خط الفقر في الأردن: أداة قياس أساسية ودورها في صياغة السياسات الاجتماعية*أ. د. هاني الضمور
الدستور
يُعد خط الفقر أحد أهم المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية التي تساعد على فهم مستوى المعيشة في أي مجتمع. وهو يُعرّف بأنه الحد الأدنى من الدخل أو الإنفاق اللازم لتغطية الاحتياجات الأساسية للفرد أو الأسرة، بما يشمل الغذاء، والمسكن، والملبس، والرعاية الصحية، والتعليم. وجود تقدير واضح ومحدث لهذا الخط يسهم في تصميم سياسات حماية اجتماعية فعّالة تستند إلى بيانات دقيقة.
في الأردن، يتم احتساب خط الفقر من خلال مسوح دخل وإنفاق الأسرة التي تنفذها دائرة الإحصاءات العامة. وتُعد هذه المسوح من الأدوات البحثية المعتمدة دوليًا لقياس مستويات المعيشة، حيث تجمع بيانات شاملة عن أنماط الإنفاق والدخل، وتتيح تحديد مستوى الاستهلاك اللازم لتأمين حياة كريمة.
أحدث قيمة مُعلنة بشكل رسمي لخط الفقر الوطني تعود إلى بيانات عام 2010، حيث قدّر الخط المطلق للفرد بنحو 814 دينارًا سنويًا، أي ما يقارب 68 دينارًا شهريًا. تم نشر هذه القيمة ضمن تقارير رسمية وكتيّبات «الأردن بالأرقام» ووثائق متخصصة حول الأمن الغذائي. ومنذ ذلك الحين، ظهرت تقديرات جديدة لنسب الفقر، مثل نسبة 15.7% في عام 2017/2018، إلا أن القيم النقدية المحدثة لخط الفقر لم تُدرج بنفس الوضوح في المنشورات الموجهة للجمهور.
أهمية خط الفقر تتجلى في كونه أداة مرجعية لتحديد الفئات المستحقة لبرامج الدعم والتحويلات النقدية، وقياس أثر السياسات الاقتصادية والاجتماعية، ورصد التغيرات في مستويات المعيشة عبر الزمن. فمع ارتفاع الأسعار أو تغير معدلات الدخل، يمكن أن يتغير حجم الفئات التي تقع تحت خط الفقر، ما يتطلب مراجعة مستمرة للسياسات والإجراءات المرتبطة بالحماية الاجتماعية.
من منظور علمي، توفر المؤشرات النقدية للفقر، مثل خط الفقر المطلق، قاعدة ضرورية لعملية استهداف الدعم. كما أنها تتيح إمكانية إجراء مقارنات زمنية بين الفترات المختلفة، وهو ما يساعد على تقييم فعالية التدخلات الحكومية أو البرامج الممولة دوليًا.
إلى جانب ذلك، تتوافق أهمية وجود بيانات محدثة لخط الفقر مع التوجهات العالمية لتحقيق أهداف التنمية المستدامة، خصوصًا الهدف الأول المتمثل في «القضاء على الفقر بجميع أشكاله». إذ يُشجع هذا الإطار الدولي على قياس الفقر ومتابعة تطوره وفق منهجيات موحدة وشفافة، ما يسهل على الدول تقييم أدائها ومقارنته بالمعايير الدولية.
غياب النشر الدوري للقيمة النقدية المحددة لخط الفقر لا يعني غياب التقديرات أو البيانات، بل قد يكون مرتبطًا بتوجهات في عرض المؤشرات، حيث يُكتفى أحيانًا بإعلان نسب الفقر العامة أو مؤشرات أخرى مثل الفجوة ومعامل جيني. ومع ذلك، فإن إتاحة البيانات المحدثة بشكل منتظم يمكن أن تدعم العمل الأكاديمي والبحثي، وتساعد في صياغة السياسات الاجتماعية على أسس علمية متينة.
منهجية احتساب خط الفقر في الأردن تعتمد على تحديد سلة من السلع والخدمات الضرورية، ثم قياس تكلفتها الفعلية في السوق، وإضافة بنود الإنفاق غير الغذائي. هذا النهج ينسجم مع توصيات المؤسسات الدولية مثل البنك الدولي، ويضمن أن يكون المؤشر ملائمًا لواقع الأسعار المحلية ومستويات المعيشة.
إن تطوير سياسات الحماية الاجتماعية يتطلب توافر بيانات شاملة ودقيقة، وخط الفقر يمثل جزءًا أساسيًا من هذه المنظومة. وجوده كمؤشر معلن بانتظام يساعد على ضمان أن برامج الدعم تستهدف الفئات الأكثر حاجة، وأن الموارد تُوزع بكفاءة، مع إمكانية متابعة التغيرات في أوضاع المعيشة على المدى الطويل.
في السياق الأردني، يمكن تعزيز فاعلية السياسات الاجتماعية من خلال الاستمرار في تطوير أدوات القياس، وتحديث المؤشرات النقدية بشكل دوري، وتوسيع قنوات النشر لتشمل التقارير الرسمية الموجهة للباحثين وصناع القرار، وكذلك المواد الإعلامية الموجهة للجمهور العام. هذه الخطوة ستعزز من قابلية المؤشر للاستخدام كأداة تخطيطية، وتدعم الجهود الوطنية نحو تنمية شاملة ومستدامة.
في النهاية، خط الفقر ليس مجرد رقم اقتصادي، بل هو إطار مرجعي لفهم الواقع المعيشي، وأداة استراتيجية لتوجيه الموارد والسياسات. ومع التغيرات الاقتصادية والاجتماعية المستمرة، تظل أهمية تحديثه وإتاحته واضحة، باعتباره ركيزة أساسية لأي سياسة حماية اجتماعية فعّالة تستند إلى العلم والمنهجية.