الغد
تشير المعطيات المتواترة، إلى أن منتصف أيلول (سبتمبر) المقبل سيشهد تخفيضا من قبل الفيدرالي الأميركي على نسبة الفائدة بنسبة قد تصل الى 0.75 %، وذلك كما أعلن رئيس الفيدرالي جيروم باول في خطاب "جاكسون هول".
باول لم يرضخ لمطالب الرئيس الأميركي دونالد ترامب، بضرورة خفض الفائدة، ووقف صخرة عنيدة في وجهه للمحافظة على استقلالية السياسية النقدية، التي تحكمها مؤشرات وأرقام وليست رغبات، وهو ما أغضب الرئيس الأميركي حتى أن باول أعلن أنه لن يستقيل حتى لو طلب منه ترامب ذلك بصفته الرئيس المنتخب، وأنه مستمر في فترة رئاسته للفيدرالي حتى أيار(مايو) 2026.
كثير من الدروس والعبر التي تظهر من موقف باول، فهو غير ساع للتجديد ولا سيما، أن علاقته مع الرئيس ترامب متوترة، ولم يرضخ لرغباته في تخفيض أسعار الفائدة بحكم عوامل التضخم المرتفعة حينها وغيرها من المؤشرات التي حالت دون تلبية رغبات الرئيس ترامب، وتعكس كذلك درسا مهما أن السلطات النقدية يجب أن تبقى مستقلة عن قرارات الساسة والحكومات وبخلاف ذلك، تفقد هيبتها وتنهار عملتها ويرتفع التضخم بشكل مريع.
وخير دليل على هذا النموذج، ما فعله الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بعد انتخابه العام 2018، عندما أقال محافظ البنك المركزي حينها وبدأ من خلفه بالانسياق وراء رغبات اردوغان، فانهارت العملة التركية، وفقد المركزي أهم أدوات السياسة النقدية في كبح جماح التضخم وهو أمر تعاني منه حتى هذا الوقت.
بالعودة إلى باول رئيس الفيدرالي الأميركي وخطابه، فإن أبرز ما ألمح إليه ويدعم خفض أسعار الفائدة، هو استقرار البطالة، مما يمنح الاحتياطي هامشا للتحرك بحذر في تعديل الفائدة والسياسة النقدية، والتوقعات الأساسية لها أن هناك تغيرا وتوازنا في المخاطر، مما قد يستدعي تعديل الموقف، إضافة إلى أن الظروف تسمح بالمضي قدما ودراسة سياسة الفيدرالي الأميركي، بحسب رئيسه باول.
تلك الكلمات والتقييمات جملة وتفصيلا التي تحدث فيها باول، تشكل تحولا من موقفه المتشدد لمكافحة التضخم، الذي بات يسيطر عليه حتى مع رسوم ترامب الجمركية، التي يعتبرها الفيدرالي بأنها غير متكررة، وبالتالي التحول من السياسة الانكماشية التي تبناها برفعات متتالية، قد تتحول نحو سياسة توسعية في خفض أسعار الفائدة.
الاسواق المالية العالمية بعد سماعها خطاب باول، شهدت ارتفاعا في أسعار الاسهم، وتفاعلات مع تلك الأنباء، وتراجعا للدولار أمام العملات الرئيسية.
كل تلك المعطيات تبدو إيجابية على مختلف اقتصاديات دول العالم، لأنها ستنقل السياسة النقدية من انكماشية إلى توسعية، مما يشكل نواة لأسعار فائدة أقل كلفة، مما يدعم النمو الاقتصادي من جانب، مع السيطرة من قبل البنوك المركزية على معدلات النمو والفائدة وهو الأمر الذي أبدع فيه البنك المركزي الأردني، ليكون من أبرز دول العالم انضباطا وحصافة رغم التوترات الإقليمية.
طبعا، من المتوقع أن يلحق تخفيض الفائدة من قبل الفيدرالي الأميركي تخفيضا لها تلجأ إليه أغلب الدول، وسيدرس البنك المركزي الأردني تلك المعطيات ويتخذ القرار المناسب للإبقاء على مكاسب السياسية الحصيفة، التي ينفذها التي أفضت إلى تحقيق أفضل المؤشرات النقدية.