أخبار سوق عمان المالي / أسهم
 سعر السهم
Sahafi.jo | Rasseen.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
  • آخر تحديث
    02-Sep-2025

زيادة الأجور لتحفيز الاستهلاك.. هل تكفي لتحقيق الاستدامة الاقتصادية؟

 الغد-عبد الرحمن الخوالدة

هل يمكن أن يستمر النمو الاقتصادي في الأردن بالاعتماد شبه الكامل على استهلاك الأسر؟ وهل رفع الأجور أو خفض الضرائب وحده كاف لتعزيز الاقتصاد الوطني على المدى الطويل، أم أن البلاد بحاجة إلى نهج أعمق يرتكز على الاستثمار والإنتاج؟ وكيف يمكن تحقيق التوازن بين تحريك الطلب المحلي والحفاظ على استدامة الاقتصاد؟.
 
 
هذه التساؤلات تأتي في سياق تحليل حديث لمنتدى الاستراتيجيات الأردني حول أثر الاستهلاك الأسري وإجمالي الاستثمار على الناتج المحلي الإجمالي، الذي يعكس الواقع المعقد للاقتصاد الأردني، حيث يهيمن الاستهلاك على المشهد الاقتصادي، بينما يبقى الاستثمار محدودا.
وفي هذا السياق، اعتبر اقتصاديون أن الحلول المقترحة من قبل منتدى الاستراتيجيات الأردني، والمتمثلة في رفع الأجور أو خفض ضريبة المبيعات على السلع الأساسية، تمثل خطوة عملية لتعزيز القوة الشرائية للأسر وتحريك عجلة الاقتصاد على المدى القصير. 
وأكدوا أن هذه الإجراءات من شأنها زيادة الإنفاق الاستهلاكي ودعم الطلب المحلي، ما يؤدي إلى رفع النمو الاقتصادي مؤقتا وتوسيع فرص العمل، لكنهم حذروا من أنها لا تعالج المعضلة البنيوية للاقتصاد الأردني، التي تتجلى في ضعف الاستثمار والإنتاج، واعتماد النمو بشكل كبير على الاستهلاك الأسري.
ويرى هؤلاء الخبراء، أن الاستدامة الاقتصادية تتطلب ربط أي زيادات في الدخل بتحسين الإنتاجية والقيمة المضافة في القطاعات الاقتصادية، وتعزيز الاستثمار المحلي والإنتاج ودعم الصادرات الوطنية، إضافة إلى إصلاح النظام الضريبي لضمان العدالة وكفاءة التحصيل، معتبرين أن هذا التوازن بين استهلاك الأسر والاستثمار والإنتاج، هو الطريق الحقيقي لتحقيق نمو مستدام ومنعة اقتصادية حقيقية في الأردن.
وكان منتدى الاستراتيجيات الأردني أصدر مؤخرا، ورقة ضمن سلسلة أوراق "بإيجاز" بعنوان" أثر الاستهلاك الأسري وإجمالي الاستثمار على الناتج المحلي الإجمالي: حالة الأردن"، بهدف فهم المحركات الرئيسة للنمو الاقتصادي من أجل صياغة السياسات التنموية الفعالة والمستدامة، حيث قام المنتدى بتحليل ديناميكية العلاقة بين مكوني الاستهلاك الأسري وإجمالي تكوين رأس المال الثابت، وأثرهما على النمو الاقتصادي.
وأشار المنتدى في ورقته، إلى أن النسبة المرتفعة للاستهلاك الأسري من الناتج المحلي الإجمالي في الأردن، التي بلغت (77.5 %)، تدل على أن جزءا كبيرا من الدخل المحلي ينفق على السلع والخدمات الاستهلاكية بدلا من ادخاره أو استثماره. وهذا يعني أن المجتمع الأردني يميل نحو الاستهلاك أكثر من الادخار. 
كما بين المنتدى أن نسبة إجمالي تكوين رأس المال الثابت إلى الناتج المحلي الإجمالي (الاستثمار) والبالغة 20.5 % هي نسبة متدنية، وتشير إلى وجود ضعف واضح في مستويات الاستثمار في الأنشطة الاقتصادية (البنية التحتية، والتكنولوجيا والآلات، والقدرات الإنتاجية)، الأمر الذي من شأنه أن يحد من إمكانات النمو والتنمية على المدى البعيد.
وقام المنتدى بتحليل ديناميكية العلاقة (معامل المرونة) لأثر الاستهلاك الأسري وإجمالي تكوين رأس المال الثابت على النمو الاقتصادي، مشيرا إلى أن ارتفاع الاستهلاك الأسري الحقيقي بنسبة 1 %، يؤدي إلى زيادة معدل النمو الاقتصادي الحقيقي بمقدار 0.516 %. بينما يؤدي ارتفاع إجمالي تكوين رأس المال الثابت الحقيقي (الاستثمار) بنسبة 1 %، إلى زيادة معدل النمو الاقتصادي الحقيقي بنسبة 0.274 %. 
واختتم المنتدى ورقته، بالإشارة الى أن الزيادة في مستوى دخل الأسر في الأردن من خلال رفع الأجور، و/ أو خفض ضريبة المبيعات على بعض السلع الأساسية يساهم في دعم مستوى الاستهلاك، ورفع النمو الاقتصادي على المدى القصير. بينما تستدعي الحاجة إلى ضرورة العمل على زيادة مستويات الاستثمار والإنتاج (تحديدًا الصادرات الوطنية)، لرفع معدلات النمو الاقتصادي وتحقيق التنمية على المدى البعيد، وبما يساهم في تعزيز منعة الاقتصاد بمواجهة أي صدمات في المستقبل.
مثبطات النمو الاقتصادي المحلي 
وقال مدير مركز "الفينيق للدراسات الاقتصادية" أحمد عوض "إن أحد أبرز مثبطات النمو الاقتصادي في الأردن يتمثل في ضعف الطلب المحلي، الذي يعود بالدرجة الأولى إلى ضعف الاستهلاك. وهذا الخلل البنيوي، ظلت تقيده قدرة الاقتصاد على النمو وأبقى البلد عالقا في حالة تباطؤ ممتدة، منذ ما يزيد على خمسة عشر عاما".
وأكد عوض أنه يتفق مع ما طرحه منتدى الاستراتيجيات الأردني حول أهمية رفع الأجور أو خفض ضريبة المبيعات على بعض السلع الأساسية لدعم الاستهلاك وتحريك عجلة الاقتصاد على المدى القصير، معتبرا أنها واقعية قابلة للتطبيق، وتشكل خطوة عملية نحو وضع الاقتصاد الأردني على مسار أكثر توازنا، إذا ما اقترنت بإصلاحات هيكلية شاملة.
وأوضح عوض، أن رفع الأجور أو خفض ضريبة المبيعات سيؤدي بالضرورة، إلى زيادة القوة الشرائية للأسر الأردنية، ما يعزز الإنفاق الاستهلاكي ويرفع  مجمل الطلب الكلي، ويدفع عجلة النمو الاقتصادي إلى الأمام. ومع توسع النشاط الاقتصادي ستزداد فرص العمل، وتنخفض معدلات البطالة، وتتعزز الإيرادات الضريبية الحكومية.
وبحسب عوض، فإن تحقيق العدالة الضريبية يمثل ركنا أساسيا في تحفيز الاقتصاد الوطني. إذ إن تخفيض الضرائب غير المباشرة، ولا سيما الضريبة العامة على المبيعات والضرائب المقطوعة، سيخفف العبء عن الأسر، ويساهم في تعزيز العدالة الاجتماعية، خاصة وأن %72  من الإيرادات الضريبية في الأردن، تأتي حاليا من الضرائب غير المباشرة. 
في المقابل، فإن التوسع في مكافحة التهرب الضريبي، ولا سيما في القطاع غير المنظم وفي القطاعات المهنية (أطباء، محامين ومهندسين)، إلى جانب تطبيق نظام الفوترة الإلكترونية بشكل موسع، سيؤديان إلى زيادة الإيرادات الضريبية، ويوفران مجالا ماليا يسمح للحكومة بإعادة هيكلة النظام الضريبي بطريقة أكثر عدالة وكفاءة.
وأشار عوض إلى أن تبني سياسات موازية تقوم على رفع الأجور وخفض الضرائب غير المباشرة، مقرونة بإصلاحات مالية وإدارية حقيقية، من شأنه أن يحقق أثرا مزدوجا، في تحسين الظروف المعيشية للأسر من جهة، وتعزيز مسار النمو الاقتصادي المستدام من جهة أخرى.
ولفت إلى أن المخاطر المحتملة للحلول المطروحة، تتمثل في ارتفاع معدلات التضخم، فيمكن السيطرة عليها من خلال أدوات متعددة، أبرزها ضبط الأسواق الداخلية من ناحية، واستخدام سياسات نقدية فعالة مثل التحكم بأسعار الفائدة من ناحية أخرى.
التوزان بين الاستهلاك والادخار والاستثمار والإنتاج 
من جانبه، قال الخبير الاقتصادي حسام عايش "إن العملية الاقتصادية المستدامة تعتمد على توازن الاستهلاك والادخار والاستثمار والإنتاج، بما يؤدي إلى رفع معدلات دخل الأفراد وتحسين مستويات معيشتهم، عبر تطوير استهلاك أكثر قيمة مدعوم بأداء استثماري وإنتاجي قوي". 
ويرى عايش، أن جودة النمو الاقتصادي لا تقاس فقط بارتفاع الناتج المحلي، بل بارتفاع الأجور الحقيقية وتقليل الفجوات بين مستويات الدخل، مؤكدا أن الاعتماد على الاستهلاك وحده، حتى لو دفع النمو على المدى القصير، لا يخلق اقتصادا مستداما. 
وأوضح أن الاستثمار والإنتاج "القاعدة الحقيقية" للنمو المستدام، يولدان فرص عمل، يعززان التنافسية، يدعمان الصادرات، ويساهمان في تقليص العجز في الميزان التجاري والإيرادات الحكومية.
نموذج اقتصادي لمواجهة ضعف الاستثمار والادخار  
وبين عايش، أن الحل الحقيقي لضعف تكوين رأس المال الثابت والقدرة على الادخار، يكمن في العمل على وضع نموذج اقتصادي، يركز على تحرير الاستثمار المحلي، إصلاح سوق العمل، دعم الصادرات الوطنية، وتعزيز بيئة ضريبية عادلة ومستدامة، مع ربط أي زيادة في الأجور أو تخفيض ضريبة المبيعات بتحسين الإنتاجية والقيمة المضافة في الاقتصاد، لضمان نمو حقيقي ومستدام على المدى الطويل.
وأشار عايش، إلى أن الحلول التي طرحها منتدى الاستراتيجات لتعزيز النمو الاقتصادي كرفع الأجور أو خفض ضريبة المبيعات، يعزز القوة الشرائية للأفراد نظريا، حيث يتيح رفع الأجور زيادة الدخل النقدي المتاح لتلبية الاحتياجات الأساسية ودعم الاستثمار من زاوية الاستهلاك، بينما يقلل خفض ضريبة المبيعات، تكلفة المعيشة خاصة على الطبقات محدودة ومتوسطة الدخل، ويزيد من الأموال المتاحة للادخار والاستثمار.
ولفت إلى أن هذه  الحلول تبقى قصيرة المدى، إذ إن رفع الأجور بشكل منفصل عن تحسين الإنتاجية والقيمة المضافة للقطاعات الاقتصادية، قد يؤدي إلى ضغوط تضخمية وأعباء إضافية على القطاعين العام والخاص. 
وأوضح عايش أن تخفيض ضريبة المبيعات على السلع الأساسية، يمكن أن يخفف الضغوط عن الأسر محدودة الدخل، إلا أن هذه الخطوة يجب أن تكون جزءا من إصلاح ضريبي شامل، يشمل توسيع القاعدة الضريبية، وتحسين آليات التحصيل، وضمان العدالة الضريبية، حيث تتحمل الطبقات الأكثر ثراء نصيبا أكبر من العبء، بينما يتم تخفيف الضرائب على الطبقات الفقيرة والمتوسطة.
إصلاحات هيكلية تدعم الادخار وتشجع الاستثمار الإنتاجي 
بدوره، أكد الخبير الاقتصادي زيان زوانة، أن محدودية الدخل وأولويات الإنفاق المضطربة للأسر، حدت بشكل واضح من قدرة المواطنين على الادخار، خلال السنوات الماضية. 
واعتبر أن الحلول التي طرحها منتدى الاستراتيجيات لتحفيز الاقتصاد الوطني، من خلال الاستهلاك برفع الأجور أو تخفيض الضرائب قد تخفف الضغوط على الأسر مؤقتا، لكنها لا تعالج المعضلة البنيوية للاقتصاد الأردني، الذي يحتاج إلى إصلاحات هيكلية تدعم الادخار وتشجع الاستثمار الإنتاجي والتصدير، لضمان نمو مستدام ومنعة اقتصادية حقيقية
ويرى زوانة، أن رفع الأجور في الوقت الحالي لا يبدو ممكنا قياسا على واقع الاقتصاد الوطني والأعباء الملقاة على الخزينة العامة للدولة، بينما يبقى تخفيض ضريبة المبيعات الخيار الأكثر جدوى لتحفيز القوة الشرائية، رغم تأثيره على الإيرادات الحكومية، مؤكدا أن ضريبة المبيعات الحالية مرتفعة، ولها عيوب سلبية على الاقتصاد الأسري وإضعاف القدرة الشرائية للمواطنين وكذلك القدرة على الادخار.