توسعة مصفاة البترول الأردنية: تحديات اقتصادية، تداعيات اجتماعية، وأهمية استراتيجية*هاشم عقل
الراي
تُعد مصفاة البترول الأردنية حجر الزاوية في الأمن الطاقي للأردن، حيث توفر المشتقات النفطية الأساسية لقطاعات النقل، الصناعة، والطاقة. ومع ذلك، فإن مشروع التوسعة، المعروف بـ”المشروع الرابع”، واجه تأخيرات كبيرة أثارت مخاوف المواطنين والخبراء على حد سواء.
الإجابة على السؤال الحاسم: هل يمكن أن يصبح الأردن يومًا بدون مصفاة؟
ما هي الرؤية المستقبلية لدور المصفاة في ظل التحديات الإقليمية والعالمية؟
أسباب تأخيرات مشروع التوسعة
مشروع التوسعة، الذي كان يهدف إلى زيادة الطاقة الإنتاجية وتحسين جودة المنتجات لتتوافق مع المعايير البيئية العالمية، واجه عقبات مالية وجيوسياسية، يمكن تلخيصها كالتالي:
خلافات مالية وشراكات متعثرة:
ارتكزت الرؤية الأولية للمشروع لرفع الطاقة الإنتاجية إلى 120 ألف برميل يومياً، وقامت الشركة بطرح عطاء عالمي وتمت الاحالة على ائتلاف دولي ضمّ شركات عالمية مرموقة مثل "Sinopec" الصينية و"Itochu" اليابانية و"Tecnimont" الإيطالية. غير أن تلك الشراكة الدولية واجهت اختباراً صعباً مع تصاعد التكاليف نتيجة الحرب الأوكرانية الروسية لتصل إلى نحو 4 مليارات دولار، مما أدى إلى خلافات جوهرية حول الجدوى الاقتصادية وقابلية التمويل، وانتهى الموضوع بانسحاب أحد أعضاء الائتلاف وإنهاء المفاوضات مع الائتلاف.
هذه النقلة المفاجئة دفعت إدارة المصفاة إلى تحديث الدراسات الاقتصادية والفنية للمشروع ، ودراسة خيار إعادة الهيكلة الشاملة للمشروع، عبر تقليص الطاقة الإنتاجية المستهدفة إلى 73 ألف برميل يومياً، مع خفض متوازن في التكلفة الكلية للمشروع إلى حوالي 1.7 مليار دولار امريكي، في خطوة للحفاظ على استدامة المشروع وجاذبيته للتمويل.
التحديات الاقتصادية العالمية:
ارتفاع أسعار المواد الخام والخدمات الهندسية، مدفوعًا بالتضخم العالمي واضطرابات سلاسل التوريد بعد جائحة كوفيد-19، زاد من تعقيدات التمويل. كما أن التقلبات في أسعار النفط العالمية جعلت من الصعب تحديد جدوى المشروع اقتصاديًا.
التعقيدات الإقليمية:
التوترات الجيوسياسية في المنطقة، بما في ذلك الحروب في سوريا وغزة، أثرت على استقرار الشراكات الدولية. حيث ان الشركات الأجنبية أصبحت أكثر حذرًا في الاستثمار في مشاريع طويلة الأمد في بيئة غير مستقرة، مما زاد من التأخيرات.
التحديات الفنية والإدارية:
لم تكن عملية إعادة هيكلة مشروع التوسعة مجرد تعديل في الأرقام، بل استلزمت إعادة تصميم هندسي كامل للمشروع، مع الحرص على الالتزام بمعايير الجودة والبيئة العالمية (Euro 5V/6VI)، والذي مثل تعقيداً تقنياً إضافياً، حيث تطلب مواءمة التصميم الجديد مع متطلبات الإنتاج الأعلى جودة بأقل التكاليف الممكنة.
كما أدى انسحاب الائتلاف الدولي إلى حاجة ماسة للبحث عن مقاولين وموردين جدد، مما رفع من الأعباء الإدارية وأدى إلى تأخيرات ملحوظة، خاصة في التفاوض مع الحكومة حول الإعفاءات الضريبية وشروط التشغيل.
التداعيات الاجتماعية والاقتصادية.
تأخيرات المشروع لم تكن مجرد تحديات تقنية، بل كان لها تأثيرات ملموسة على المجتمع والاقتصاد الأردني:
تأثيرات اقتصادية:
نشاط التكرير يوفر مئات فرص العمل المباشرة وآلاف الوظائف غير المباشرة، ويساهم في تقليل الاعتماد على استيراد المشتقات النفطية. تأخير التوسعة يعني استمرار الاعتماد على الواردات، مما يزيد من العبء على الموازنة العامة، خاصة مع ارتفاع أسعار الوقود عالميًا. كما أن تقليص الطاقة الإنتاجية المستهدفة قد يحد من قدرة المصفاة على تلبية الطلب المستقبلي، مما يهدد بزيادة الأسعار المحلية.
تأثيرات اجتماعية:
تأخيرات المشروع أثارت استياء المجتمع المحلي، خاصة في المناطق القريبة من المصفاة مثل الزرقاء، حيث يعتمد العديد من السكان على فرص العمل المرتبطة بالمصفاة. كما أن عدم اليقين بشأن المستقبل أثار مخاوف من ارتفاع أسعار الوقود، مما يؤثر على الأسر ذات الدخل المحدود.
هل يمكن أن يصبح الأردن بدون مصفاة؟
السؤال حول إمكانية غياب المصفاة يبدو بعيد الاحتمال لعدة أسباب استراتيجية واقتصادية:
الأمن الطاقي:
المصفاة هي أصل استراتيجي يضمن استقرار إمدادات الوقود في ظل الأزمات الإقليمية. بدونها، سيكون الأردن معرضًا لتقلبات السوق العالمية، مما قد يؤدي إلى أزمات وقود مشابهة لما شهدته دول أخرى خلال الحروب.
دعم حكومي قوي:
مطلوب من الحكومة تقديم دعم مالي وسياسي للمصفاة، بما في ذلك جدولة الديون المستحقة للمصفاة على الحكومة مما يقلل المخاطر امام المستثمرين ودراسة امكانية الاستثمار في مشروع التوسعة من خلال صندوق استثمار أموال الضمان الاجتماعي. هذا الدعم يعكس التزامًا باستدامة المصفاة.
أداء مالي قوي:
في عام 2024، حققت المصفاة أرباحًا بلغت 73 مليون دينار، مما يعزز من قدرتها على مواجهة التحديات المالية وتمويل التطوير الذاتي.
خطط التطوير:
تشمل الخطط المستقبلية بناء سعات تخزينية استراتيجية لمادة الغاز البترولي المسال في الزرقاء والعقبة بكلفة استثمارية حوالي 50 مليون دينار، وكذلك افتتاح محطات وقود جديدة في المملكة ، والاستثمار في الطاقة المتجددة، مما يعكس رؤية طويلة الأمد لتعزيز دور المصفاة.
رسم بياني: مقارنة الطاقة الإنتاجية
لتوضيح تأثير التعديلات على المشروع، يُظهر الرسم البياني التالي مقارنة بين الطاقة الإنتاجية الحالية، الهدف الأصلي، والهدف المعدل:
تحليل سياسي واقتصادي
من الناحية السياسية، يعكس دعم الحكومة للمصفاة استراتيجية وطنية لتعزيز الاستقلال الطاقي، خاصة في ظل الاعتماد على الغاز الطبيعي المستورد والتقلبات في العلاقات مع الدول المجاورة. اقتصاديًا، تساهم المصفاة في تقليل العجز التجاري من خلال توفير المشتقات النفطية محليًا، لكن التأخيرات تهدد هذه الفائدة. إذا لم تُحل الخلافات المالية، فقد يضطر الأردن إلى زيادة الواردات، مما يزيد من الضغط على العملة الأجنبية.
الخطط المستقبلية
استكمال المشروع المعدل:
يجري العمل الان على استكمال الدراسات الهندسية الأساسية والتفصيلية (التصميم الأولي والأساسي)، مع فتح قنوات اتصال مع متعهدين ومقاولين سبق وان تم تأهيلهم، في إطار السعي لتنفيذ المشروع بتقنيات متطورة تركز على إنتاج مشتقات نفطية عالية الجودة.
التوسع في الطاقة المتجددة:
استثمارات في الشحن الكهربائي والطاقة الشمسية تعزز من تنويع مصادر الإيرادات.
شراكات جديدة:
المفاوضات مع مؤسسات مالية دولية مستمرة لتأمين التمويل اللازم.
تطوير البنية التحتية:
افتتاح محطات جديدة وتجديد الشهادات الدولية يعزز من القدرة التنافسية.
مشروع توسعة مصفاة البترول الأردنية يواجه تحديات كبيرة، لكن دوره الاستراتيجي يجعل من غير المحتمل التخلي عنه. التداعيات الاجتماعية والاقتصادية للتأخيرات تتطلب حلولًا عاجلة، لكن الأداء المالي القوي للمصفاة والدعم الحكومي يبعثان على التفاؤل. الرسم البياني أعلاه يوضح تأثير التعديلات على الطاقة الإنتاجية، مما يعكس التحديات ولكنه يبرز أيضًا التزام الشركة بالتطوير.
من المؤكد الأردن سيواصل الاعتماد على مصفاته كجزء لا يتجزأ من أمنه الطاقي