الغد-هبة العيساوي
تسلط تصريحات رسمية حديثة حول قطاع العاملين في المنازل الضوء على حجم التحديات المتراكمة في هذا المجال، بخاصة مع تسجيل آلاف الحالات التي غادرت أماكن عملها خلال الأعوام الأخيرة، ما يعكس قصورا بنيويا بمنظومة العمل المنزلي.
وتؤكد الجهات المختصة أن جوهر الإشكالية يتمثل بالممارسات المرتبطة بنظام المبيت الإلزامي داخل المنازل ونظام الكفالة، اللذين يخلقان بيئة غير متكافئة تزيد من فرص الاستغلال والانتهاكات.
وفي المقابل، برزت دعوات لإحداث إصلاح تشريعي شامل يشمل التحول لنظام الأجرة اليومية، ومنح تصاريح عمل مرنة على مستوى القطاعات، وتعزيز الرقابة على إجراءات الاستقدام لحماية حقوق العاملين وتقليل النزاعات.
وأشارت مؤسسات حقوقية إلى استمرار فجوات تشريعية وإجرائية تسمح بوقوع ممارسات تندرج ضمن الاتجار بالبشر، بما في ذلك عدم دفع الأجور وحجز الوثائق الرسمية وصعوبات تجديد الإقامة. وتجمع هذه الأصوات على ضرورة بناء منظومة آمنة ومنظمة وشفافة تضمن علاقة عمل قائمة على الكرامة والرضا، لا الإكراه.
وكان أمين عام وزارة العمل د. عبد الحليم دوجان أكد أهمية قطاع العاملين بالمنازل ودورهم في تعزيز علاقات عمل قائمة على الاحترام والالتزام بالقانون، مبينا أن خصوصية هذا القطاع تتطلب مهنية عالية وشفافية لأنه يتعامل مع عاملين يعيشون داخل الأسرة.
وشدد خلال ورشة نظمتها نقابة أصحاب مكاتب الاستقدام على أن بناء بيئة تحترم الكرامة الإنسانية ومنع أي شكل من الاستغلال يتطلب شراكة فاعلة بين جميع الأطراف.
من جانبه قال رئيس بيت العمال حمادة أبو نجمة، إن تصريحات أمين عام وزارة العمل حول عدد عاملات المنازل اللواتي غادرن منازل أصحاب العمل منذ عام 2019، البالغ حوالي 6 آلاف حالة، تسلّط الضوء على واحدة من أبرز الإشكاليات في قطاع العمالة المنزلية، وهي نظام المبيت الإلزامي داخل المنازل.
وأضاف، إن هذا النظام أثبت خلال السنوات الماضية أنه من الأسباب الرئيسة للنزاعات، إذ يدفع العديد من العاملات لمغادرة منزل مخدومها لغياب الخصوصية، والخوف من العنف أو الاستغلال، والعمل لساعات تفوق المسموح به دون القدرة على الاعتراض.
وأكد، أن توجه وزارة العمل لبحث نظام الأجرة اليومية لاستقدام العاملات، هو توجه إيجابي ومطلوب، سيحدث فرقا واضحا بتقليل الانتهاكات والنزاعات، لأنه يمنح العاملة حق العودة إلى سكن مستقل بعد انتهاء ساعات العمل، ويحميها من ظروف لا ترغب فيها، وفي الوقت نفسه يضمن استمرار الخدمة للأسر ضمن علاقة عمل واضحة ومنظّمة.
وأشار إلى أن النظام الجديد ينسجم مع المعايير الدولية لحماية العمالة المنزلية، ويمثل خطوة مهمة نحو تحديث التشريعات وتوفير بيئة عمل أكثر أمانا وإنسانية، وسيسهم بشكل كبير بتقليل حالات الهروب، وتسهيل جهود الجهات الحكومية في تنظيم القطاع ورقابته، وضمان علاقة عمل قائمة على الرضا لا الإكراه.
وأكد على أن تطبيق هذا التوجه ضمن إطار قانوني محكم، مع توفير آليات فعالة للتسجيل والمتابعة والرقابة، سيشكل نقلة نوعية في حماية حقوق العاملات، وتحسين مستوى الخدمة للأسر، وتعزيز سمعة الأردن في احترام حقوق العمالة المهاجرة.
بدوره قال مدير مركز الفينيق للدراسات الاقتصادية والمعلوماتية، أحمد عوض، إن جوهر الإشكالية المرتبطة بالاتجار بالبشر في قطاع العمل المنزلي لا يمكن معالجته بإجراءات رقابية محدودة أو حملات توعوية فقط، مشددا على أن الوقاية الحقيقية تتطلب إصلاحا تشريعيا وبنيويا عميقا بمنظومة استقدام العمالة غير الأردنية.
وأضاف، إن ربط العامل بصاحب عمل واحد "نظام الكفالة" يخلق علاقة قوة غير متكافئة، ويضع العمال في موقع هشاشة عالية تجعلهم أكثر عرضة للاستغلال والانتهاكات، معتبرا أن هذا النظام يمثّل أحد أبرز مصادر الخلل في سوق العمل.
وأوضح أن التحول إلى منح تصاريح عمل على مستوى القطاعات الاقتصادية، سيعزز حرية التنقل الوظيفي للعمال، ويرفع قدرتهم على حماية حقوقهم دون الخوف من فقدان الإقامة أو الدخل، الأمر الذي يشكل ركيزة أساسية لتحسين بيئة العمل والحد من الانتهاكات.
وأشار إلى أن إعادة النظر بنموذج عمل عاملات المنازل القائم على المبيت تمثل خطوة محورية للحد من أنماط الاستغلال غير المرئية، بخاصة تلك التي تقع خلف الأبواب المغلقة، داعيا لتبني نموذج أكثر حماية وشفافية.
وأكد أن التوسع في العمل النهاري، وحصر الإقامة بمنازل أصحاب العمل في أضيق الحدود ولحالات استثنائية واضحة، سيعزز منظومة الحماية ويسهم ببناء مقاربة وقائية شاملة تتعامل مع الاتجار بالبشر باعتباره نتاجا لخلل هيكلي في سوق العمل، وليس مجرد مخالفات فردية.
بدورها، قالت جمعية تمكين للمساعدة القانونية وحقوق الإنسان، إن عاملات المنازل ما زلن من الفئات الأكثر عرضة للاتجار بالبشر وشكل من أشكال العبودية الحديثة، مشيرة إلى أن عددا من العاملات يعملن مقابل الطعام والشراب والمأوى فقط، دون أي أجر، وهو ما يشكل انتهاكا صارخا لحقوق الإنسان والمواثيق الدولية.
وأضافت، أنه تم رصد نحو 29 حالة لعاملات منازل لم يتقاضين أجورهن لفترات تتراوح بين سنتين و23 عاما، إلى جانب تعرض بعضهن لانتهاكات أخرى، الأمر الذي يضعهن مباشرة ضمن فئة ضحايا الاتجار بالبشر.
وأكدت أن العمال المهاجرين في الأردن يواجهون عقبات تشريعية وإجرائية جوهرية، أبرزها صعوبة استصدار وتجديد تصاريح العمل والإقامة، إذ أظهر استبيان أجرته الجمعية أن 71 % من العمال المهاجرين غير قادرين على دفع رسوم تصريح العمل، فيما تتسبب الفجوة بين مدد العقود (عامان) ومدد الإقامة المسموح بها (عام واحد) في دفع العديد منهم إلى الوقوع في مخالفة قانونية دون قصد.
وأشارت إلى أن البيئة التشريعية الحالية، وخاصة قوانين العمل والإقامة والأجانب، غير متناغمة تماما مع متطلبات مكافحة الاتجار بالبشر، ما يتيح ثغرات تُستغل ضد العمال.
كما لفتت إلى استمرار حجز جوازات السفر والوثائق الرسمية لدى أصحاب العمل، رغم مخالفة ذلك لقانون جوازات السفر وقانون العقوبات والعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية.
ويعد احتجاز الوثائق من أبرز وسائل السيطرة على العمال، ويشكّل عائقا أمام اللجوء إلى القضاء أو العودة إلى بلدهم.
وشددت تمكين على أن العمال المهاجرين يواجهون مخاطر الاحتجاز الإداري والإبعاد بسبب بلاغات "الهروب" أو بسبب تراكم الغرامات ورسوم الإقامة، رغم أن مسؤولية تجديدها تقع قانونا على صاحب العمل.
وغالبا ما يبقى المهاجر محتجزا لفترات طويلة بانتظار الإجراءات دون تواصل مع أسرته أو وجود مسار واضح للطعن.
وأكدت الجمعية أن غياب الحماية التشريعية الكاملة، وضعف سبل الوصول إلى العدالة، وطول أمد التقاضي، كلها عوامل تؤدي إلى إفلات الجناة من العقاب واستمرار دوامة الانتهاكات، داعية إلى تعديل التشريعات لتصبح منسجمة مع قانون منع الاتجار بالبشر، وإلغاء نظام الكفالة الذي يعد أحد أبرز مسببات الاستغلال، وضمان إصدار تصاريح إقامة مؤقتة للضحايا لحمايتهم أثناء إجراءات التقاضي، وتعزيز الرقابة على ممارسات أصحاب العمل ومكاتب الاستقدام، وتمكين العمال من الوصول الآمن إلى الشكوى والعدالة دون خوف من العقوبة أو الإبعاد.