أخبار سوق عمان المالي / أسهم
 سعر السهم
Sahafi.jo | Rasseen.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
  • آخر تحديث
    09-Aug-2025

المناخ والحرائق يضغطان على مصادر المياه

 الغد-إيمان الفارس

 في ظل تصاعد التحديات البيئية التي تواجه الأردن، يبرز التأثير المتشابك بين تغير المناخ وتراجع جودة الموارد المائية، خصوصا مع ما تشهده المملكة من ندرة متفاقمة في مصادر المياه وتزايد المخاطر الناتجة عن حرائق الغابات وتلوث الهواء.
 
 
وأكد مختصون في الشأن المائي لـ”الغد”، أن العلاقة بين التغير المناخي وجودة المياه أصبحت أكثر وضوحا، مشيرين إلى أن التأثير لا يقتصر على كميات المياه، بل يشمل نوعيتها، سواء كانت جوفية أو سطحية، وما إذا كانت مخصصة لأغراض الشرب أو الزراعة.
 
ورأى هؤلاء، أن الأحواض المائية في المملكة تعاني من تدهور نوعي كلما تراجعت جودة الهواء، وهو ما يتضاعف في ظل التغيرات المناخية التي تؤثر على أنماط الهطل المطري، كما ونوعا.
وتم رصد تحولات واضحة في كمية الأمطار هذا العام، ما انعكس سلبا على التربة والغطاء النباتي، وأدى إلى تفاقم التحديات المرتبطة بالأمنين المائي والغذائي.
ورغم الاعتماد الرئيسي على السدود كمصادر للمياه في الأردن، إلا أن تلك المنشآت المائية لا تبدو محصنة من آثار التغير المناخي، حيث أكد مختصون أن جودة المياه المخزنة تتأثر بالتلوث الهوائي والظروف المناخية المتقلبة، ما يزيد من صعوبة استخدامها لاحقا، خصوصا في قطاع الشرب.
تلوث الهواء والأحواض المائية
في هذا السياق، أكد الخبير الدولي في شؤون المياه د. دريد محاسنة، استمرارية الحاجة للربط بين تغير المناخ ونوعية المياه، ما يتطلب مزيدا من الجهود العلمية والبحثية في الأردن، مشددا على أن تأثير المناخ لا يقتصر على كمية المياه فقط، بل يشمل نوعيتها سواء كانت مياها جوفية أو سطحية، أو تلك المستخدمة لأغراض الزراعة أو الشرب.
وأوضح محاسنة أن الأحواض المائية كافة في المملكة تتأثر سلبا كلما ازداد تلوث الهواء وتدهورت نوعيته، مشيرا إلى تضاعف هذا التأثير في ظلّ التغيرات المناخية التي نشهدها، والتي تؤدي إلى تغيرات في نمط الهطل المطري وجودته.
وقال “هذا العام، رصدنا بشكل قاطع تغيرا في كميات الأمطار نتيجة التغير المناخي، كما أن تصاعد الغازات الملوثة إلى الهواء ينعكس بشكل كبير على نمو المحاصيل الزراعية والغابات، إن وجدت”.
وأضاف أن الأمطار المصحوبة بمواد ملوثة تؤدي إلى تفاقم التحديات البيئية، مؤكدا أن هذا النوع من الهطل يؤثر بشكل مباشر على التربة والمياه والنباتات، في حين أن غياب الأمطار أو انخفاض كمياتها يؤدي إلى موجات جفاف كما حدث هذا العام، وهو ما يترك أثرا سلبيا واسعا على الأمن المائي والغذائي في البلاد.
وأشار إلى أن الأردن يعاني أساسا من ندرة المياه السطحية، باستثناء بعض المناطق، مثل الأغوار ونهر الأردن، إلى جانب ما يتم نقله عبر قناة الملك عبد الله، مؤكدا أن هذه المصادر بدورها معرضة للتأثر بتغير المناخ، سواء من حيث الكمية أو النوعية.
وأوضح أيضا أن الاعتماد الأساسي في الأردن ما يزال قائما على السدود كمصدر للمياه، إلا أن هذه السدود ليست بمعزل عن التحديات البيئية، إذ يمكن أن تتأثر بنوعية المياه الواصلة إليها نتيجة التلوث الجوي وتغير الظروف المناخية، مما ينعكس على جودة المياه المخزنة واستخدامها لاحقا.
حرائق الغابات
من جانبه، أكد الخبير الإقليمي في مجال التعاون في قطاع المياه م. مفلح العلاوين، أن تأثيرات حرائق الغابات على نوعية المياه السطحية أصبحت ملموسة بشكل متزايد؛ حيث تسهم بشكل مباشر في رفع مستويات التلوث، وزيادة المحتويات العالقة، والمغذيات، والكربون العضوي في المياه، ما يضيف أعباء كبيرة على عمليات التخثير والترشيح والتطهير وتنقية المياه.
وأوضح العلاوين “أن حدة هذه التأثيرات تتضاعف بفعل العوامل المناخية، وعلى وجه الخصوص السقوط المطري، الذي يعمل على نقل الرماد والمواد العالقة من المناطق المتضررة بالحرائق إلى مصادر المياه، ما يؤدي إلى تدهور جودة المياه السطحية”.
وفيما يتعلق بالسياسات المائية في الأردن، أشار العلاوين إلى أن المملكة تسعى جاهدة للتقليل من المخاطر المرتبطة بالتغير المناخي والكوارث الطبيعية، وهو ما يتطلب وجود إستراتيجيات وطنية لتغير المناخ، وإدارة مخاطر الكوارث، إلى جانب الخطط الوطنية للحد من شح المياه، وجميعها تستند إلى بناء قطاع مائي مرن.
وأضاف “أن هذه السياسات تشمل إدارة المياه السطحية والجوفية، ودراسة حساسية المناطق المختلفة، ووضع خطط استجابة سريعة. ومع ذلك، ما تزال هناك حاجة ملحة للتركيز على المناطق التي تحتوي على كثافة نباتية وأشجار قابلة للاشتعال، خصوصا تلك الواقعة ضمن المسقط المائي لمصادر المياه، لتطوير خطط استجابة موجهة وفعالة”.
وعلى المستوى الدولي، استعرض العلاوين تجارب رائدة في عدد من الدول التي طورت إستراتيجيات فعالة للتعامل مع آثار حرائق الغابات على الموارد المائية، مشيرا إلى أن “الولايات المتحدة، وأستراليا، وكندا، ودول أوروبية عديدة، نفذت خطوات عملية في هذا المجال. فعلى سبيل المثال، تركز الولايات المتحدة على إزالة المواد القابلة للاحتراق في الغابات واستعادة أحواض المياه، وتستخدم مجسات مراقبة متقدمة لضمان إدخال مياه عالية الجودة إلى محطات المعالجة، إضافة إلى بناء أحواض ترسيب أولية لاحتواء الرواسب”.
أما في أستراليا، فتطرق العلاوين إلى أن “مدينة ملبورن تستخدم نماذج محاكاة متقدمة للتنبؤ بحركة الملوثات في المياه الجوفية، ما يساعد في الاستجابة السريعة لتداعيات الحرائق”.
وفي هذا السياق، اقترح العلاوين مجموعة من الممارسات والإجراءات التي يمكن اتباعها للحد من أثر الحرائق على مصادر المياه؛ وهي تطوير إستراتيجيات إدارة متكاملة تجمع الجهات المعنية ضمن آليات تنسيق واضحة، وتعزيز التعاون الدولي وتبادل الخبرات والتقنيات في مجال تقييم وإدارة موارد الغابات، وبناء خطط استباقية للطوارئ تشمل التدخل المبكر، والتدريب المشترك، وتنظيم تمارين تطبيقية دورية.
كما أكد أهمية إجراء تقييمات مستمرة وأبحاث علمية لتحديث السياسات وتحسين آليات إدارة المخاطر، وإشراك المجتمعات المحلية في الحماية المستدامة وإدارة الغابات، لتعزيز الحصانة البيئية، وتطبيق برامج مراقبة متطورة لجودة المياه تعتمد على تقنيات الإنذار المبكر للكشف السريع عن التلوث.
وذلك إلى جانب تنفيذ برامج تأهيل واستعادة شاملة للمناطق المتضررة، بهدف منع تآكل التربة وحماية الأحواض المائية.
وأكد إمكانية استفادة الأردن “من تلك الخبرات الدولية لتطوير سياسات وطنية متخصصة تتعامل بفعالية مع تحديات حرائق الغابات، خاصة في المناطق الملامسة لمصادر المياه”، مبينا أن ذلك يتطلب “الانتقال من نهج الاستجابة إلى نهج وقائي شمولي، يشمل تقييم المخاطر، وبناء القدرات، وتطوير الإستراتيجيات، وتعزيز التعاون متعدد القطاعات، بما يضمن استدامة معالجة المياه وحماية مصادرها الحيوية”.
سياسات مائية
بدورها، أكدت الخبيرة الأردنية في دبلوماسية المياه م. ميسون الزعبي، أن الأردن يطبق مجموعة من السياسات الهادفة للحفاظ على جودة المياه، لا سيما في ظل التحديات البيئية المتصاعدة وشح الموارد المائية.
وقالت الزعبي إن هذه السياسات تشمل تطوير إستراتيجيات متكاملة لإدارة المياه، وتحسين كفاءة استخدام المياه في مختلف القطاعات، والاعتماد المتزايد على مصادر المياه غير التقليدية، إلى جانب مراقبة جودة المياه، ومكافحة التلوث، ورفع الوعي العام بأهمية ترشيد الاستهلاك.
وأضافت أن حماية الغابات لا تعد فقط وسيلة للحفاظ على التنوع البيولوجي، بل تشكل إجراء أساسيا لضمان استقرار المياه في الأردن.
وأوضحت أن مساحة الغابات في المملكة لا تتجاوز 1 % من المساحة الكلية، ورغم ذلك، فإن تأثير حرائق الغابات على جودة مياه الشرب قد يكون كبيرا، إذ تؤدي إلى تلوث المصادر السطحية والجوفية بمخلفات الرماد والمواد الكيميائية والملوثات، ما يزيد من صعوبة معالجة المياه ويؤثر على صلاحيتها للاستهلاك البشري.
وأضافت أن للأشجار دورا بالغ الأهمية في تنقية المياه من المركبات الكيميائية، كالفوسفور والنيتروجين، ما يسهل من عمليات المعالجة في محطات التنقية.
ولفتت إلى أن الغابات تسهم أيضا في التخفيف من آثار تغير المناخ من خلال امتصاص ثاني أكسيد الكربون وتنظيم درجة حرارة الأرض، إلى جانب دورها في تنظيم تدفق المياه، وكل ذلك يسهم في تعزيز الاستقرار البيئي والمائي.
وأشارت إلى أن حرائق الغابات تشكل تهديدا مباشرا لجودة المياه في الأردن، لكن جهودا حكومية متواصلة تبذل للحد منها والوقاية من آثارها، ومن أبرز هذه الجهود تعزيز أنظمة الرصد والمراقبة، واستخدام تقنيات الاستشعار عن بعد، إلى جانب التوعية المجتمعية بمخاطر الحرائق وطرق الوقاية منها.
وزادت أن من الخطط المتبعة، أيضا، إدارة مواقع الحرائق بعد وقوعها، بما يشمل حماية المناطق المتضررة، وتشجيع التجدد الطبيعي للغابات، وتنفيذ مشاريع تأهيل بيئي.
وفي سياق مواجهة هذه التحديات، دعت الزعبي إلى الاستمرار في تطوير تقنيات معالجة المياه لمواكبة التغيرات المناخية والتلوث الناتج عن الحرائق، لا سيما ما يتعلق بمعالجة الملوثات العضوية والمواد الصلبة العالقة.
وأكدت الزعبي أن الجهود الوطنية في هذا المجال مدعومة بمبادرات إقليمية مهمة، على رأسها دعم منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو)، التي تسعى لتعزيز التعاون الإقليمي في إدارة حرائق الغابات من خلال شبكات، مثل شبكة الشرق الأدنى لحرائق الغابات (NENFIRE)، التي توفر منصة لتبادل التجارب وأفضل الممارسات بين دول المنطقة، ما يعزز قدرات الأردن في حماية غاباته.
وبينت أن منظمة الفاو عقدت شراكة مع وزارة الزراعة الأردنية لإطلاق مشروع تحويلي بعنوان “تعزيز قدرة قطاع الغابات على مكافحة حرائق الغابات وإدارتها في الأردن”، بهدف إحداث تغيير نوعي في ممارسات الحماية والإدارة المستدامة.
وأوضحت أن هذا المشروع يركز على تعزيز التنمية الوطنية عبر الإدارة المستدامة للغابات، وحماية التنوع البيولوجي، والحد من الفقر، وتعزيز الأمن الغذائي، والتخفيف من آثار تغير المناخ.
ويتحقق ذلك، حسب الزعبي، من خلال ثلاثة محاور؛ تعزيز المشاركة المجتمعية، ورفع الكفاءات الوطنية، وتحديث الحوكمة وتطبيق القوانين البيئية.
ونوهت إلى أن وزارة الزراعة أطلقت خطة جديدة لدعم قطاع الغابات، بالتوازي مع جهود العام الماضي، ما أدى إلى انخفاض في عدد الحرائق وزيادة في معدلات التشجير، وهو ما يعد مؤشرا إيجابيا نحو تعزيز الاستدامة البيئية.
وأضافت أن احترام القوانين البيئية، وتجنب الحرق العشوائي، والإبلاغ المبكر عن أي مؤشرات للحرائق، كلها عوامل تلعب دورا كبيرا في حماية النظم البيئية ومصادر المياه.