الغد
الجميع متفق بأن حركة التجارة العالمية تواجه في الوقت الحاضر تحديات غير مسبوقة مع تصاعد حروب التعرفات الجمركية التي اتخذتها الإدارة الأمريكية الجديدة أداة رئيسة لها في محاولة لتقليل العجوزات في ميزان التبادل التجاري مع معظم دول العالم مثل الصين وألمانيا والمكسيك وفيتنام واليابان وكوريا الجنوبية، علاوة على رفع شامل للتعرفات الجمركية على معظم دول العالم.
بهدف تشخيص نتائج هذه التوجهات، نشر البنك الدولي مؤخرا تقريرا حول هذا الموضوع، ارتأينا أن نتوقف معه في هذه المقالة بغرض تعميم الفائدة.
تشير توقعات البنك إلى تباطؤ نمو التجارة العالمية بشكل ملحوظ هذا العام، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى الآثار التراكمية لارتفاع التعريفات الجمركية وتزايد حالة عدم اليقين بشأن السياسات التجارية. ووصلت حالة عدم اليقين بشأن تلك السياسات إلى مستوى غير مسبوق في أعقاب الإعلان عن التعريفات الجمركية الأمريكية في نيسان (أبريل)، لكنها خفت بعض الشيء منذ ذلك الحين مع تراجع الإدارة الأميركية عن بعض التدابير المقررة ودخولها في مفاوضات تجارية مع العديد من البلدان.
وبعد بداية قوية لهذا العام، والتي تعود إلى عدة أسباب منها التعجيل بعمليات تحميل السلع والبضائع وشحنها قبل البدء في تطبيق الزيادات الكبيرة في التعريفات الجمركية، من المتوقع أن يتباطأ النمو السنوي للتجارة العالمية من 3.4 % في عام 2024 إلى نحو 1.8 % في عام 2025.
وتعزز المؤشرات هذا الانخفاض واسع النطاق. فعلى سبيل المثال، تظهر مؤشرات مديري المشتريات في الصناعات التحويلية، التي تعكس سلامة هذا القطاع، تقلص طلبات التصدير الجديدة في أكثر من ثلثي البلدان التي تفصح عن بياناتها. وفي الواقع، تشير المؤشرات إلى أن هذه الطلبات انخفضت إلى أدنى مستوى لها خلال 20 شهراً في نيسان (أبريل)، وأنها ظلت منخفضة في أيار (مايو). واستشرافاً للمستقبل، وإذا خفت حدة التوترات على صعيد السياسات وتمكنت سلاسل الإمداد والتوريد من التكيف مع وضع جديد يتسم بارتفاع التعريفات الجمركية، فإن البنك يتوقع انتعاشاً طفيفاً في نمو التجارة العالمية ليصل إلى 2.7 % في عام 2026.
وتتفاوت آفاق نمو التجارة بين مجموعات البلدان بصورة كبيرة، مما يعكس التفاوت في مستوى تأثرها بالتدابير والإجراءات التقييدية، وأيضاً بحالة عدم اليقين بشأن السياسات التجارية. وكانت الاقتصادات المتقدمة قد فرضت ما يقرب من 70 % من القيود التجارية الجديدة منذ عام 2022، على الرغم من أن الحواجز التجارية التي فرضتها ما تزال عموماً أقل من تلك التي تفرضها الاقتصادات النامية. وتؤثر القيود المتزايدة بشكل غير متناسب على اقتصادات الأسواق الصاعدة والاقتصادات النامية التي تعتمد على هذه الأسواق.
وقد ترتفع الصادرات في بعض البلدان المصدرة للنفط مع تخفيف قيود الإنتاج، على الرغم من ضعف الطلب العالمي. ويشير هذا التباين إلى أن الخصائص والسمات المميزة للبلدان وروابطها مع الأسواق ستؤدي على الأرجح إلى اختلاف ملحوظ في النواتج بين المناطق، حتى مع الظروف المعاكسة التي تعوق أنشطة التجارة العالمية بشكل عام.
وبشأن المخاطر الرئيسة التي تهدد التجارة العالمية يقول التقرير إن تفاقم هذه الإجراءات قد تدفع عدد أكبر من الدول إلى فرض قيود تجارية خاصة بها لحماية صناعاتها المحلية، مما يضاعف من الأثر السلبي على تدفقات التجارة والطلب العالمي. وإلى جانب هذه الضغوط على المدى القريب، فإن أوجه عدم اليقين طويلة الأجل التي تحيط بإعادة تنظيم سلاسل الإمداد والتوريد تفاقم من مخاطر التطورات السلبية. فعلى سبيل المثال، قد تقوم الشركات بتأجيل قرارات إعادة هيكلتها بسبب عدم وضوح اتجاهات السياسات، مما يؤدي إلى إبطاء الاستثمار في إستراتيجيات الشراء والتوريد الجديدة. وإذا استمرت الاقتصادات الكبرى في انتهاج السياسات التي تركز على شأنها الداخلي فقط، فقد يتمثل أثرها التراكمي في حدوث فترة طويلة من ضعف نمو التجارة، وما يرتبط به من ضعف الاستثمار وتباطؤ مكاسب الإنتاجية.
لطالما كانت التجارة العالمية قاطرة قوية للنمو الاقتصادي على مدى عقود. ولذلك يجب على واضعي السياسات اتخاذ إجراءات حاسمة الآن. ومن الضروري تخفيف حدة التوترات، وتعزيز المفاوضات التجارية، والحد من القيود، وتنويع سلاسل الإمداد، وفتح أسواقٍ جديدة للحفاظ على هذه القاطرة وتجاوز فترة طويلة قادمة من ضعف التوسع في التجارة.