المباني الخضراء.. وفر في الفواتير يعوض ارتفاع كلف الإنشاء
الغد-رهام زيدان
أكد خبراء أن تحفيز التوجه نحو المباني الخضراء، مخفضة استهلاك الطاقة، يسهم في تحقيق أهداف زيادة مساهمة الطاقة المتجددة وتحسين كفاءتها وتعزيز الاستدامة البيئية.
يأتي ذلك في وقت بدأت فيه وزارة الطاقة والثروة المعدنية نهاية الأسبوع الماضي تنفيذ مشروع " تعزيز انتشار المنازل والمباني ذات الاستهلاك الصفري للطاقة" بالتعاون مع الوكالة اليابانية للتعاون الدولي (JICA).
ويهدف المشروع الأول من نوعه في الأردن إلى صياغة إطار تشريعي متكامل يغطي الإجراءات القانونية وآليات التمويل والحوافز لتشجيع انتشار المنازل الخضراء في الأردن، وبناء القدرات حول إدارة الطلب على الطاقة، نتيجة شحن السيارات الكهربائية وانتشار المنازل الخضراء.
وتعرف الوزارة المنازل والمباني ذات الاستهلاك الصفري للطاقة على أنها التي تتبع عددا من ممارسات البناء والتصميم واستخدام التكنولوجيا لترشيد وتقليل استهلاك الطاقة لأكبر قدر ممكن، وتوظيف الطاقة المتجددة لتغطية الاستهلاكات المتبقية، بحيث يكون صافي استهلاك الطاقة في هذه المنازل والمباني (صفرا).
ويشير خبراء إلى أن هناك مشكلة تتمثل بارتفاع كلف إنشاء المباني ذات الاستهلاك الصفري في بلد يعاني من ارتفاع كلف الإنشاء أصلا، لكن من يتحمل هذه الكلفة يسترد الزيادة التي يدفعها على البناء بفترة تتراوح بين 5 و10 سنوات بحسب تقديرات مراقبين.
ويلفت خبراء إلى أن هذا النوع من المباني يمكن أن يوفر بين 50 %
إلى 100 % من فاتورة الكهرباء، بحسب تصميمه واعتماده على الطاقة المتجددة، وخفض استهلاك المياه بنسبة تصل إلى 30-50 % باستخدام أنظمة إعادة التدوير وحصاد المياه.
وقال رئيس اتحاد الجمعيات البيئية عمر الشوشان: "المنازل الخضراء أو الاستهلاك الصفري هي مفهوم يتعلق بتصميم وبناء المنازل بطرق تجعلها أكثر استدامة بيئيا، و"الاستدامة البيئية" تعني قدرة المنزل على تقليل تأثيره على البيئة من خلال استخدام مواد صديقة للبيئة منها تقنيات توفير الطاقة، إدارة المياه، وتحسين العزل وتقليل انبعاثات الكربون".
أما "الاستهلاك الصفري" (أو ما يعرف بـ"صفر الطاقة") فيشير إلى المنازل التي تنتج كمية من الطاقة المتجددة (مثل الطاقة الشمسية أو الرياح) تعادل أو تفوق استهلاكها للطاقة من الشبكة وبمعنى آخر، يمكن للمنزل أن يعمل بشكل مستقل تقريبا عن شبكة الكهرباء التقليدية.
وأوضح الشوشان أن أهمية وفوائد المنازل الخضراء والاستهلاك الصفري تتمثل في خفض فواتير الطاقة، حيث يوفر استهلاك الطاقة من خلال تقنيات العزل الجيد والمصادر المتجددة في فواتير الكهرباء والغاز، كما يسهم ذلك تقليل انبعاثات الغازات الدفيئة واستخدام مصادر طاقة نظيفة تسهم في تقليل الآثار السلبية على البيئة.
كما يحقق مفهوم المنازل الخضراء توفير بيئة داخلية صحية، مع تهوية جيدة وإضاءة طبيعية مما يعزز جودة الحياة، إضافة إلى ذلك فإن المنازل التي تعتمد على تقنيات صديقة للبيئة قد تشهد زيادة في قيمتها في المستقبل، حيث يُتوقع أن تزداد قيمة العقارات المستدامة.
أما المنازل ذات الاستهلاك الصفري فإنها توفر مستوى من الاستقلالية عن شبكات الطاقة التقليدية، مما يمكن أن يكون مفيدا في حالة انقطاع الكهرباء أو تذبذب الأسعار، كما تشجع هذه المنازل على استخدام تكنولوجيا مبتكرة مثل الألواح الشمسية، وأنظمة التخزين الذكي للطاقة، وتقنيات المياه المعاد استخدامها، مما يساهم في تطوير تقنيات جديدة وفعّالة.
وقال الشوشان "إن تطبيق المنازل الخضراء والاستهلاك الصفري في الأردن هو أمر قابل للتنفيذ في ظل الإمكانيات المتاحة، ولكن يحتاج إلى تكامل بين الحكومة، القطاع الخاص، وتوفير آليات دعم وميزات مستمرة لتجاوز الصعوبات منها البنية التحتية للطاقة المتجددة، بالرغم التقدم في استخدام الطاقة الشمسية في الأردن، إلا أن القطاع يواجه تحديات في ضمان توافر الطاقة المتجددة بشكل واسع في جميع المناطق.
وحول أبرز تحديات هذا التحول قال الشوشان "إن تكاليف تقنيات البناء المستدام قد تكون مرتفعة، خصوصا في البداية، ما قد يحد من قدرة الأفراد على تنفيذ مثل هذه المشاريع" مشيرا إلى أن المنزل الأخضر يمكن أن يحقق توفيرا يتراوح بين 50 % إلى 100 % من فاتورة الكهرباء، بحسب تصميمه واعتماده على الطاقة المتجددة، وخفض استهلاك المياه بنسبة تصل إلى 30-50 % باستخدام أنظمة إعادة التدوير وحصاد المياه، في وقت يمكن أن تصل فيه فترة استرداد التكاليف الإضافية للبناء الأخضر عادة خلال 5 إلى 10 سنوات من التشغيل.
وقالت الباحثة في شؤون الطاقة م.ديانا عثامنة "إن المنازل الخضراء، أو المباني ذات الاستهلاك الصفري للطاقة، هي مبان تُصمم لتقليل استهلاك الطاقة إلى الحد الأدنى مع الاعتماد على مصادر الطاقة المتجددة لتلبية الاحتياجات المتبقية، مما يؤدي إلى تحقيق توازن صفري في استهلاك الطاقة، وتعتمد هذه المنازل على ممارسات تصميم وبناء متقدمة مثل تحسين العزل الحراري، التهوية الطبيعية، وتركيب أنظمة الطاقة الشمسية".
وتكمن أهمية المنازل الخضراء في فوائدها المتعددة بيئيا بحسب عثامنة، حيث تسهم في تقليل انبعاثات الغازات الدفيئة، الحفاظ على الموارد الطبيعية، والتقليل من الآثار البيئية السلبية، أما اقتصاديا، تقلل من تكاليف الطاقة والمياه، وتزيد من قيمة العقارات، وتحسّن من كفاءة استخدام الموارد، مما يؤدي إلى وفورات مالية على المدى البعيد.
بالإضافة إلى ذلك، توفر هذه المنازل بيئة معيشية أكثر صحة وراحة، مع تحسين جودة الهواء الداخلي وتعزيز رفاهية السكان، وقالت "إن إنشاء المنازل الخضراء في الأردن يحقق وفرا اقتصاديا كبيرا على مستويات متعددة، مما يبرز أهميته الاقتصادية والبيئية".
وأضافت، " أولا، يؤدي تحسين كفاءة استخدام الطاقة في المباني الخضراء إلى تقليل استهلاك الطاقة بنسبة تصل إلى 50 % أو أكثر، مما ينعكس بشكل مباشر على خفض تكاليف التدفئة والتبريد، التي تُعد من أكبر بنود الإنفاق على الطاقة المنزلية".
إضافة إلى ذلك، بينت عثامنة، أن انخفاض استهلاك الطاقة في المباني الخضراء يقلل من انبعاثات الكربون، مما يُسهم في تحسين البيئة العامة وتقليل تكاليف الرعاية الصحية المرتبطة بأمراض التلوث.
بالتالي، فإن تطبيق تقنيات البناء الأخضر لا يوفر تكاليف على المستوى الفردي فقط، بل يُسهم أيضا في تخفيف العبء الاقتصادي على النظام الصحي الوطني
كما بينت أن المنازل الخضراء تقدم وفرا مزدوجا، يتمثل في خفض تكاليف التدفئة والتبريد والطاقة، وتحسين الصحة العامة للسكان، مما يعزز الاستدامة الاقتصادية والبيئية ويُعد استثمارا طويل الأجل له آثار إيجابية على الأفراد والمجتمع ككل، مشيرة إلى أن تطبيق المنازل الخضراء في الأردن ممكن وضروري في ظل التوجه العالمي نحو الاستدامة، خاصة مع الجهود التشريعية والتنظيمية التي بذلتها المملكة لتعزيز هذا المفهوم.
وأشارت عثامنة إلى أن وزارة الأشغال العامة والإسكان، قامت بالتعاون مع الجهات المعنية، بإصدار كودات بناء متخصصة تشمل كودة العزل الحراري وكودة المباني الموفرة للطاقة وكودة الطاقة الشمسية، التي تهدف إلى تحسين كفاءة استخدام الموارد وتقليل استهلاك الطاقة، كما تم تشكيل اللجنة الفنية للمباني الخضراء عام 2016 لإعداد دليل شامل للممارسات الصديقة للبيئة، حيث أُنجز "دليل الأبنية الخضراء الأردني" بالتعاون مع الجمعية العلمية الملكية ليكون مرجعا علميا وعمليا لمواجهة تحديات استدامة المباني
من جهته، قال نائب رئيس جمعية الشركات العاملة في مجال الطاقة المتجددة مهند العجارمة "إن المباني الخضراء تعد توجها عالميا الآن نظرا للوفر الكبير في استهلاك الطاقة الذي يمكن أن يتحقق منها".
غير أن العائق قد يكون في الكلفة الابتدائية لعمل هذه المباني أو المنازل والتي قد تكون مرتفعة، إلا أنه بين أن هذه الكلفة يمكن استردادها على المدى الطويل من خلال خفض قيم استهلاك الطاقة التقليدية.
وأشار العجارمة إلى أن هذا الأمر يتطلب سياسات وتشريعات تحفز على التوجه نحو المنازل الخضراء من خلال منح إعفاءات معينة معتبرا أن ذلك جزء من السياسة التسويقية لدعم توجه المواطنين نحو هذا المجال.
وقال العجارمة "إن قطاع الطاقة المتجددة جاهز ومهيأ للخوض في هذا المجال" مشيرا إلى أن قطاع الإنشاءات يعلب دورا مهما في هذا الأمر من خلال المواد المستخدمة في عمليات البناء والإنشاء.
ووفقا لوزارة الطاقة فإن المشروع يساهم في تحقيق الأهداف الإستراتيجية لقطاع الطاقة المتمثلة بزيادة مساهمة الطاقة المتجددة وتحسين كفاءة الطاقة، مما ينعكس بشكل إيجابي على تعزيز أمن التزود بالطاقة في الأردن، ويعكس التزام الأردن بالتنمية المستدامة.
ويُنفذ المشروع بالشراكة مع فريق عمل فني يضم ممثلين من عدة جهات وطنية هي( وزارة البيئة، وزارة الأشغال العامة والإسكان، المجلس الوطني الأردني للبناء، مؤسسة المواصفات والمقاييس، شركة الكهرباء الوطنية، هيئة تنظيم قطاع الطاقة والمعادن، وزارة المالية، وزارة الإدارة المحلية، وأمانة عمان الكبرى).