أخبار سوق عمان المالي / أسهم
 سعر السهم
Sahafi.jo | Rasseen.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
  • آخر تحديث
    18-Nov-2025

الطاقة.. تقدم إداري يحتاج تعزيزا بحلول جوهرية

 الغد-رهام زيدان

 رغم الملامح الإيجابية التي حملها تقييم البنك الدولي الأخير لبرنامج كفاءة وموثوقية تزويد الكهرباء في الأردن إلا أن خبراء أكدوا أن التقييم لا يعكس حقيقة التحديات الهيكلية التي يواجهها القطاع مثل ديون شركة الكهرباء الوطنية "نيبكو" واستدامة الإصلاحات المؤسسية والفنية.
 
وأشار الخبراء إلى أن ما تحقق من مؤشرات مالية وإجرائية يعد تقدما إداريا أكثر منه تحولا جوهريا في كفاءة القطاع، مؤكدين أن الإصلاح الحقيقي يتطلب معالجة جذرية لأسباب العجز المالي والفاقد الكهربائي، وتعزيز الشفافية والحوكمة في إدارة منظومة الكهرباء الوطنية.
ويعد برنامج " كفاءة وموثوقية تزويد الكهرباء" في الأردن مبادرة مشتركة تنفذ بالتعاون بين وزارة الطاقة والثروة المعدنية ومجموعة البنك الدولي بهدف تحسين أداء قطاع الكهرباء من خلال زيادة الكفاءة التشغيلية، تعزيز الحوكمة، وتقليل النفقات وزيادة الإيرادات لشركة الكهرباء الوطنية.
وتبلغ تكلفة البرنامج الذي انطلق العمل به في شهر آب (أغسطس) من عام 2023، نحو 500 مليون دولار، حيث تم صرف ما قيمته 295 مليون دولار حتى نهاية شهر تشرين الأول (أكتوبر) الماضي.
تقييم تفاؤلي يخفي واقعا أكثر تعقيدا
وقال المستثمر والخبير في قطاع الطاقة د.فراس بلاسمة إن "تقرير البنك الدولي الذي أشار إلى إحراز الأردن تقدما ملحوظا في تنفيذ برنامج كفاءة وموثوقية تزويد الكهرباء بقيمة 500 مليون دولار، جاء بلغة متفائلة إلا أنه لا تزال هناك مشكلات بنيوية عميقة في القطاع".
ويرى بلاسمة أن الإصلاحات الجارية ما تزال شكلية ومحدودة الأثر، وأن التحديات الجوهرية– مثل الديون المتراكمة وضعف كفاءة الشبكات– لم تعالج بعد.
وأضاف "تحقيق شركة نيبكو وفورات وإيرادات إضافية تجاوزت 107 ملايين دينار حتى أيلول (سبتمبر) الماضي، نتيجة رفع تعرفة الجملة من قبل هيئة تنظيم الطاقة والمعادن، لا يعني بالضرورة تحسنا في الكفاءة التشغيلية".
يذكر أن إجمالي الخسائر المتراكمة لشركة الكهرباء الوطنية ارتفع العام الماضي إلى نحو 6.2 مليار دينار بنهاية العام مقارنة بنحو 5.7 مليار في نهاية العام الذي سبقه، بزيادة نسبتها 9 %.
ووفقا لآخر البيانات الصادرة عن الشركة، بلغت خسائر "الكهرباء الوطنية" خلال عام 2024 ما يقارب 427.7 مليون دينار، مقارنة بنحو 410.9 مليون دينار في عام 2023 في وقت بلغ فيه إيراد الطاقة نحو 1.5 مليار دينار مقارنة بنحو 1.4 مليار دينار في العام السابق.
في المقابل، انخفضت نسبة إجمالي الديون إلى إجمالي الموجودات في العام الماضي 309.2 % مقارنة مع 336.1 % في العام الذي سبقه.
ويرى بلاسمة أن رفع التعرفة لا يعد إصلاحا اقتصاديا حقيقيا، بل مجرد إعادة توزيع مؤقتة للخسائر بين الشركة والمستهلكين والموزعين، دون معالجة فنية للبنية التحتية أو تقليص الفاقد الفني والإداري، مشيرا إلى أن التقرير أورد أن معدل الصرف من التمويل الأصلي للبرنامج بلغ 82.4 %، لكنه يعكس قدرة مالية تنفيذية فحسب ولا يدل على تحقيق نتائج مؤثرة في تحسين أداء الشبكة.
وأضاف "البرنامج القائم على النتائج يهدف لتعزيز الكفاءة والحوكمة لكنه حتى الآن ينتج مخرجات إدارية أكثر من كونه إصلاحا مؤسسيا".
ضعف الشفافية والحوكمة
وأوضح بلاسمة أن تثبيت رسوم التوليد الذاتي للطاقة المتجددة عند دينارين لكل كيلوواط/ساعة يمثل خطوة تنظيمية محدودة، لم تبنَ على تحليل كلفة حقيقي أو تسعير عادل بين المنتجين والمستهلكين، كما أن استخدام نظام المشتريات الحكومية الإلكتروني (JONEPS) الذي يفترض أن يعزز الشفافية ما يزال عند حدود 17 % فقط ما يعكس بطء التحول نحو الانفتاح والمساءلة.
وأشار إلى أن تحويل عوائد التعدين إلى نيبكو إجراء إداري لا يرقى إلى إصلاح مالي حقيقي ما لم يُقرن بإفصاح علني ومنتظم عن القيم والتحويلات.
كما لفت إلى أن التقرير أشار إلى اعتماد نيبكو إطارا جديدا للرقابة الداخلية ومنهجيات تدقيق مبنية على المخاطر، لكن القوائم المالية لعام 2024 صدرت برأي مدقق متحفظ، ما يؤكد استمرار ضعف الضوابط الداخلية والمساءلة، مضيفا أن غياب الإفصاح المنتظم عن العقود والبيانات المالية يخالف مبدأ الشفافية الذي نص عليه قانون الكهرباء رقم (64) لسنة 2002 ونظام العطاءات الحكومية رقم (28) لسنة 2019، ويقوّض ثقة المستثمرين والجهات الرقابية.
وأكد بلاسمة أن الإصلاح الحقيقي يجب أن ينطلق من بناء مؤسسات قوية قادرة على تنفيذ قراراتها ضمن إطار قانوني ومحاسبي واضح، مشددا على أن قطاع الكهرباء في الأردن يحتاج إلى خطة تشريعية وفنية متكاملة تضمن استدامة الإصلاح وتمنع تكرار الاختلالات التي يعانيها.
ويرى أن أي عملية إصلاح فعّالة لا يمكن أن تتحقق من دون منظومة حوكمة مالية تربط الأداء بالمساءلة، وتفرض التزاما قانونيا على جميع الأطراف في القطاع بما يضمن الشفافية في اتخاذ القرار المالي والإداري، إلى جانب وجود تدقيق مستقل وعلني للقوائم المالية لتحديد مكامن الخلل ومعالجتها وفق أسس مهنية لا سياسية.
كما دعا إلى إعادة هيكلة التعرفة الكهربائية وفق كلفة الخدمة الحقيقية بعيدا عن القرارات الإدارية الآنية، وتفعيل رقابة المشتريات وربطها بنظام العقود الوطني تحت إشراف ديوان المحاسبة، لضمان نزاهة الإجراءات وتعزيز ثقة المستثمرين في القطاع. 
وأكد أن تحسين الكفاءة التشغيلية للشبكة يجب أن يسبق أي زيادة في الأسعار، من خلال خفض الفاقدين الفني والمحاسبي وتطوير البنية التحتية، معتبرا أن هذه الخطوات مجتمعة تمثل الأساس لأي إصلاح مؤسسي وتشريعي مستدام يعيد التوازن إلى قطاع الكهرباء في المملكة.
وبين بلاسمة أن البنك الدولي نفسه صنف مستوى المخاطر في قطاع الكهرباء الأردني بأنه كبير، وهو ما يعكس أن التقدم المحقق لم يترجم بعد إلى استدامة مالية أو استقرار مؤسسي، كما أن تثبيت التعرفة وتدخل البنك الدولي يحققان درجة من الاستقرار المؤقت، لكن الاستقرار الحقيقي لا يتحقق إلا بمنظومة قانونية تضمن استقلال هيئة التنظيم، وآلية شفافة لتسعير الكهرباء ومحاسبة الأداء.
ضرورة استغلال الخبرات وتوسيع الخدمات التدريبية
من جانبه، قال المدير العام الأسبق لشركة الكهرباء الوطنية المهندس م.عبدالفتاح الدرادكة إن "شركة الكهرباء الوطنية قامت بتنظيم دورات ومؤتمرات وتدريب بالتعاون مع الهيئات الدولية المانحة اليابانية والكورية والأوروبية والأميركية ضمن برنامج تدريب الدولة الثالثة لليمن والعراق وفلسطين وليبيا وغيرهم والذي يحقق وفورات للشركة لقاء استغلال الخبرات المتراكمة في تقديم خدماتها الخاصة التدريبية وكذلك تقديم خدمات تدريبية عملية لبعض الجامعات والمؤسسات التعليمية في الأردن".
وبين الدرادكة أن خطوط أنابيب الغاز تعبر المملكة من الجنوب إلى الشمال وكذلك إلى غرب المملكة، وهذه الخطوط يستغل جزء من سعتها لتمرير الغاز من قبل أطراف خارجية مثل تزويد سورية بالغاز من خلال المنحة القطرية وكذلك تزويد الصناعات داخل الأردن كل ذلك قد يوفر إيرادات لشركة الكهرباء الوطنية نتيجة تقاضي الشركة الرسوم أو الأتاوات أو المناولة الخاصة بخدمات الغاز لتلك الجهات.
إلى ذلك، فإن كلفة الشبكة الكهربائية وهي عبارة عن دينارين لكل كيلو واط استطاعة في الشهر للمشتركين الذين لديهم طاقة شمسية سواء باشتراكات صافي القياس أو العبور للمؤسسات والشركات الصناعية والتجارية والخدمية يفترض أن تحول لشركة الكهرباء الوطنية والتي يفترض أن تشكل جزءا من الوفورات المذكورة في تقرير البنك الدولي.
حياصات: الإصلاح يسير في الاتجاه الصحيح رغم عبء المديونية
أما المدير العام الأسبق لشركة الكهرباء الوطنية د.أحمد حياصات فأكد أن التقييم الإيجابي الذي ورد في تقرير البنك الدولي يعكس فعلا التقدم الذي تحقق في تطوير أداء النظام الكهربائي الأردني.
وقال: "استخدام الطاقة المتجددة في المملكة شهد تطورا كبيرا خلال السنوات الماضية، وأصبح الأردن من الدول الرائدة إقليميا في هذا المجال"، مشيرا إلى أن الإجراءات التنظيمية والسياسات التي تم تنفيذها تسير في الاتجاه الصحيح.
غير أن حياصات شدد على أن مديونية شركة الكهرباء الوطنية ما تزال تمثل العقبة الأكبر أمام استدامة الإصلاح.
وأوضح أن تراكم الديون لم يكن نتيجة سوء إدارة من الشركة، بل بسبب عوامل خارجية، أهمها انقطاع الغاز المصري قبل أكثر من عقد، واعتماد النظام حينها على مصدر واحد دون بدائل مناسبة، ما أدى إلى ارتفاع كلف التوليد واعتماد أكبر على الوقود الثقيل والديزل.
وأضاف "معالجة هذه المديونية لا ينبغي أن تكون على حساب الشركة، لأنها تؤدي دورا محوريا في استقرار النظام الكهربائي الوطني".
وبيّن أن استمرار الشركة في تحمل أعباء فوائد مالية ضخمة سنويا يحد من قدرتها على تطوير أدائها وتحسين كفاءتها التشغيلية، مشيرا إلى أن حجم الفوائد السنوية يمثل عبئا كبيرا يستهلك قسما من الإيرادات التشغيلية.
وأكد حياصات أن حل مشكلة المديونية أولوية وطنية لضمان استدامة القطاع، مشيرا إلى أن باقي الجوانب التنظيمية والفنية تسير في الاتجاه الصحيح، وأن الأردن حقق بالفعل تقدما ملموسا في مجالات الطاقة المتجددة والحوكمة المؤسسية.
وقال: "الاستمرار في تنفيذ الإصلاحات، بالتوازي مع معالجة عبء الديون، كفيل بإعادة التوازن المالي الكامل للقطاع وتحقيق إصلاح دائم ومستدام".