الغد-هبة العيساوي
تُظهر أحدث البيانات والتقارير، أن واقع المرأة في سوق العمل الأردني ما يزال يواجه تحديات كبيرة، أبرزها فجوة الأجور بين الجنسين وضعف المشاركة الاقتصادية.
فرغم أن قانون العمل والدستور الأردني نصا على المساواة في الحق بالعمل والأجر، فإن الأرقام تكشف استمرار الفجوة بما يقارب 16 % وفقاً لبيانات رسمية، بينما تشير دراسات إقليمية إلى أن الرجال في القطاع الخاص يكسبون نحو 7 % أكثر من النساء.
هذه الفجوة لا ترتبط فقط بالأجور، بل تعكس منظومة أوسع من العوائق الاجتماعية والاقتصادية، حيث تتركز النساء في قطاعات تقليدية منخفضة الأجر مثل التعليم والصحة، مقابل ضعف حضورهن في القطاعات الإنتاجية والتقنية. كما أن نسبة المشاركة الاقتصادية للمرأة لا تتجاوز
14–15 %، وهي من الأدنى عربياً وعالمياً، ما يعكس إشكاليات في بيئة العمل وضعف السياسات الداعمة.
ويرى خبراء أن سد هذه الفجوة، ضرورة تنموية ومجتمعية تتطلب سياسات جريئة، تشمل الشفافية في الأجور، وتوسيع التدريب المهني، وتوفير بيئة عمل عادلة ومرنة.
%16 فجوة الأجور بين الرجال والنساء
وفي السياق، قالت مديرة برنامج العمل اللائق للمرأة في منظمة العمل الدولية، ريم أصلان، إن المساواة بالأجور عن العمل ذي القيمة المتساوية حق أساسي، ومبدأ قانوني نص عليه قانون العمل الأردني لضمان العدالة في سوق العمل.
ومع ذلك، أوضحت أن فجوة الأجور بين النساء والرجال ما زالت قائمة في الأردن وتُقدَّر بما يقارب 16 % وفقاً لبيانات دائرة الإحصاءات العامة. وأضافت، أن هذه الفجوة ليست مجرد رقم، بل مرآة لعدم مساواة أعمق، حيث نجد أن النساء يعملن بمهن منخفضة الأجر، ويتحملن مسؤوليات الرعاية، وكثيرا ما يعملن بدوام جزئي أو بأجور أقل، فضلاً عن محدودية فرص التقدم الوظيفي.
وبينت أن من المهم التمييز بين فجوة الأجور والمساواة في الأجور، فالأولى تُقاس بالفارق بين متوسط أجور الرجال والنساء، بينما الثانية مبدأ قانوني يقوم على دفع الأجر المتساوي عن العمل ذي القيمة المتساوية.
وأكدت أن سد هذه الفجوة يتطلب سياسات جريئة تعتمد على الشفافية في الأجور، وتقييم منصف للوظائف، وتوسيع خدمات الرعاية، باعتبار أن العدالة في الأجر مدخل لعدالة أوسع في المجتمع. وشددت على أن الأردن، بدأ عبر وزارة العمل واللجنة الوطنية لشؤون المرأة بتجربة بعض هذه الأدوات العالمية لتحقيق المساواة بين الجنسين.
رفع مشاركة المرأة الاقتصادية يتطلب إعادة النظر بالسياسات العامة
بدوره قال رئيس بيت العمال، حمادة أبو نجمة، إن نسبة مشاركة المرأة الاقتصادية في الأردن ما تزال من أدنى النسب في المنطقة والعالم، إذ لا تتجاوز 15 % بحسب أرقام دائرة الإحصاءات العامة، وهي نسبة مستقرة منذ سنوات دون تحسن ملموس رغم ارتفاع مستوى التحصيل العلمي للنساء وتوسعهن في التعليم الجامعي.
وأضاف، إن هذا الانخفاض يعود لمنظومة معقدة من العوائق الاجتماعية والاقتصادية والتنظيمية، التي تحد من دخول المرأة إلى سوق العمل أو استمرارها فيه بشروط عادلة.
وأوضح أن تقرير بيت العمال السنوي لسوق العمل لعام 2024 أظهر أن النساء بين 25 و39 عاماً يشكلن الشريحة الأكبر من المتعطلات عن العمل، ما يدل على أن هذه الفئة العمرية الأكثر إنتاجية تواجه صعوبات تحول دون إدماجها في سوق العمل. وأشار إلى أن عدد المتعطلات ينخفض بشكل كبير بعد سن الأربعين، ما يعكس خروج العديد من النساء من سوق العمل أو من تصنيف "النشيطات اقتصادياً" نتيجة تجارب سابقة غير ناجحة أو غياب بيئة عمل ممكنة.
وبين، إن النساء يتركزن مهنياً في قطاعات تقليدية مثل التعليم والصحة والخدمات الاجتماعية، وهي قطاعات منخفضة الأجر وضعيفة الحماية، مقابل ضعف تمثيلهن في قطاعات الإنتاج والتكنولوجيا كالزراعة والصناعة وتكنولوجيا المعلومات، وذلك بفعل الفصل المهني والأنماط الاجتماعية وغياب السياسات الداعمة.
وقال إن رفع مشاركة المرأة الاقتصادية يتطلب إعادة النظر في السياسات العامة، وتوسيع برامج التدريب في القطاعات غير التقليدية، وتوفير بيئة عمل عادلة وآمنة ومرنة، إلى جانب أدوات رقابية لمكافحة التمييز في الأجور وتعزيز الشفافية، لما لذلك من أثر تنموي ومجتمعي لا يمكن تجاهله.
تمييز واضح ضد المرأة بفرص التوظيف
من جانبه، قال عضو الائتلاف الوطني من أجل تشريعات عمل عادلة، عزام الصمادي، إن المادة (23) من الدستور الأردني نصّت بوضوح على أن العمل حق لجميع المواطنين دون تمييز، وأن على الدولة أن توفره عبر النهوض بالاقتصاد الوطني وحماية العاملين عبر تشريعات تحدد الأجر المناسب، ساعات العمل، وأيام الراحة، إضافة إلى شروط خاصة لعمل النساء والأحداث.
وأضاف، إن الواقع العملي يعكس تمييزا واضحا ضد المرأة سواء في فرص التوظيف أو في الأجر المناسب الذي تتقاضاه، رغم أن مبادئ حقوق الإنسان تؤكد على حق كل امرأة في العمل اللائق والأجر المتساوي عن العمل ذي القيمة المتساوية.
وأشار إلى أن فجوة الأجور بين الجنسين ما زالت قائمة، مع أن المساواة في الأجر مؤشر أساسي للعدالة الاجتماعية، ومن شأنها رفع مشاركة المرأة الاقتصادية – التي تعد من الأدنى في العالم – وزيادة القوة الشرائية للأسر، وبالتالي تعزيز النمو الاقتصادي الوطني.
وأوضح الصمادي أن إلغاء هذه الفجوة ليس مصلحة للمرأة فقط بل مصلحة للاقتصاد ككل، وهو ما يتطلب دوراً أكبر للنقابات العمالية في المفاوضة الجماعية مع أصحاب العمل، وتفعيل مواد قانون العمل الخاصة بالمساواة في الأجور.
ولفت على أن تحقيق العدالة يتطلب بيئة عمل وبنية تحتية ملائمة للمرأة العاملة، كالحضانات ووسائل النقل المناسبة، إلى جانب توسيع تطبيق العمل المرن، وتكثيف التوعية والتدريب لمكافحة التمييز وتشجيع النساء على المطالبة بحقوقهن.
وكانت دراسة أخيرة بعنوان "تمكين المرأة العربية عبر المساواة في الأجور" الصادرة عن الإسكوا كشفت الفجوة في الأجور بين الجنسين في الأردن.
وأشارت إلى أن الرجال في القطاع الخاص يكسبون 7 % أكثر من النساء، وفقًا لتقرير منظمة العمل الدولية.
وأكدت الدراسة أن هذه الفجوة تعود إلى عوامل مثل الفصل المهني، والأدوار الاجتماعية التقليدية، وتدني الأجور في القطاعات التي تهيمن عليها النساء.
كما أوضحت أن المرأة الأردنية تعاني من معدلات مشاركة منخفضة في سوق العمل، حيث تؤثر التحيزات الاجتماعية والأعباء الأسرية على فرصها الاقتصادية.
وأوصت الدراسة بتطبيق سياسات لتعزيز المساواة، مثل الشفافية في الأجور، ودعم التدريب المهني للنساء، وتحفيز الشركات على تحقيق تكافؤ الفرص.
وأظهرت الدراسة أن نسبة مشاركة النساء في سوق العمل بالأردن من بين الأدنى في العالم العربي، حيث لا تتجاوز 14 %، وهي أقل بكثير من المتوسط العالمي.