أخبار سوق عمان المالي / أسهم
 سعر السهم
Sahafi.jo | Rasseen.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
  • آخر تحديث
    17-Nov-2025

المنح في موازنة 2026.. تعزيز الاعتماد على الموارد المحلية

 الغد-عبدالرحمن الخوالدة

 في ظل التحديات الاقتصادية العالمية والتقلبات الإقليمية التي تؤثر على مصادر التمويل الخارجي، برزت الموازنة العامة لعام 2026 كنقطة تحول في السياسة المالية الحكومية، حيث يجمع الخبراء على أن الحكومة بدأت تتجه نحو تعزيز الاعتماد على مواردها المحلية لتغطية الإنفاق التنموي والاستثماري، بدل الاعتماد التقليدي على المنح الخارجية المتغيرة وغير المضمونة.
 
ويبرز هذا التحول في استقرار حجم المنح الخارجية عند نحو 735 مليون دينار، رغم التوسع الملحوظ في النفقات الرأسمالية، والتي بلغت نحو 1.6 مليار دينار بزيادة 16.8 % مقارنة بإعادة تقديرات 2025. 
ويعكس هذا التوازن المالي قدرة الحكومة على تعبئة الإيرادات المحلية وتحقيق مستوى أعلى من الاستقلال المالي، حيث من المتوقع أن ترتفع نسبة تغطية الإيرادات المحلية للنفقات الجارية من 85 % في 2025 إلى 89 % في 2026، ما يشير إلى تحسن ملموس في كفاءة التحصيل الضريبي والجمركي ومكافحة التهرب الضريبي، فضلا عن ارتفاع الإيرادات غير الضريبية. 
ويؤكد هؤلاء الخبراء أن هذا التوجه يعكس فلسفة جديدة للتمويل العام، تقوم على استدامة الإنفاق وتوسيع قاعدة الموارد المحلية، مع الاحتفاظ بالمنح كأداة دعم إضافية ضمن موازنة دقيقة وشفافة. 
ورغم ذلك، يشير بعض الخبراء إلى أن التحول ما يزال يواجه تحديات، خصوصا فيما يتعلق بالفجوة بين الإنفاق المتزايد والمنح الثابتة، الأمر الذي يفرض الاستمرار في التعاون مع المؤسسات المالية الدولية لضمان التوازن المالي، مع الأخذ في الاعتبار تأثير أي تقلبات إقليمية أو دولية على هذا التمويل.
وبينما يرى بعض الاقتصاديين أن الحكومة اتخذت خطوة استراتيجية لتعزيز الاستقلال المالي وضمان استدامة الإنفاق التنموي، يحذر آخرون من أن الموازنة لم تظهر بعد تحولا تنمويا نوعيا يمكن الاعتماد عليه لتحقيق نقلة تنموية واضحة خلال الفترة المقبلة، ما يضع الرهان على زيادة الاستثمارات المحلية والخارجية كخيار مستدام بديل عن الاعتماد على المنح الخارجية.
تحول الحكومة نحو تنمية الموارد المحلية
 وقال الخبير الاقتصادي حسام عايش إن استقرار المنح الخارجية في موازنة 2026، رغم التوسع الملحوظ في الإنفاق التنموي والاستثماري، يعكس تحول الحكومة نحو تنمية مواردها المحلية وتعزيز استدامة الإنفاق العام.
 كما أن هذا النهج يعكس ثقة الحكومة في قدرتها على إدارة مواردها، ويؤسس لاستقرار مالي حقيقي يقلل من الضغوط الخارجية ويعزز فرص النمو وفرص العمل والعائد الاقتصادي المتوازن.
 وأضاف عايش أن هذا الأمر يشير إلى أن التمويل الخارجي لم يعد المصدر الأساسي للإنفاق التطويري والاستثماري، وأن الحكومة بدأت تعتمد بشكل أكبر على مواردها الداخلية، سواء عبر الإيرادات الضريبية أو غير الضريبية، أو القروض الداخلية والخارجية، بدل انتظار منح متغيرة وغير مضمونة.
 وأشار عايش إلى أن هذا التحول في فلسفة التمويل العام يعكس تحسنا في قدرة الحكومة على تعبئة الموارد المحلية، ويقلل من إمكانية التأثر سلبا بالتحولات الإقليمية والسياسية والتحديات الدولية. كما أن التوسع في الإنفاق التنموي، وفق عايش، يعكس مؤشرات إيجابية في التحصيل المحلي للإيرادات وفي جذب الاستثمارات المحلية والخارجية، ويتيح للقطاع الخاص أن يلعب دورا أكبر في العملية الاقتصادية.
 وحذر من التحديات المالية المحتملة، بما في ذلك الفجوة بين المنح الثابتة والإنفاق المتزايد، والتي قد تتسع لتفرض على الحكومة الاقتراض، ما يزيد المديونية أو عجز الموازنة ويشكل ضغطا على الاستدامة المالية. وأوضح أن هذا يفرض استمرار التعاون مع المؤسسات المالية الدولية، وبالأخص صندوق النقد الدولي، لضمان التوازن المالي، رغم أن هذا التعاون يشكل أحيانا قيدا على القرار الاقتصادي المحلي.
 وعن تجربة الأردن مع خطة الاستجابة للأزمة السورية، أكد عايش أن الاعتماد على التمويل الخارجي ليس دائما آمنا، إذ انخفض حجم الالتزام بتمويل هذه الخطة في بعض السنوات إلى حدود 10–12 % أو أقل، ما يبرز أهمية توسيع القاعدة الضريبية وتعزيز الموارد المحلية.
 وأشار عايش إلى أن التحول نحو التمويل الداخلي لا يعني رفض المنح، بل التعامل معها كجزء من التمويل العام، مع العمل على تجويد الموازنة بإخراج المنح المتوقعة من الإيرادات ليعكس الواقع المالي بدقة أكبر.
وأضاف أن هذا التحول يعني اقتصادا أكثر استدامة وكفاءة، ويستلزم إدارة أفضل للإنفاق والتحصيل والنمو، ورقابة دقيقة على الموارد المحلية لضمان استقرار مالي طويل الأمد.
خيار إستراتيجي وضرورة المتغيرات الدولية
من جانبه، اعتبر الخبير الاقتصادي وجدي المخامرة أن استقرار حجم المنح الخارجية في مشروع الموازنة العامة لعام 2026 عند ما يقارب 735 مليون دينار، وهو المستوى نفسه تقريبا المستهدف في موازنة 2025 (734 مليون دينار)، وتزامنه مع توسع ملحوظ في الإنفاق التنموي (النفقات الرأسمالية)، الذي قُدِّر بنحو 1.6 مليار دينار، بزيادة قدرها 230 مليون دينار أو 16.8 % مقارنة بإعادة تقدير 2025، يشير إلى أن الحكومة لا تعتمد على زيادة المنح الخارجية لتمويل هذا التوسع، بل تلجأ إلى مصادر داخلية أخرى لسد الفجوة، مما يساعد في الحفاظ على عجز الموازنة بعد المنح عند 2.125 مليار دينار (4.6 % من الناتج المحلي الإجمالي)، بانخفاض عن 5.2 % في 2025. وعمليا، فإن هذا النهج يتيح تمويل مشاريع تنموية حيوية كتطوير النقل العام الذي خُصص له بالموازنة العامة 26 مليون دينار، ودعم البلديات التي خُصص لها 210 ملايين دينار، ومشاريع اللامركزية (100 مليون دينار)، دون الضغط على الدعم الخارجي الذي قد يتأثر بالتغيرات الجيوسياسية.
 ولفت المخامرة إلى أن التوسع في الإنفاق التنموي في ظل استقرار المنح يعكس تحولا فعليا وملموسا في السياسة المالية الأردنية نحو تعزيز الاعتماد على الموارد المحلية، وهو ما يتماشى مع البرنامج الوطني للإصلاح المالي والاقتصادي، الذي يهدف إلى بناء "حيز مالي" مستدام لدعم الإنفاق التنموي دون عبء إضافي على الأجيال المقبلة.
 وبيَّن المخامرة أن هذا التحول يتضح في أرقام الموازنة العامة لعام 2026، حيث بلغت الإيرادات المحلية 10.196 مليون دينار، بنمو 9.9 % (916 مليون دينار) عن 2025، مما يغطي 89 % من النفقات الجارية (مقابل 85 % في 2025).
 وأشار هذا التحسن إلى أنه يأتي مدعوما بإصلاحات مثل تعزيز كفاءة التحصيل الضريبي والجمركي (زيادة الإيرادات الضريبية بنسبة 10.9 %)، ومكافحة التهرب الضريبي، بالإضافة إلى ارتفاع الإيرادات غير الضريبية بنسبة 6.8 %.
 كما أن الإيرادات المحلية تشكل 93 % من الإيرادات العامة الإجمالية (10.931 مليون دينار)، مما يقلل الاعتماد النسبي على المنح الخارجية من 7 % إلى أقل.
وفي ذات الوقت أوضح المخامرة أنه يمكن اعتبار هذا التحول مزيجا بين خيار إستراتيجي وضرورة فرضتها المتغيرات الخارجية، مع ميل أكبر نحو الجانب الإستراتيجي في السياق الحالي. فعلى الجانب الإستراتيجي، يعكس التحول خيارا واعيا لتعزيز الاستقلال المالي، حيث تركز الحكومة على إصلاحات هيكلية مثل استبدال الدين المرتفع التكلفة بقروض ميسرة، وخفض نسبة الدين العام إلى 80 % من الناتج المحلي بحلول 2028، مع توجيه الإنفاق نحو الأولويات التنموية (مثل رؤية التحديث الاقتصادي، التي تشكل 25 % من النفقات الرأسمالية).
كما يبنى هذا على نجاحات سابقة في زيادة التحصيل الضريبي، مما يسمح بتمويل 39 % من الإنفاق التنموي من موازنات الوزارات المحلية.
 فضلا عن توافقه مع توقعات نمو اقتصادي بنسبة 2.9 %، مدعوما بنمو الناتج المحلي الإجمالي الاسمي بنسبة 5.4 %، مما يعزز القدرة على الاعتماد الذاتي.
وشدد المخامرة على أن الاعتماد على المنح يظل مصدر قلق استراتيجي، خاصة مع المتغيرات الإقليمية مثل التوترات في غزة والضفة الغربية، أو التغييرات في السياسات الدولية، حيث إن أي تذبذب في هذه المنح سيكون له تأثير سلبي على الميزانية العامة.
لا ملامح واضحة بعد لتحول تنموي نوعي
في المقابل، يرى مدير مركز الفينيق للدراسات الاقتصادية والاجتماعية أحمد عوض، أن الاتجاهات والنوايا التنموية موجودة لدى الحكومة الحالية، إلا أن الموازنة العامة لم تظهر وجود أي تحول تنموي نوعي يمكن التعويل عليه في إحداث نقلة تنموية نوعية خلال الفترة المقبلة.
ولفت عوض إلى أنه في ظل المتغيرات الاقتصادية العالمية التي يعيشها العالم اليوم، وإمكانية تقلص المنح والمساعدات، يجب التفكير في تركيز الرهان على الاستثمارات بدلا من المنح، خاصة في ظل وجود مؤشرات ونوايا إيجابية من أسواق الاستثمارات في شرق آسيا والخليج العربي، للاستثمار في الأردن.