أخبار سوق عمان المالي / أسهم
 سعر السهم
Sahafi.jo | Rasseen.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
  • آخر تحديث
    04-Dec-2024

الناتج المحلي الإجمالي: نحو رؤية جديدة لقياس النمو

 الغد-د. عبير مصلح

يقترب موعد إصدار معدلات الناتج المحلي الإجمالي بنهاية الشهر القادم، ونظرا للتطور العالمي المستمر وانتشار العولمة بجميع أشكالها، أصبح دور معدلات مؤشر الناتج المحلي الإجمالي في تقدم الاقتصادات الناشئة وكذلك في التعبير عن مقياس النمو الاقتصادي محدودا، فالمؤشر لم يشهد تطورا يواكب التغيرات الحاصلة منذ مدة طويلة، رغم أنه ما يزال يُستخدم كمقياس للتقدم. 
 
 
الناتج المحلي الإجمالي مقياس لتقييم أداء الاقتصاد باحتساب قيمة السلع والخدمات المنتجة والمستهلكة، إضافة للمدخرات والاستثمار، والنفقات الحكومية، والإيرادات الضريبية، وصافي الصادرات، بفترة زمنية معينة عادة ما تكون سنة أو ربع سنة، ويتم قياس القيمة الإجمالية للإنتاج الاقتصادي لبلد ما باستخدام الناتج المحلي الإجمالي، والذي يعكس استقرار وموثوقية ونمو الأنشطة الاقتصادية في الدولة. والناتج المحلي الإجمالي البوابة الأساسية للمشاركة بالاقتصاد العالمي، ويسهم بالوصول لبرامج التمويل الدولية التي تهدف إلى تحسين مستويات المعيشة، تقليل معدلات الفقر، وزيادة الإيرادات الضريبية فقط. وهو اختراع حديث نسبياً ظهر نتيجة الأزمة الاقتصادية العالمية في الثلاثينيات والحرب العالمية الثانية.
 
تعرض المقياس للنقد المستمر على مدى السنوات العشر الأخيرة نظرا لما شهده العالم من تغير وتطور كبير يتطلب تطوير طريقة قياس النمو بشكل عام وكذلك النمو الاقتصادي بشكل خاص، ليكون متوائماً مع التطورات الاقتصادية الحاصلة كالاقتصادات الجديدة وسلاسل القيمة وتأثيرات التحول الرقمي والعولمة المتطورة والتمويل الإسلامي والاستثمار في المجالات البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات، إضافة لتمويل العمل المناخي.
ازدادت هذه الحاجة الحاحا بعد الأزمات العالمية كالأزمة المالية في 2008 وجائحة كورونا والحرب الروسية الأوكرانية وأزمتي الطاقة والغذاء العالميتين.
ظهرت نظريات أخرى تدعم الفكرة، من أبرزها مفهوم «اقتصاد الدولة المستقر» الذي قدمه الخبير الاقتصادي الأميركي هيرمان دالي، واستمر بتطويره والدعوة إليه لمدة تتجاوز الخمسين عامًا، حيث أكد أن «الهوس بالنمو لابد أن يتوقف، وأن التركيز المستمر على النمو الاقتصادي معركة خاسرة تحصر نطاق حدود النظم القائمة». 
بعض الاقتصادات المتقدمة بالاتحاد الأوروبي تتطلع لإعادة النظر في تقييم وقياس مدى التقدم الاقتصادي والاجتماعي من خلال إحصاءات الناتج المحلي الإجمالي، مع بدء الأخذ بعين الاعتبار المقاييس المختلفة التي يجب رصدها من خلال التركيز على التنمية ودعم القضاء على الفقر ومعدلات تحقيق المساواة والارتقاء بالخدمات الحكومية، فضلاً عن رصد مؤشرات مدركات الفساد وصولاً لتوفير مستويات متقدمة من الرفاهية الاجتماعية وجودة الحياة.
من المتوقع أن يصبح الانتقال من الاعتماد على الناتج المحلي كمؤشر رئيسي لقياس النمو أمرا لا مفر منه بالمستقبل، بابتكار نظام بديل لقياس النمو خلال العقدين القادمين، ليعكس بشكل أكثر دقة الاقتصادات الناشئة والمستقبلية، ويأخذ باعتباره الأولويات البيئية والتطورات الاجتماعية. هذا في إطار التعاون الدولي المستمر لتحقيق أهداف مشتركة كأهداف التنمية المستدامة والالتزامات المناخية والسعي لتحسين جودة الحياة والشفافية والعدالة الاجتماعية والمساواة، إضافة الى الاستقرار المالي
في ذات السياق تم إنشاء العديد من المؤشرات والأطر الدولية لقياس النمو بما يتجاوز الاقتصاد وحده، مثل مؤشر التنمية البشرية، ومؤشرات التنافسية العالمية، وتقرير السعادة العالمي. وتشتمل بعض هذه المؤشرات على أبعاد مشتركة، بينما يُعتبر بعضها الآخر أكثر شمولًا من غيره، أو قد يكون غير قابل للتطبيق أو عملي في جميع الدول.
وعلى الصعيد العملي سنجد هناك تحديات تواجه رصد النمو العالمي من خلال التحول الى خارج اطار الناتج المحلي الإجمالي، وتتجلى تلك التحديات في أمرين، الأول يتمحور حول غياب الاتفاق على مفهوم تقدم النمو الاقتصادي والأسس النظرية له، والثاني وجود حالة من الالتباس بشأن طبيعة التدابير الجديدة لرصد معدلات النمو في العالم، وما إذا كان من الأفضل أن تكون هذه التدابير مكملة للناتج المحلي الإجمالي، أو أن تحل محله، أو أن تعمل على توسيع نطاقه وتحسينه.
ورغم التحديات التي تعوق قياس النمو خارج إطار الناتج المحلي الإجمالي إلا أن تعزيز الجهود العالمية في هذا المجال كفيلة بالوصول في نهاية المطاف إلى بديل مثالي يقاس فيه النمو خارج الإطار الذي أصبح تقليدياً ولا يعكس الواقع، وهو المستقبل الذي قد يتطلب تحقيقه المزيد من الوقت والتقدم التقني، إلا أننا نتطلع الى أن يسعى العالم المتقدم إلى تحقيقه قريباً.