جاهزية الخريجين لسوق العمل المصرفي*د. رعد محمود التل
الراي
يشكل القطاع المصرفي في الأردن أحد أبرز القطاعات الاقتصادية التي تسهم بدفع النمو وخلق فرص عمل في الاردن، لذلك جاهزية الخريجين الجدد للاندماج في سوق العمل المصرفي من الموضوعات الحيوية التي تهم القطاع المالي. وفي هذا السياق، أعدت جمعية البنوك دراسة موسعة ، استندت فيها إلى آراء مسؤولي الموارد البشرية في البنوك العاملة في المملكة، وإلى بيانات التوظيف للعام 2024. وهدفت الدراسة إلى تحليل واقع التوظيف والمهارات المطلوبة واتجاهات العمل المستقبلية في القطاع المصرفي.
تشير نتائج الدراسة إلى أن حجم القوى العاملة في القطاع المصرفي بلغ 22,996 موظفاً وموظفة مع نهاية عام 2024. ويمثل الذكور منهم 14,827 موظفاً بنسبة 64.5 بالمئة، مقابل 8,169 موظفة بنسبة 35.5 بالمئة. وتعكس هذه الأرقام قدرة القطاع المصرفي على استيعاب الكفاءات البشرية، وخاصة الشباب. فقد بلغ عدد الخريجين الجدد الذين تم توظيفهم خلال عام 2024 نحو 1,283 موظفاً، أي ما نسبته 49 بالمئة من إجمالي التعيينات، مما يؤكد استمرار دور القطاع في توفير فرص عمل نوعية لجيل الشباب.
وتبرز الدراسة أن التعيينات الجديدة تتركز في الوظائف التشغيلية داخل الفروع وخدمة العملاء، والتي تشكل أكثر من نصف الوظائف المستحدثة. وتشمل هذه المسميات: أمين صندوق، موظف خدمة العملاء، موظف مركز الاتصال، وضابط علاقات العملاء والبيع المباشر. ويظهر ذلك استمرار أهمية التفاعل المباشر مع العملاء داخل الفروع أو عبر القنوات الهاتفية، حتى مع تنامي الاعتماد على الخدمات الرقمية.
وفي المقابل، يشهد القطاع تحولاً واضحاً نحو التوظيف في مجالات التقنية والدعم الرقمي. فقد أفادت ثمانية بنوك بأنها قامت بتعيين خريجين جدد في وظائف تشمل: دعم تكنولوجيا المعلومات، تطوير تطبيقات الأنظمة، الأمن السيبراني المبتدئ، والخدمات المصرفية الرقمية. ويعكس هذا التوجه مدى تقدم التحول الرقمي، وتزايد الحاجة إلى كوادر قادرة على حماية الأنظمة وضمان استمرارية الخدمات المصرفية عن بعد.
كذلك أشارت الدراسة إلى طلب متنامٍ على الوظائف ذات الطابع التحليلي والرقابي لدى ستة بنوك. وتشمل هذه الوظائف مجالات تحليل الأعمال والبيانات، إدارة المخاطر، والتدقيق الداخلي. وهذا يؤكد تصاعد أهمية تحليل البيانات في دعم صنع القرار، إلى جانب تشديد المتطلبات الرقابية والامتثال في ظل التطور التكنولوجي السريع في القطاع. كما تستمر البنوك في الاعتماد على الوظائف التشغيلية المتخصصة التي تضمن سلامة العمليات المالية، مثل موظفي الحوالات، والاعتمادات المستندية، ومعالجة حسابات العملاء. وتبقى هذه الوظائف جزءاً محورياً من العملية المصرفية رغم التوسع الرقمي.
أما من حيث التخصصات الأكاديمية المطلوبة، فتؤكد الدراسة استمرار التركيز على تخصصات المحاسبة، والعلوم المالية والمصرفية والاقتصاد، وإدارة الأعمال، باعتبارها الأساس للوظائف المصرفية التقليدية. وفي الوقت ذاته، يتزايد الطلب على تخصصات تكنولوجيا المعلومات، وعلوم الحاسوب، والأمن السيبراني، وتحليل البيانات. كما لاحظت الدراسة دخول تخصصات حديثة إلى دائرة الاهتمام، مثل الذكاء الاصطناعي وإدارة البيانات، في مؤشر واضح على تطور رؤية البنوك لمتطلبات المستقبل.
ورغم ارتفاع نسب التوظيف بين الخريجين الجدد، إلا أن البنوك تواجه تحديات تتعلق بضعف المعرفة بأساليب العمل المصرفي الحديثة، وانخفاض مستوى المهارات المتخصصة، إضافة إلى محدودية مهارات الاتصال والتواصل. وتشمل التحديات أيضاً ضعف إتقان اللغة والتعامل مع التطبيقات الرقمية، وقلة الوعي بثقافة العمل المصرفي. وتكشف هذه التحديات عن فجوة قائمة بين مخرجات الجامعات واحتياجات سوق العمل.
وتتوقع الدراسة نمواً ملحوظاً في وظائف تعتمد على التكنولوجيا والتحليل المتقدم للبيانات خلال السنوات المقبلة. ومن بين الوظائف المرشحة للازدهار: محلل البيانات الضخمة، أخصائي الذكاء الاصطناعي، أخصائي الأمن السيبراني المالي، محلل البيانات المالية، مسؤول الامتثال والحوكمة الرقمية، محلل المخاطر التكنولوجية، مطور التطبيقات المصرفية، ومحلل نظم المدفوعات الرقمية. وتشير هذه التوقعات بوضوح إلى أن مستقبل القطاع المصرفي مرتبط بالابتكار الرقمي.
وتحمّل الدراسة كلاً من البنوك والجامعات مسؤولية مشتركة في تعزيز جاهزية الخريجين. إذ توصي الجامعات بتحديث برامجها التعليمية لتدمج بين المعرفة المالية والمهارات التقنية عبر تخصصات بينية مثل المالية والتحول الرقمي أو المحاسبة وتحليل البيانات. كما تدعو إلى التوسع في التدريب العملي والشراكات مع البنوك لإكساب الطلبة خبرات عملية ترفع من فرص توظيفهم.
تؤكد الدراسة أن القطاع المصرفي في الأردن يمر بمرحلة انتقالية تجمع بين الوظائف التقليدية والمهارات الرقمية الحديثة. ولتمكين الشباب من اغتنام الفرص الواعدة في هذا القطاع الحيوي، لا بد من تطوير منظومة التعليم لتتماشى مع متطلبات سوق العمل. تعكس جاهزية الخريجين ونوعية التوظيف في البنوك أهمية تحويلها من مجرد مستوعب للعمالة الشابة إلى محفز للنمو الاقتصادي عبر الوظائف الرقمية والتحليلية ذات القيمة المضافة العالية. الفجوة بين مخرجات التعليم واحتياجات السوق تشكل تكلفة اقتصادية يمكن تقليلها من خلال برامج تعليمية بينية وتدريب عملي موجه. كما أن تعزيز كفاءة الخدمات الرقمية وإدارة المخاطر التكنولوجية يسهم في توسيع الشمول المالي واستقرار القطاع المصرفي، ويجعل البنوك محركاً أساسياً للابتكار والنمو المستدام للاقتصاد الأردني.