قطاع الطاقة.. أولوية الاعتماد على المصادر المحلية
الغد-رهام زيدان
أكد خبراء أن زيادة الاعتماد على الموارد المحلية في خليط إنتاج الطاقة الكهربائية يجب أن تشكل محورا أساسيا في رسم خطط وإستراتيجيات المرحلة المقبلة في القطاع.
يأتي هذا في وقت تستعد فيه وزارة الطاقة لإطلاق إستراتيجيتها المحدثة للقطاع التي تمتد حتى العام 2035.
وأكدت الوزارة في وقت سابق أنها تستهدف تعزيز أمن التزود بالطاقة وتسريع التحول نحو مصادر نظيفة ومستدامة، بما يدعم تنافسية الاقتصاد الوطني وتحسين مستوى رفاه المواطن عبر تزويد مستقر للطاقة بأسعار معقولة.
ويشار إلى أن نسبة مساهمة مصادر الطاقة المحلية في إجمالي خليط الطاقة تصل إلى 57 %، إذ تشكل الطاقة المتجددة في توليد الكهرباء ما يقارب 27 % وتصل المصادر المحلية (مثل الصخر الزيتي والغاز) إلى نسب تتراوح بين 26 % إلى 30 % من مزيج الكهرباء.
الخبيرة في مجال الاقتصاد الأخضر والتغير المناخي والاستدامة م. شذى الشريف قالت: "حقق الأردن خلال السنوات العشر الماضية تقدما ملحوظا في زيادة اعتماده على المصادر المحلية مقابل المستوردة، وساهم في ذلك زيادة مشاركة الطاقة المتجددة في خليط الطاقة الكلي باعتبارها مصادر محلية ومستدامة بطبيعتها".
وأشارت إلى أن هذا التوجه ينسجم مع مخرجات رؤية التحديث الاقتصادي ومحركات النمو المرتبطة بالنمو الأخضر والموارد المستدامة.
وبينت الشريف أنه من المتوقع أيضا ارتفاع مساهمة الغاز الطبيعي المحلي في خليط الطاقة خلال الفترة المقبلة، ما يعزز مسار زيادة الاعتماد على الموارد المحلية، ويسهم في تعزيز أمن الطاقة وأمن الموارد، وهو أحد الأهداف الرئيسة في الرؤية.
وأضافت: "من أهم الممكنات لتحقيق هذه الأهداف تعزيز قدرة الشبكة الكهربائية على استيعاب كميات أكبر من الكهرباء المنتَجة من المصادر المتجددة، وتوسعة مشاريع الربط الكهربائي مع دول الجوار ورفع قدرتها، بالإضافة إلى إدخال تكنولوجيا تخزين الطاقة التي تتيح زيادة مساهمة الطاقة المتجددة في الاستهلاك المحلي".
وأشارت الشريف إلى أن هذه الجهود تتكامل مع السياسات المتضمنة في قانون الكهرباء الجديد، والتي تعزز بدورها التوجه نحو زيادة الاعتماد على المصادر المحلية للطاقة.
من جهته، قال عضو هيئة التدريس في الجامعة الأردنية د. أحمد السلايمة إن "إستراتيجية الطاقة الوطنية قامت أساسا على مبدأ تعزيز الاعتماد على المصادر المحلية، وهو ما يجب أن يبقى محورا رئيسا في أي إستراتيجية للسنوات المقبلة، من خلال زيادة الاعتماد على الذات وتوسيع مساهمة المصادر المحلية في المزيج الطاقي".
وأوضح السلايمة أن الظرف الحالي يتطلب رفع مساهمة الطاقة المتجددة، وهو ما لا يمكن تحقيقه دون تطوير الشبكة الكهربائية وتحديث البنية الفنية التي تسمح بمزيد من مرونة استيعاب الطاقة النظيفة.
وأضاف: "تعديل أنماط استهلاك المواطنين للكهرباء عبر تطبيق تعرفة كهربائية متغيرة زمنيا يعد خطوة أساسية للمواءمة بين توليد الكهرباء والطلب عليها".
وبين أن وجود العدادات الذكية، التي باتت منتشرة على نطاق واسع، يتيح تطبيق التعرفة المتغيرة التي تحمل فوائد مباشرة، أبرزها خفض كلفة إنتاج الكهرباء وزيادة قدرة الشبكة على دمج الطاقة المتجددة، مشيرا إلى الحاجة لدفع الاستثمارات في الشبكة الكهربائية ومعالجة أي مشكلات فنية محتملة، إضافة إلى استمرار مشروع الصخر الزيتي كونه أحد مصادر الطاقة المحلية".
وشدد السلايمة على أهمية تبني إستراتيجية وطنية لكفاءة الطاقة، والبدء بتطبيقها في القطاع الحكومي والمباني العامة، لافتا إلى أن ترشيد الاستهلاك يسهم في استدامة الموارد وتقليل فاتورة الطاقة، خصوصا أن الأردن ما يزال يستورد نسبة مرتفعة جدا من احتياجاته الطاقية، وهو ما يشكل عبئا على الاقتصاد الوطني.
وفيما يتعلق بالهيدروجين الأخضر، أكد السلايمة أن المملكة بدأت بالفعل العمل على تطوير الإستراتيجيات وبناء القدرات وإطلاق مشاريع أولية، مشيرا إلى أن المستقبل يتجه نحو هذا المصدر الذي يستند إلى تحويل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح المتوفرتين بكثرة في الأردن إلى غاز الهيدروجين لاستخدامه كمصدر طاقة نظيف.
كما دعا السلايمة إلى إطلاق مشاريع حقيقية للهيدروجين الأخضر ليصبح الأردن مركزا إقليميا في هذا المجال، إلى جانب تطوير آليات جمع البيانات من العدادات الذكية وتوظيف الذكاء الاصطناعي في تحليلها واستخدامها لتحسين كفاءة النظام الكهربائي.
وأكد أهمية التوجه نحو الكهربة في القطاعات المختلفة، ولا سيما قطاع النقل، عبر تعزيز التحول إلى السيارات الكهربائية. وقال: "الربط بين قطاعي الطاقة والنقل ضروري لتقليل انبعاثات الغازات الدفيئة، والالتزام بالاتفاقيات الدولية، وتحسين الصحة العامة، نظرا لعدم وجود انبعاثات من المركبات الكهربائية".
كما أوضح أن التعرفة المتغيرة تتيح شحن المركبات في أوقات خارج الذروة، بما يحقق الاستفادة المثلى من الطاقة الشمسية وقت إنتاجها.
وأشار السلايمة إلى أن مفهوم التكامل بين القطاعات بات ضرورة ملحة، خصوصا مع الارتفاع الكبير لاستهلاك الطاقة الكهربائية في قطاع المياه، سواء في الناقل الوطني أو مشاريع تحلية المياه.
وبيّن أن التنسيق بين قطاع الطاقة وقطاعات المياه والزراعة والبيئة يجب أن يكون جزءا أساسيا من الإستراتيجية، من خلال إدارة الأحمال وتشغيل المضخات في أوقات مناسبة لتخفيف الضغط على الشبكة، فيما يُعرف بعملية إزاحة الأحمال.
وشدد على أهمية أن تكون إستراتيجية الطاقة المقبلة تكاملية، وأن تُبنى بشراكة بين وزارات الطاقة والبيئة والنقل والزراعة والمياه لضمان انسجام السياسات وتوجيه الجهود نحو تحقيق أمن الطاقة واستدامتها، بعيدا عن العمل القطاعي المنفصل.
وأكد الخبير الاقتصادي د. قاسم الحموري أن ملف الطاقة يشكل محورا أساسيا في أداء الاقتصاد الأردني، باعتبارها مدخلا إنتاجيا مباشرا يؤثر في مستوى تنافسية القطاعات الاقتصادية.
وأوضح أن خفض كلفة الطاقة من شأنه تعزيز قدرة الاقتصاد الوطني على المنافسة، مشيرا في الوقت ذاته إلى أن فاتورة الطاقة المستوردة ما تزال أحد أبرز أسباب العجز في الميزان التجاري.
وأضاف الحموري: "التوسع في الاعتماد على المصادر المحلية يسهم في الحد من هذا العجز، الأمر الذي ينعكس إيجابا على ميزان المدفوعات ورصيد المملكة من العملات الأجنبية".
ولفت إلى أن الأردن يمتلك طاقات كامنة ومخزونا كبيرا من موارد الطاقة، إلا أن استثمارها يتطلب إدارة أكثر كفاءة، خصوصا فيما يتعلق بتكثيف عمليات الاستكشاف في مجالي الغاز والنفط.
وفي سياق متصل، أشار الحموري إلى أن قطاع الطاقة الشمسية يواجه جملة من العقبات والإجراءات البيروقراطية التي تعيق تقدم المشاريع، سواء على مستوى المشاريع الكبرى أو الأنظمة المنزلية.
وانتقد الدور الذي تؤديه شركات الكهرباء في منح الموافقات لتركيب الأنظمة المنزلية، معتبرا أن في ذلك تضاربا في المصالح يستدعي إعادة النظر في آلية الموافقات المعمول بها حاليا.
وبين الحموري أن بإمكان الأردن الوصول إلى مرحلة يكون فيها نحو 80 % من احتياجاته من الطاقة من المصادر المحلية.
من جهته، قال رئيس برنامج الطاقة والبيئة في الاتحاد الأوروبي عمر أبو عيد: "تغير مزيج الطاقة في الأردن خلال السنوات الأخيرة يحمل دلالات مهمة على مسار القطاع، خصوصا مع تراجع مساهمة الغاز الطبيعي مقابل ارتفاع حصة كل من الصخر الزيتي والطاقة المتجددة".
وأوضح أن الشكل الأمثل لخليط الطاقة في المرحلة المقبلة يجب أن يرتكز على رفع نسبة المصادر المحلية بما يتوافق مع التوجهات الوطنية والرؤية الاقتصادية، لافتا إلى أن المتجددة تشكل حاليا نحو 27 % من إنتاج الكهرباء، بينما تبلغ مساهمة الغاز الطبيعي ما يقارب 60 %، وغالبية هذا الغاز مستوردة.
وبيَّن أبو عيد أن الإستراتيجية الوطنية السابقة استهدفت رفع حصة الطاقة المتجددة إلى ما لا يقل عن 30 % بحلول العام 2030، مقدِّرا أن المزيج الجديد وإستراتيجية القطاع المحدثة تتيحان إمكانية رفع هذه النسبة إلى ما بين 40 % و 50 % خلال السنوات المقبلة، شريطة الاستثمار المتوازي في تقنيات التخزين وتعزيز التكامل بين قطاع الطاقة وقطاعات المياه والنقل والصناعة.
وقال: "وجود بنية تخزين فعالة، سواء عبر مشاريع الضخ المائي أو تخزين البطاريات، يمثل خطوة حاسمة لزيادة القدرة الاستيعابية للشبكة ودمج كميات أكبر من الكهرباء المتجددة".
وأشار أبو عيد إلى أن تطوير الإنتاج المحلي من الغاز يعد محورا آخر لتعزيز أمن التزود بالطاقة، إذ بدأت المملكة بالفعل التوسع في استغلال الغاز المحلي، ولا سيما في حقل الريشة، واستخدامه في المدن الصناعية والتطبيقات الصناعية المختلفة.
وأضاف: "العمل جارٍ على مشاريع بنية تحتية جديدة، من بينها خطوط لنقل الغاز من شرق المملكة نحو المفرق وربطها لاحقا بخط الغاز العربي، ما يفتح المجال لاستخدام الغاز المحلي في مدن رئيسية مثل عمان والزرقاء، وفي قطاع النقل العام ولا سيما الشاحنات والحافلات".
وأكد أن وجود موارد محلية أخرى، مثل الصخر الزيتي الذي ينتج ما لا يقل عن
14–16 % من الكهرباء، يعزز قدرة الأردن على بناء مزيج طاقة أكثر استقلالية، ويقلل من الاعتماد على الاستيراد وتقلبات الأسواق العالمية.
وشدد على أن هذه التوجهات ضمن الإستراتيجية المحدثة والرؤية الاقتصادية تشكل أساسا لتحول هيكلي في قطاع الطاقة، ينعكس على مختلف القطاعات الحيوية، من الصناعة والخدمات والسياحة، إلى المياه التي تعد من أكثر القطاعات استهلاكا للطاقة في عمليات الضخ والمعالجة.
وأكد أبو عيد أن زيادة الاعتماد على المصادر المحلية، ورفع كفاءة الشبكة، والاستثمار في التخزين، وتطوير الغاز المحلي، جميعها عناصر رئيسة لبناء مزيج طاقة مستدام وقادر على دعم النمو الاقتصادي، وتحسين أمن التزود بالطاقة، وتوفير أسعار أكثر استقرارا للمستهلكين في المستقبل.