أخبار سوق عمان المالي / أسهم
 سعر السهم
Sahafi.jo | Rasseen.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
  • آخر تحديث
    01-Sep-2025

التحول إلى الغاز الطبيعي: خيار اقتصادي وبيئي لمستقبل النقل في الأردن*هاشم عقل

 الراي 

مع الارتفاع المتواصل في أسعار المشتقات النفطية، باتت مسألة البحث عن بدائل وقود أقل تكلفة وأكثر صداقة للبيئة ضرورة وطنية ملحّة، وليس مجرد خيار.
 
من بين أبرز هذه البدائل يبرز الغاز الطبيعي المضغوط (CNG) أو الغاز المسال (LPG)، الذي نجحت عدة دول في العالم في اعتماده كوقود للسيارات، الأمر الذي يطرح تساؤلات جادة حول إمكانية تطبيق التجربة في الأردن، وجدواها الاقتصادية والبيئية.
 
فوائد اقتصادية مباشرة
 
يعد الغاز الطبيعي وقودًا أقل كلفة مقارنة مع البنزين أو الديزل؛ إذ تشير الدراسات إلى أن سعره قد يقل بنسبة تصل إلى 50% عن سعر لتر البنزين. هذا يعني أن السائق الذي ينفق 200 دينار شهريًا على البنزين يمكن أن يخفض فاتورته إلى نحو 100–120 دينار فقط بعد التحويل، وهو مبلغ كبير إذا ما حسب على مستوى آلاف المركبات في البلاد.
 
إضافة إلى ذلك، فإن احتراق الغاز يتميز بالنظافة، ما يقلل من ترسب الكربون داخل المحرك ويطيل عمره الافتراضي، وهو ما ينعكس على تخفيض تكاليف الصيانة الدورية. وعلى المستوى الوطني، فإن تقليل استهلاك المشتقات النفطية المستوردة يساهم في تخفيف الضغط على الميزان التجاري الأردني، ويخفض من فاتورة استيراد الوقود التي تشكل عبئًا متناميًا على الاقتصاد.
 
أثر بيئي مهم
 
جانب آخر لا يقل أهمية هو البعد البيئي؛ فالتحول إلى الغاز يساهم في خفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون (CO₂) بنسبة تقارب 20%، كما يقلل من أكاسيد النيتروجين (NOx) والجسيمات الصلبة المسببة لتلوث الهواء. المدن الأردنية الكبرى مثل عمّان والزرقاء وإربد تعاني أصلًا من تلوث مروري مرتفع، وبالتالي فإن التوسع في استخدام الغاز من شأنه أن يحسن جودة الهواء ويقلل من نسب الأمراض المرتبطة بالجهاز التنفسي.
 
التحديات التي تواجه التجربة
 
رغم هذه الفوائد، إلا أن تحويل السيارات إلى الغاز الطبيعي يواجه مجموعة من العقبات.
 
أولها التكلفة المبدئية للتحويل، والتي تتراوح عالميًا بين 500 إلى 1000 دينار للسيارة الواحدة، وهو مبلغ قد يثقل كاهل الكثير من مالكي المركبات.
 
العقبة الثانية تتمثل في البنية التحتية، حيث يحتاج الأردن إلى شبكة محطات تعبئة غاز كافية وموثوقة، وهو ما يتطلب استثمارات كبيرة من القطاعين العام والخاص.
 
أما التحدي الثالث فهو المخاوف المتعلقة بالأمان؛ إذ يحتاج المواطن إلى ضمانات بأن أنظمة التحويل معتمدة وتخضع للرقابة الفنية، خصوصًا أن أسطوانة الغاز تشغل حيزًا في صندوق السيارة وتحتاج إلى فحوصات دورية.
 
تجارب دولية ملهمة
 
تجارب دول مثل مصر، التي أطلقت برنامج “إحلال السيارات للعمل بالغاز” وحولت مئات الآلاف من المركبات، تؤكد إمكانية نجاح المشروع إذا رافقه دعم حكومي مباشر. وفي إيطاليا والأرجنتين، تصل نسبة السيارات العاملة بالغاز إلى ملايين المركبات، ما وفر لهذه الدول مليارات الدولارات وخفض مستويات التلوث بشكل ملموس.
 
الفرصة أمام الأردن
 
الأردن، بما يملكه من شبكة غاز إقليمية تربطه بمصر وسوريا ولبنان، يمكنه الاستفادة من هذه الموارد في تطوير سوق محلي للغاز كوقود للسيارات. ومع تنامي الاهتمام العالمي بالتحول إلى الطاقة النظيفة، فإن تبني برنامج وطني للتحويل سيعزز من مكانة الأردن في مسار التحول الطاقي المستدام.
 
الحل قد يبدأ عبر خطوات تدريجية:
 
إطلاق حوافز ضريبية أو قروض ميسرة لتحويل السيارات.
 
إنشاء محطات تعبئة تجريبية في عمان والزرقاء وإربد.
 
التركيز أولًا على سيارات الأجرة والحافلات، كونها الأكثر استهلاكًا للوقود.
 
وضع مواصفات فنية إلزامية لأنظمة التحويل لضمان الأمان.
 
إن تحويل سيارات البنزين والديزل إلى الغاز الطبيعي ليس ترفًا بل ضرورة اقتصادية وبيئية للأردن. قد تبدو الكلفة المبدئية مرتفعة، لكن العائد طويل الأجل على المواطن والاقتصاد الوطني والبيئة يجعلها استثمارًا رابحًا. وإذا ما توفرت الإرادة السياسية والدعم الفني، فإن السنوات القادمة قد تشهد شوارع المملكة تعج بسيارات صديقة للبيئة وأخف وطأة على جيب المواطن.
 
التوفير المالي المحتمل للأردن
 
وفق أرقام غير رسمية، يقدّر عدد سيارات الأجرة العاملة في الأردن بنحو 30 ألف سيارة، إضافة إلى آلاف الحافلات الصغيرة والمتوسطة التي تستهلك كميات كبيرة من الوقود يوميًا.
 
استهلاك سيارة الأجرة: متوسط استهلاك التاكسي في عمّان يصل إلى نحو 20 لترات بنزين يوميًا (أي حوالي 600 لتر شهريًا).
 
تكلفة البنزين: بسعر يقارب 0.85 دينار لليتر، تصل الفاتورة الشهرية لكل سيارة أجرة إلى نحو 510 دنانير.
 
تكلفة الغاز: إذا كان سعر الغاز يعادل نصف سعر البنزين تقريبًا، فإن الفاتورة الشهرية تنخفض إلى 255 دينارًا.
 
التوفير لكل سيارة أجرة = 255 دينارًا شهريًا، أي 3060 دينارًا سنويًا.
 
إجمالي التوفير لقطاع التاكسي فقط (30 ألف سيارة) = نحو 92 مليون دينار سنويًا.
 
أما بالنسبة للحافلات، فإن الاستهلاك اليومي أعلى بكثير (40 لترًا يوميًا على الأقل). فإذا جرى تحويل 10 آلاف حافلة، فإن حجم الوفر قد يتجاوز 80 مليون دينار سنويًا.
 
العائد الوطني
 
إجمالي الوفر المبدئي من قطاع سيارات الأجرة والحافلات فقط قد يصل إلى نحو 170-175 مليون دينار سنويًا.
 
هذا الرقم مرشح للارتفاع إذا جرى توسيع البرنامج ليشمل سيارات القطاع العام، وحافلات النقل بين المحافظات، بل وحتى السيارات الخاصة على المدى البعيد.
 
علاوة على ذلك، فإن تخفيض استيراد المشتقات النفطية بهذا الحجم ينعكس مباشرة على الميزان التجاري ويقلل من الضغط على احتياطي العملات الأجنبية.
 
إذا ما تبنى الأردن خطة شاملة لتحويل السيارات إلى الغاز الطبيعي، فإن المكاسب لن تكون محصورة فقط في جيب السائق، بل ستنعكس على الاقتصاد الوطني وعلى البيئة العامة. ومع وفر مالي يتجاوز 170-175 مليون دينار سنويًا في المرحلة الأولى فقط، فإن التجربة تستحق الاستثمار، خاصة إذا رافقتها حوافز حكومية وتشجيع للقطاع الخاص على بناء البنية التحتية اللازمة.