الاستثمار.. الزمن لا ينتظر*موسى الساكت
الغد
الناس اليوم أكثر وعيا من أي وقت مضى، ويبحثون عن لغة واقعية، شفافة، تضع التحديات كما هي، وتقترح حلولا قابلة للتطبيق.
لا يمكن الحديث عن مستقبل اقتصادي واعد للأردن، من دون وضع الاستثمار في صدارة الأولويات. فالعالم اليوم لا يتنافس فقط على الموارد، بل على رأس المال الجريء والذكي، القادر على خلق فرص العمل، وتحفيز النمو، وتحسين جودة الحياة.
ننظر حولنا فنرى كيف أصبحت دول مثل الإمارات والسعودية وتركيا وحتى عُمان، وجهات جذب رئيسية للمستثمرين، ليس لأن لديها فقط موقعا استراتيجيا، بل لأنها خلقت بيئة استثمارية حقيقية: ضرائب منخفضة أو واضحة، كلف تشغيل معقولة، بنية تحتية متطورة، ونظم رقمية تمكن المستثمر من إنهاء إجراءاته خلال ساعات، لا أشهر.
أما في الأردن، فرغم الموقع الجغرافي الفريد الذي يفترض أن يجعل منه مركزا لوجستيا وصناعيا إقليميا، إلا أن الواقع مختلف تماما. المستثمرون يرون في الأردن تعقيدات بيروقراطية، كلف تشغيل مرتفعة نسبيا، ضرائب متعددة، وعدم وضوح في السياسات، ما يجعل المنافسة مع دول الجوار شبه خاسرة.
الحل لا يكمن في الكلام عن الإمكانات فقط، بل في تحويل الموقع إلى قيمة اقتصادية مضافة، وتوطين الاستثمارات عبر:
• تخفيف الضرائب والرسوم لتكون عادلة ومشجعة.
• خفض الكلف ما أمكن، التي تثقل كاهل القطاعات الإنتاجية خاصة، والاستثمارات الأخرى عامة.
• أتمتة الإجراءات وتبسيطها بالكامل.
• تقديم حوافز حقيقية، لا ورقية، للمستثمر.
• إنشاء مناطق صناعية حرة متخصصة، عند نقاط العبور لتعظيم القيمة المضافة من الموقع الجغرافي.
• تسهيل الإجراءات الجمركية والضريبية لخلق بيئة أعمال مرنة ومشجعة.
• تشجيع شركات الشحن والخدمات اللوجستية على اتخاذ الأردن مركزا إقليمياً للعمليات.
• خلق شراكات حقيقية مع دول الجوار، تقوم على تبادل المصالح لا مجرد المرور العابر.
أما عن الضرائب وكلف الطاقة والتعقيدات الإدارية، فهي فعلا من أبرز معيقات الاستثمار، ولا يمكن الحديث عن منافسة تركيا أو مصر أو الإمارات من دون إصلاح جذري وشجاع في هذه الملفات.
إن الاستثمار ليس رفاهية، بل ضرورة. وخلق بيئة استثمارية تنافسية هو قرار سياسي واقتصادي في آنٍ واحد. فإذا كنا نريد لأبنائنا مستقبلا أفضل، فلا بد أن نجعل من الأردن مكانًا ينتج فيه، لا يغادر منه.
الفرصة ما تزال قائمة، لكن الزمن لا ينتظر.