الغد-تميم نايف القصراوي
الاقتصاد الأردني يمر بمرحلة حساسة تتطلب وضوح الرؤية وجرأة في اتخاذ القرار. والموظف الحكومي، بوصفه الأداة التنفيذية الأولى في مسيرة التنمية، يلعب دوراً محورياً في تحديد سرعة إنجاز المعاملات وتسهيل بيئة الأعمال.
لكن للأسف، واقع الحال يظهر أن ثقافة الإنجاز في بعض المؤسسات ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالالتزام الجامد بنص القانون، بعيداً عن روح القانون وغاياته في دعم الاستثمار وتحفيز الإنتاج.
نجد أن بعض الدوائر تقيس أداء موظفيها بمدى مطابقة المعاملات المنجزة للنصوص القانونية ، أما إذا ظهر اجتهاد يسمح به القانون لصالح تسريع الاستثمار، فإن الموظف يجد نفسه أمام خطر المساءلة من ديوان المحاسبة أو هيئات مكافحة الفساد، وبما أن الموظف في النهاية يسعى لحماية نفسه قبل كل شيء، فقد بات الخيار الأسهل أمامه هو التعسف بالرفض، والاحتماء بكلمة “لا”.
وهنا تكمن المعضلة: أصبحت “اللّا” وسيلة أمان وظيفي، بينما تحولت “النعم” إلى مخاطرة قد تكلّف الموظف موقعه وسمعته.
نحو مساءلة عادلة
المطلوب ليس إضعاف دور الأجهزة الرقابية، بل تطوير أدواتها بما ينسجم مع متطلبات المرحلة الاقتصادية، فالرقابة لا يجب أن تقتصر على رصد ما تم إنجازه، بل أن تمتد أيضاً لمتابعة حجم المعاملات المرفوضة، وأسباب هذا الرفض، ومساءلة من رفضوا دون مبرر وجيه.
فكما يُحاسب الموظف على ما أنجز، يجب أن يُسأل أيضاً عن قرارات “اللّا” التي عطّلت استثماراً، أو أخّرت مشروعاً، أو ضاعفت العبء على بيئة الأعمال، ( ضع المبرر لك ) بهذا الشكل، نخلق توازناً بين الحذر المطلوب لحماية المال العام، والمرونة اللازمة لتشجيع الاستثمار ودفع عجلة الإنتاج.
تصحيح المسار
الأردن بحاجة اليوم إلى بيئة أعمال أكثر ديناميكية، قادرة على جذب المستثمرين، وتشجيع الرياديين، ورفع كفاءة العمل الحكومي، ولن يتحقق ذلك إلا من خلال تغيير ثقافة المحاسبة: من ثقافة الخوف إلى ثقافة المسؤولية، ومن عقلية التعطيل إلى عقلية التيسير.
فالمحاسبة لا بد أن تكون على “اللّا” بقدر ما تكون على “النعم”. عندها فقط، يتحرر الموظف من عقدة المساءلة، ويتحول من حاجز بيروقراطي إلى شريك حقيقي في بناء اقتصاد وطني قوي.