ بسهولة كيف تجري بعثرة عشرات الملايين بمشاريع فشلت فشلاً كاملاً.

منذ عقود مثلت جهود وبرامج محاربة الفقر، وتخفيف حدة المرحلة الانتقالية نحو التحديث، بؤرة الاستراتيجية الوطنية لتطوير الأرياف والمناطق الطرفية. وتحولت هذه البرامج من مجهود مؤقت إلى برامج دائمة. ويمكن لنا أن نتساءل، بوضوح، بعد عقود من برامج مكافحة الفقر، إما أن تكون هذه البرامج عظيمة وفعالة وناجحة، وبالتالي تمكنت من تحقيق مهمتها، واجتثت الفقر من المجتمعات المحلية. وعندها، وبسبب نجاح هذه البرامح، يجب تطوير تصورات جديدة لاستثمار النجاح الذي تحقق. او أن تكون هذه البرامج بعد عقود ما زالت في المربع الأول، وعاجزة عن تأسيس ديناميكيات محلية فعالة لاجتثاث الفقر والتخلص منه. عندها أيضاً يجب التخلص من هذه البرامج والبحث عن تصورات بديلة. فبعد سنين من أي مشروع للتنمية لا بد من وقفة للمراجعة. فكلاً من النجاح كما الفشل يستدعي التطوير. 
معضلة تطوير برامج مكافحة الفقر، هي نشوء ما يمكن أن يسمى «اقتصاديات محاربة الفقر»، التي نشأت في سياق إطالة امد برامج مكافحة الفقر. حيث نشأ نشاط اقتصادي متشعب وضخم، ويقدر بعشرات الملايين، عنوانه مشاريع محاربة الفقر. وتحول العاملين في العديد من هذه البرامج من محاربين للفقر، إلى حراس لإدامة الفقر حتى تستمر برامجهم. وهذا ما يجري في بعض وكالات التنمية الدولية، التي تستولي على مخصصات الدول المانحة للمشاريع التنموية في الأردن، وتحويل هذه المشاريع إلى مجرد قصاصة ورق تقدم للمانحين ولإدارات هذه المؤسسات في نيويورك. حيث تغيب عن معظم هذه المؤسسات ما يسمى التدقيق الميداني. فالتدقيق يتم على الورق، والمهم ان تكون الاوراق والنماذج معبأة بعناية. وغالباً ما تحتوي هذه النماذج على مؤشرات (إجرائية) ملتبسة وغير قابلة للقياس، كبديل للتقارير التي تتحدث عن مؤشرات كمية واضحة للنتائج. ولا يوجد من يقوم بالتدقيق الميداني ليتأكد من أن المشاريع حققت شيئاً على الأرض. ولا توجد تقارير للمتابعة من جهات رقابة مستقلة.
ففي إحدى الحالات بعد أن تم إنشاء مزرعة نوعية بعدة ملايين تم اغلاقها، ثم غادرت وكالة التنمية المنطقة، بعد أن أخذت صوراً جميلة للمشروع. وتم تصفية المشروع، وحولت أرض المشروع للبلدية. وبددت بضعة ملايين كان ممكن لها أن تحدث فرقاً نوعياً في مستوى معيشة أهل المنطقة لو تم تصميم المشروع وتنفيذه بطريقة مختلفة. ولو كان القائمون على المشروع لديهم قناعة بأن هناك من سيأتي ليدقق على عملهم، أو لو كانت وزارة التخطيط أو أي جهة حكومية او شبه حكومية تصدر تقارير تقييم رسمية لأثر أنشطة الوكلات التنموية. وفي حالات أخرى، يتم منح معدات بعشرات الآلاف، ولكن دون أن تتوفر فرصة جدية لتشغيل هذه المعدات، حيث تحولت إلى عبء على المجتمع المحلي، من حيث التخزين وكيفية التخلص منها بعد حين، لانها لم تعمل ولا ساعة. وهناك مشروع يقدر بالملايين، مضمونه تعليم مربي الأغنام انتاج الجبنة البلدية. وبعد منح هذه المعدات بسنوات لم يأت زائر واحد، من أي جهة، للتأكد من أن هذه المعدات تعمل. 
وحتى يتم انهاء عبث بعض وكالات التنمية الدولية، التي تستولي على مخصصات الشعب الأردني من الدول والمجتمعات المانحة، يجب أن تتبنى الحكومة مبدأ التدقيق الميداني لأنشطة وبرامج الوكالات التنموية، وإصدار تقارير دورية لعمل هذه الوكالات. يضاف إلى ذلك تبني منظومة تقييم قائمة على ثلاث قواعد جديدة في إدارة العلاقة مع هذه الجهات، أولاً: أنهاء حالة التحصين المالي للوكالات التنموية، وضرورة عدم القبول بأن تبقى مشاريع هذه الوكالات غير خاضعة للتدقيق المالي، واستعادة الحكومة لحقها في تدقيق موازنات المشاريع، بحيث تتأكد من أن نسبة المخصص للمصاريف الإدارية لا تزيد على 15 %. ثانياً: مخاطبة إدارة هذه الوكالات وإلزامها بإجراء تقييم دوري ميداني للمشاريع التي تبنتها في الأردن. ثالثاً: أن يتم محاسبة القائمين على المشاريع الفاشلة، باعتبار أن هذه الاموال هي أموال عامة، يجب أن تطبق عليها القوانين الأردنية، او قوانين الدولة المانحة، المتعلقة بسلامة توظيف الأموال.
صحيح أنه لا يمكن اتهام الحكومة بالمسؤولية عن الممارسات الفاسدة لبعض الوكالات التنموية الدولية، ولكن الحكومة مسؤولة عن صيانة حقوق الشعب وحمايتها من الممارسات الفاسدة ضد أي طرف كان. وتقصيرها في هذا المجال يجب أن يتوقف، وأن يتم بلورة وكالة وطنية أردنية مستقلة للتدقيق في برامج وكالات التنمية الدولية دون أي استثناء.