اتفاقيات العمل الجماعية.. مخالفة البنود توجب المساءلة القانونية
الغد-هبة العيساوي
يتزايد الجدل والأسئلة حول الإجراءات القانونية والتنظيمية الواجب اتخاذها عند الإخلال باتفاقيات العمل الجماعية، بخاصة في القطاعات التي تشهد نسبًا مرتفعة من الانتهاكات، كقطاع التعليم الخاص.
ويرى مختصون بشؤون العمل، أن الاتفاقيات الجماعية تُعد وثائق ملزمة تكتسب قوة القانون بمجرد نشرها في الجريدة الرسمية، ما يجعل أي مخالفة لبنودها سببًا للمساءلة القانونية وتحريك النزاعات الجماعية وفق الأطر المعتمدة.
كما وأشار المختصون، إلى أن قانون العمل يفرض غرامات واضحة على المخالفين، ويمنح الجهات الرسمية صلاحيات واسعة للتفتيش وتحرير المخالفات، وصولا لإتخاذ إجراءات تدريجية، قد تصل لتعليق الترخيص أو إلغائه، ضمانًا لحماية حقوق العاملين وتنفيذ الاتفاقيات بصورة كاملة.
مخالفة صريحة
من جهته قال الناطق الإعلامي باسم وزارة العمل محمد الزيود، إن أي إخلال ببنود الاتفاقية يعد مخالفة صريحة يتحمل مسؤوليتها الطرف الذي أخل بالالتزام، موضحا إن للطرف المتضرر، حق إثارة نزاع جماعي جديد نتيجة عدم التزام الطرف الآخر، وفق الإجراءات القانونية المعمول بها.
وأضاف، فيما يتعلق بالمدارس الخاصة التي لم تلتزم بعملية الأتمتة، فقد قامت الوزارة بتوجيه فرق التفتيش لزيارتها، ووجهت إنذارات بحق المدارس المخالفة، مؤكدا انه في حال إصرار هذه المدارس على عدم الالتزام، ستقوم وزارة العمل بتحرير مخالفات بحقها وتحويلها إلى القضاء وفقا
للقانون.
"الاتفاقية الجماعية تُبطِل أي نص في العقود الفردية"
بدوره، قال رئيس بيت العمال حمادة أبو نجمة، إن قانون العمل ينص صراحة على أن مخالفة شروط اتفاقية العمل الجماعية، تعد مخالفة قانونية يعاقَب عليها صاحب العمل بموجب المادة (133)، بغرامة تتراوح بين 200 و400 دينار للمرة الأولى، وتُضاعف في حال التكرار، ولا يجوز تخفيض الغرامة عن حدها الأدنى.
وأكد أن الاتفاقية الجماعية تُبطِل أي نص في العقود الفردية، تكون شروطه أقل فائدة للعاملين، لاتا الى انها تشمل جميع العاملين في القطاع، بمن فيهم غير المنتسبين للنقابات، مضيفا أن العقد الموحد الإلكتروني للعاملين في المدارس الخاصة يستند لإتفاقية عمل جماعية قانونية وموقعة بين نقابة العاملين في التعليم الخاص ونقابة أصحاب المدارس الخاصة وبرعاية وزارتي العمل والتربية والتعليم، وهي اتفاقية منشورة في الجريدة الرسمية، ما يجعلها ملزمة بحكم قانون العمل لجميع المدارس الخاصة وجميع العاملين فيها دون اشتراط العضوية النقابية.
وأشار، إلى أن المدارس الخاصة تخضع كذلك لأحكام نظام ترخيص المؤسسات التعليمية الخاصة رقم 87 لسنة 2023، الذي يفرض في المادة (4) التزام المؤسسة التعليمية بجميع التشريعات النافذة بما فيها قانون العمل والاتفاقيات الجماعية. كما يمنح النظام وزارة التربية والتعليم صلاحيات تدريجية تجاه المدارس المخالفة، وفق المادة (22)، تبدأ من توجيه إنذار ووقف قبول الطلبة الجدد، وصولًا إلى تعليق أو وقف الترخيص مؤقتًا وإلغائه نهائيًا في حال استمرار المخالفة.
وأوضح، إن التعليمات الإدارية للمدارس الخاصة تُلزم المدارس بإيداع نسخ العقود لدى الوزارة والالتزام بالنماذج المعتمدة، ما يجعل الالتزام بالعقد الإلكتروني جزءًا من الإجراءات التنظيمية الملزمة.
وشدد على إن رفض بعض المدارس الخاصة الالتزام بالعقد الموحد الإلكتروني أو محاولة تعطيل الاتفاقية الجماعية يشكل مخالفة صريحة لقانون العمل، ولنظام ترخيص المؤسسات التعليمية الخاصة، ويعرض المدرسة للمساءلة القانونية من وزارتي العمل والتربية والتعليم معًا.
محاسبة قانونية
بدوره قال مدير مركز الفينيق للدراسات الاقتصادية والمعلوماتية أحمد عوض، إن اتفاقيات العمل الجماعية، عندما تكون سارية خلال فترة نفاذها، تُعد محددة المدة لسنة أو سنتين أو ثلاث أو أكثر، لكنها في جميع الأحوال تُعامل باعتبارها نصًا قانونيًا بمجرد نشرها في الجريدة الرسمية، وأوضح أن أي جهة تخالف بنود هذه الاتفاقية، يفترض أن تُحاسَب قانونيًا، لأن الاتفاقية بعد نشرها تصبح ملزمة وتتمتع بقوة القانون، ومن يخالفها يجب أن يُحال إلى المحكمة.
وأضاف، إن الإشكاليات الإجرائية التي تتذرع بها نقابة أصحاب المدارس الخاصة أو بعض أصحاب المدارس، بما فيها الادعاء بأن العقد الإلكتروني جديد أو مختلف، ليست مبررًا على الإطلاق، مؤكدا أن ما جرى ليس تعديلا جوهريا، وأن الحقوق الواردة بالاتفاقية هي حقوق مكتسبة للعاملين، مشددا على أنه لا يوجد أي مبرر قانوني أو أخلاقي يسمح بعدم الالتزام بالعقد القانوني.
وأكد أن العقد الإلكتروني لا يختلف عن نظيره الورقي، وأن الغاية منه ليست إضافة شروط جديدة، بل منع التهرب الذي كان يحدث عبر العقود المكتوبة سابقا، وقال إن انتقال العقد للشكل الإلكتروني جعل التهرب أكثر صعوبة، لكن ما يزال بعض أصحاب المدارس يسعون للالتفاف عليه، مضيفًا: "بكل بساطة، هم يريدون الاستمرار في التهرب من تنفيذ العقد، رغم أنه عقد قانوني ملزم ولا يجوز التراجع عنه
من جهته، قال عضو الائتلاف الوطني من أجل تشريعات عمل عادلة عزام الصمادي، إن قطاع التعليم الخاص يعد من أكثر القطاعات التي تشهد انتهاكات لحقوق العاملين، وهو ما استدعى تأسيس عقد العمل الموحد للعاملين في المدارس الخاصة ورياض الأطفال.
وأوضح أن هذا العقد جاء نتيجة اتفاقية عمل جماعي بين نقابة العاملين في التعليم الخاص ونقابة أصحاب المدارس الخاصة، وبرعاية وزارتي العمل والتربية والتعليم، ولجنتي المرأة وشؤون الأسرة النيابية والوطنية لشؤون المرأة، لوقف جميع الاختلالات والتجاوزات الواقعة على حقوق العاملين.
وأضاف الصمادي، إن نشر العقد بالجريدة الرسمية جعله ملزما لجميع الأطراف، بخاصة أصحاب المدارس الخاصة، مشددا على أن مخالفة بنوده تُعد مخالفة قانونية تستوجب المساءلة، مؤكدا ضرورة أن تقوم وزارة العمل بدورها بالرقابة على تنفيذ العقد والالتزام به، بما يحفظ حقوق العاملين بمؤسسات التعليم الخاص ويمنع الانتقاص منها، مع أهمية تعاون وزارة التربية والتعليم لاتخاذ الإجراءات اللازمة بحق جميع المخالفين، حتى لو تطلّب الأمر إغلاق أي مؤسسة لا تلتزم بالعقد.