أخبار سوق عمان المالي / أسهم
 سعر السهم
Sahafi.jo | Rasseen.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
  • آخر تحديث
    11-Dec-2025

ما المطلوب لزيادة تأثير مراكز الدراسات في صنع القرار الاقتصادي؟

 ...الحكومة: نتابع باهتمام كافة الدراسات والاستطلاعات الصادرة عن المراكز البحثية

الغد-عبدالرحمن الخوالدة
 في الأعوام الأخيرة، وسعت مراكز الدراسات حضورها في قراءة المشهد العام وتحليل قضاياه، بما في ذلك الملفات الاقتصادية، مستجيبة لطبيعة التحديات التي تثقل الاقتصاد والمجتمع، مجسدة ذلك بزخم متصاعد فيما تصدره من أوراق ودراسات وتقديرات موقف متعددة.
 
 
غير أن هذا النشاط المتنامي يفتح الباب أمام أسئلة جوهرية حول هذه الدراسات، فهل يترك ما ينشر من دراسات وتحليلات أثرا فعليا في تجويد القرار الاقتصادي وتوجيه بوصلته، على غرار الأدوار التي تضطلع بها مراكز الدراسات والفكر عالميا؟
ممثلون عن عدد من مراكز الدراسات أكدوا لـ"الغد"، أن المراكز تشكل اليوم أحد أهم مصادر الإسناد لصانع القرار الاقتصادي، عبر ما تقدمه من تحليلات مبنية على الأدلة وقراءات دقيقة للواقع والتحديات والفرص.
وأوضح هؤلاء أن المراكز توفر نماذج تحليلية وسيناريوهات مستقبلية تساعد في تقييم أثر الخيارات المتاحة قبل تبنيها، الأمر الذي يقلل من المخاطر المرتبطة بالسياسات الاقتصادية.
 وتساهم أيضا في رصد تطورات الاقتصاد العالمي والإقليمي، وتحليل انعكاساتها المحتملة على الأردن، مما يثري عملية صنع القرار ويجعلها أكثر استباقية.
في الوقت ذاته اتفقوا على أن تأثير هذه المراكز على صانعي القرارات ما يزال متواضعا، بفعل محدودية التنسيق المؤسسي وتفاوت استعداد الحكومات لتبني المعرفة المستقلة، ما يبقي الاستفادة من توصياتها محصورة ومحدودة الأثر.
الحكومة: ننظر إلى مراكز الدراسات بعين الفائدة
وفي رده على استفسارات "الغد" حول مدى التقاط الحكومة لما يصدر عن مراكز الدراسات، أكد وزير الاتصال الحكومي والناطق الرسمي باسم الحكومة محمد المومني، أن الحكومة تتابع وتهتم بالدراسات والاستطلاعات كافة التي تصدر عن المراكز البحثية، كما تنظر لها بعين الفائدة. 
وأوضح المومني أن الحكومة في حالة تواصل مستمر مع مراكز الدراسات سواء من حيث التفاعل مع أي استفسارات متعلقة بفحوى الأبحاث والتحليلات أو من حيث تصحيح وتدقيق المعلومات. 
ولفت المومني إلى أن الحكومة الحالية في بداية عهدها، عقدت لقاءات مع عدة جهات منها مراكز الدراسات والأبحاث، بهدف فتح قنوات تواصل معها، بما يحقق المنفعة المتبادلة بين الطرفين.
مراكز الفكر شريك معرفي مهم للجهات الرسمية
وقالت المديرة التنفيذية لمنتدى الإستراتيجيات الأردني، نسرين بركات، إن لمراكز الفكر دورا محوريا في دعم القرار الاقتصادي، إذ تعتمد على البحث العلمي القائم على البيانات والأدلة، ما يمنح صانع القرار رؤية موضوعية وحيادية تمكنه من فهم أعمق للتحديات والفرص. 
وأضافت: تقوم هذه المراكز بتحويل الأرقام والمؤشرات الاقتصادية إلى قراءات تحليلية واضحة تساعد في تشخيص الواقع بدقة بعيدا عن الانطباعات أو التقديرات غير المبنية على أسس علمية.
وتابعت: توفر مراكز الدراسات نماذج تحليلية وسيناريوهات مستقبلية تساعد في تقييم أثر الخيارات المتاحة قبل تبنيها، الأمر الذي يقلل من المخاطر المرتبطة بالسياسات الاقتصادية.
 وتساهم أيضا في رصد تطورات الاقتصاد العالمي والإقليمي، وتحليل انعكاساتها المحتملة على الأردن، مما يثري عملية صنع القرار ويجعلها أكثر استباقية.
وحول مدى استفادة الحكومات من مخرجات مراكز الدراسات والتعاطي معها، بيّنت بركات أن الحكومات والجهات الرسمية عادة تستفيد لكن بدرجات متفاوتة تبعا لطبيعة التوصيات وظروف التطبيق.
 فهناك توصيات ذات طابع تشغيلي أو تنظيمي يمكن للحكومة تنفيذها بسرعة، لأنها لا تتطلب موارد كبيرة أو تغييرات جوهرية. في المقابل، توجد توصيات إستراتيجية أعمق تحتاج إلى وقت أطول وإلى توفير موارد مالية وبشرية إضافية، وربما إلى مواءمة تشريعية، ما يجعل تبنيها مرهونا بالتوقيت المناسب والجاهزية المؤسسية.
وواصلت بركات: مع ذلك تظل القيمة الأساسية لهذه الدراسات في قدرتها على توسيع خيارات الحكومة وتعميق فهمها للسيناريوهات الممكنة. فهي تقدم تحليلا موضوعيا يضيء على الآثار المتوقعة للسياسات المختلفة، وتطرح بدائل تستند إلى الأدلة، إضافة إلى الاستفادة من تجارب دولية ناجحة في بيئات شبيهة بالأردن.
ولفتت بركات إلى أن مراكز الدراسات تسهم في كشف نقاط الضعف في السياسات العامة وتحديد الفرص غير المستغلة، سواء على المستوى الكلي أو القطاعي، كما توجه المشاريع الاستراتيجية من خلال التحليل العلمي والمقارن وتقييم قدرة الدولة على استثمار مواردها بكفاءة. وهي بذلك تعمل كذراع استشاري يدعم التنسيق بين القطاعين العام والخاص والمجتمع المدني.
تبني الحكومة العديد من توصيات منتدى الإستراتيجيات
وفيما يتعلق بأبرز الجهود البحثية التي نجح المنتدى من خلالها في التأثير في السياسات الاقتصادية على مدار السنوات الماضية، أكدت بركات أن المنتدى قدم دراسات تحليلية مستندة إلى البيانات، إضافة إلى مسوحات دورية تقيّم التقدم الاقتصادي وتقدم توصيات عملية في مجالات البيئة الاستثمارية، والتحول الرقمي، إضافة إلى التعليم، وسوق العمل والتشغيل، وإصلاح القطاع العام. ويسهم المنتدى في لجان حكومية وأكاديمية ودولية تعكس دوره كمركز فكر اقتصادي يدعم رسم السياسات المستندة إلى الأدلة.
كما كشفت عن تبني الحكومة العديد من توصيات المنتدى ضمن سياسات واستراتيجيات كبرى، مثل رؤية التحديث الاقتصادي، وخارطة تحديث القطاع العام، والإستراتيجية الوطنية للأمن السيبراني، واستراتيجية الحماية الاجتماعية، وإستراتيجية النقل، والخطة الوطنية للمرأة، وخارطة طريق الاقتصاد الدائري، والدليل الخاص بالإفصاحات المناخية.
كما أثّر المنتدى في تطوير المنظومة التشريعية من خلال مراجعة مسودات القوانين والأنظمة بالتعاون مع القطاع الخاص، حيث تبنّت الحكومة توصياته في تشريعات مثل قانون الشراكة بين القطاعين العام والخاص، وقانون الكهرباء، ونظام العمل المرن، وسياسات الحد الأدنى للأجور.
في المقابل، أكدت بركات أن مراكز الدراسات تواجه تحديات ترتبط بطبيعة البيئة المؤسسية وصنع القرار. فمن جهة، تشكل محدودية الموارد البشرية والمادية المتاحة لدى الحكومة عائقا أمام تبني جميع التوصيات، خاصة تلك التي تتطلب استثمارات أو جهودا تنفيذية واسعة.
وشددت بركات على أنه رغم هذه التحديات، تظل مراكز الفكر شريكا معرفيا مهما للجهات الرسمية ولصانعي السياسات العامة، إذ تسهم في رفع جودة الحوار العام، وتساعد الحكومة على اتخاذ قرارات مبنية على الأدلة، وتكوين رؤية بعيدة المدى تستند إلى تحليل علمي ورصد مستمر للتغيرات الاقتصادية.
الحوار بين القطاعين
العام والخاص
 بدوره، أكد رئيس المنتدى الاقتصادي الأردني مازن الحمود أن المنتدى يسعى منذ تأسيسه عام 2019 إلى أن يكون شريكا معرفيا داعما لصناعة القرار الاقتصادي، من خلال دوره كمركز فكر ودراسات يقدم الرأي والتحليل الموضوعي ويسهم في تقييم السياسات والقرارات الاقتصادية وتطويرها. 
ولفت الحمود إلى أن المنتدى الاقتصادي عمل خلال السنوات الماضية على ترسيخ علاقة ثقة وتعاون مع الجهات الرسمية وغير الرسمية، عبر ما يقدمه من رؤى معمقة تستند إلى بيانات موضوعية وتحليل علمي يعتمد على خبرات وكفاءات أعضاء المنتدى من طيف واسع من التخصصات، وهو ما يمنحه القدرة على بناء رؤى متكاملة واقتراح حلول عملية تسهم في دعم صانع القرار والمهتمين وتجويد السياسات العامة. 
وبيّن أن المنتدى الاقتصادي يركز في عمله على تحليل المؤشرات الاقتصادية المعقدة، وتحويلها إلى توصيات عملية قابلة للتطبيق، بما يؤدي إلى تعزيز كفاءة السياسات العامة، وتقوية قدرة الاقتصاد الوطني على مواجهة التحولات الإقليمية والعالمية.
وأوضح الحمود أن المنتدى يعمل وفق أهداف واضحة تتمثل في تحفيز اقتصاد مرن معرفي متنام وبيئة استثمارية واعدة نحو أردن أقوى، كما يريد جلالة الملك عبدالله الثاني.
وبيّن أن المنتدى يضطلع بدور جوهري في تعزيز الشراكة والحوار بين القطاعين العام والخاص للوصول إلى سياسات محفزة للنمو الاقتصادي، إلى جانب رصد التطورات المالية والنقدية في الاقتصاد الأردني.
وأوضح أن المنتدى يمتلك بصمات واضحة على عدد من السياسات الاقتصادية المفصلية، منها قانون تنظيم البيئة الاستثمارية، والمشاركة في إعداد رؤية التحديث الاقتصادي، وموضوع رفع الحد الأدنى للأجور، وقانون الشراكة بين القطاعين العام والخاص، وغير ذلك. كما أن المنتدى ساهم مساهمة كبيرة في وضع تحدي البطالة على سلم أولويات السياسات الاقتصادية. 
الاكتفاء بالرأي الذاتي
 من جانبه، يرى مدير مركز الفينيق للدراسات الاقتصادية والاجتماعية أحمد عوض أن مراكز الدراسات الاقتصادية في الأردن تؤدي دورا مهما، لكنه غير ثابت، في تحسين جودة القرار الاقتصادي.
 وبحسب عوض يتحدد هذا الدور بدرجة انفتاح الحكومة والوزراء على المعرفة المستقلة، وبطبيعة المرحلة السياسية والاقتصادية. ففي بعض الفترات، أسهمت هذه المراكز في تقديم تحليلات معمقة وبدائل سياساتية، خاصة في مجالات العدالة الضريبية، والحماية الاجتماعية، وسوق العمل، ما ساعد في كشف الكلفة الاجتماعية لبعض الخيارات الاقتصادية. إلا أن هذا الدور لم يتحول إلى نهج مؤسسي دائم، و"بقي رهنا لمزاج الحكومات وتوجهات الأفراد". ولفت عوض إلى أن استفادة الحكومات المتعاقبة من مخرجات هذه المراكز "كانت في الغالب انتقائية".
 فبينما آمن بعض صناع القرار بأهمية التشاور واستندوا إلى الأوراق البحثية في صياغة سياسات محددة، تعامل آخرون مع المعرفة من موقع "الاكتفاء بالرأي الذاتي (ختم العلم)"، أو لجأوا إلى "مشاورات شكلية تهدف لإضفاء شرعية إجرائية على قرارات متخذة مسبقا من دون نية فعلية لتعديل المسار".
ورغم ذلك أكد عوض أن هذه مراكز الدراسات حققت نجاحات جزئية، من أبرزها تصويب النقاش العام حول السياسات الضريبية غير العادلة، وتعزيز مفهوم الحماية الاجتماعية كأداة هيكلية، إضافة إلى تسليط الضوء على قضايا العمل غير المنظم.
ضعف القنوات الاتصالية بين المراكز وصانعي القرارات
مدير المركز الأردني للحقوق العمال (بيت العمال) الذي يصدر بشكل مستمر دراسات متعلقة بواقع سوق العمل في المملكة، حمادة أبو نجمة، اتفق مع سابقيه على أن مراكز الدراسات والأبحاث لها مساهمات في تحسين جودة القرار الاقتصادي بدرجات متفاوتة من خلال ما تنتجه من تحليلات مستقلة وتشخيص للتحديات واقتراح بدائل مبنية على البيانات والخبرة.
وأوضح أبو نجمة أن دورها يبرز بصورة أوضح حين تكون مشاركة في النقاش العام حول السياسات أو في الحوارات الوطنية الكبرى، إلا أن هذا الدور ما زال دون المستوى الذي يفترض أن يكون عليه نتيجة غياب الربط المؤسسي المنتظم بينها وبين دوائر صنع القرار وضعف تحويل كثير من المخرجات البحثية إلى سياسات قابلة للتنفيذ.
ولفت إلى أنه يمكن رصد تأثير ملموس لمراكز الدراسات محليا في تصويب بعض اتجاهات السياسات مثل قضايا تنظيم سوق العمل والعدالة الضريبية، حيث ساهمت هذه المراكز في لفت الانتباه إلى اختلالات قائمة وطرح بدائل أكثر توازنا.
ويرى أبو نجمة أن التحدي الرئيسي الذي يحد من تأثير هذه المراكز متمثل في ضعف القنوات التواصل بينها وبين صانعي القرار، وتقدم الاعتبارات السياسية والإدارية أحيانا على المنطق الاقتصادي الفني، إضافة إلى محدودية التمويل المستدام لبعضها.