أخبار سوق عمان المالي / أسهم
 سعر السهم
Sahafi.jo | Rasseen.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
  • آخر تحديث
    26-Jun-2025

الترقب بدل الهلع: حين تجاهلت الأسواق الصواريخ*رامي خريسات

 الغد

رغم ما تحمله الحرب الإسرائيلية الإيرانية من تاريخ طويل من العداء والتصعيد والتهديدات، ورغم التوقعات التقليدية التي تفترض قفزات حادة في أسعار الذهب والنفط، وانهيارات في أسواق المال، جاءت المفاجأة على غير المعتاد: الأسواق لم ترتعد، بل سجلت ارتفاعات في مشهد لا يخلو من الغرابة.
 
 
من اللافت مقارنة أداء ثلاث مرجعيات خلال الفترة الممتدة بين قصف إسرائيل لإيران وإعلان الرئيس ترامب وقف إطلاق النار؛ فقد تحرك الدولار وعوائد السندات الأميركية لأجل عشر سنوات ضمن نطاق ضيق، بينما شهدت أسعار النفط تقلبات حادة، إذ قفزت إلى نحو 79 دولارًا للبرميل قبل أن تتراجع بسرعة لقرابة 69 دولارًا وقبل انجلاء المخاوف. أما الأسواق الأميركية، وتحديدًا مؤشر MSCI، فقد بدأت بالصعود من مستويات متدنية بمخاوف معتدلة، واستمرت في تحقيق المكاسب حتى بعد استهداف قاعدة «العديد» وما زالت كذلك؛ ما يعكس تجاهلًا لافتًا للمخاطر الجيوسياسية المحيطة!
 
وكأن الأسواق تمتلك «مجسات داخلية» أو معلومات داخلية لا يدركها عموم المتابعين؛ تعلم مسبقًا أن التصعيد سيظل محكومًا بسقوف سياسية وعسكرية واضحة، وأن الردود ستكون مدروسة بعناية، وأن آليات الاحتواء ستعمل مبكرًا، وهو ما تحقق فعلاً. ولهذا، لم تشهد الأسواق هلعًا، بل رأت في الأفق فرصًا استثمارية يجدر اغتنامها.
المثير في الأزمة الأخيرة إظهار الطرفين نوعًا من الرغبة في تجنب الانزلاق نحو حرب إقليمية شاملة بدليل عدم استهداف مضيق هرمز أو منشآت حيوية نفطية، ما كان من شأنه أن يشعل فتيل تصعيد واسع النطاق. كما ساهمت التسريبات الإعلامية – بقصد أو بدونه – في احتواء عنصر المفاجأة، ما منح الأسواق نوعًا من الطمأنينة بأن التصعيد محكوم بسقف سياسي لا يتجاوزه.
الأسواق وبمرور السنين، دخلت في حالة من «التشبع في التسعير الجيوسياسي»، نتيجة تراكم سنوات من التوترات الممتدة في أوكرانيا، الصين، تايوان، اليمن، ليبيا، سورية ولبنان... ولم يعد المستثمر يتفاعل مع كل صاروخ أو غارة كما في السابق، بل أرهقته أيضًا التصريحات المتكررة للرئيس الأميركي ترامب، بما حملته من غموض وتناقض وتراجع، ما عزز حالة التبلد تجاه الأخبار السياسية. لذلك لم يعد التركيز ينصب إلا على ما يُحدث أثرًا ملموسًا في الاقتصاد العالمي، خصوصًا في مجالات الطاقة، التجارة، وسلاسل الإمداد.
ويضاف إلى ذلك التحول المتسارع نحو الطاقة النظيفة، وتراجع اعتماد الاقتصادات الكبرى على نفط الشرق الأوسط، إلى جانب بروز الولايات المتحدة كمصدر رئيسي للنفط والغاز. هذه العوامل مجتمعة أسهمت في تقليص حساسية الأسواق تجاه الاضطرابات الإقليمية، فلم نشهد قفزات نفطية حادة بحكم وفرة المعروض واستعداد العديد من اللاعبين الدوليين لتعويض النقص إن حصل. 
كما لا يمكن إغفال أثر العقوبات الغربية المفروضة على إيران، والتي أخرجت فعليًا معظم نفطها من السوق العالمي، باستثناء ما تصدره إلى الصين، مما قلل من أهمية التهديدات المرتبطة بإمداداتها. كما ان قلة قليلة كانت تعتقد أن إيران أو حلفاءها يمتلكون القدرة على إلحاق ضرر كبير بإنتاج النفط، أو حتى إغلاق المضيق.
ومع ترجيح التهدئة واستمرار بيئة أسعار الفائدة المرتفعة، تراجعت جاذبية الذهب كملاذ آمن، كونه أصلًا لا يدر عائداً، مقابل بدائل أكثر جاذبية كالسندات الأميركية ذات العوائد المجزية، وتطور أدوات التحوط — من المشتقات المالية إلى العقود الآجلة — في تقليص إقبال المستثمرين على الذهب، وسط قدرة أكبر على إدارة المخاطر والتقلبات المفاجئة.
كذلك برز تنامي الاستثمار في العملات الرقمية والسلع البديلة، وهو ما ساهم في تشتيت بوصلة الأسواق بعيدًا عن الأصول التقليدية كالذهب والنفط. فقد أصبح اهتمام المستثمرين موزعًا بين العديد من الأدوات الاستثمارية وبين العوامل الجوهرية الأكثر تأثيرًا، مثل السياسات النقدية، وتوازنات الطاقة، والتعريفات الجمركية، التي طغى أثرها في كثير من الأحيان على وقع الحرب نفسها.
في نهاية المطاف، لم يكن الحدث العسكري بحد ذاته هو ما حرك الأسواق، بل غياب الضرر الاقتصادي المباشر. لم تهتز سلاسل الإمداد، ولم يرتفع التضخم، ولم تتعرض أرباح الشركات الكبرى لأي تهديد جوهري. أصبح المستثمرون أكثر انتقائية، فلم يعودوا ينجرفون وراء كل صدمة سياسية، بل صاروا يوزنون الأمور بميزان التأثير الحقيقي على الاقتصاد العالمي. لذلك، اختارت الأسواق «الترقب البارد» بدلًا من «الهلع الحاد»، مدفوعة بحسابات واقعية، ولسان حالها يقول إن الصدمات الجيوسياسية لم تعد كافية لتحريك الأسعار صعودًا كما في السابق.