2.25 مليون دينار.. هل تكفي لجلب استثمارات بـ1.47 مليار؟
الغد-طارق الدعجة
في الوقت الذي تسعى فيه وزارة الاستثمار لاستقطاب استثمارات مستفيدة من قانون تنظيم البيئة الاستثمارية بقيمة 1.47 مليار دينار خلال العام المقبل، أكد خبراء اقتصاديون أن تحقيق هذا "الهدف الطموح" يتطلب مضاعفة الجهد واستخدام أدوات تنفيذ أكثر فاعلية من المتاحة حاليا.
وشدد خبراء في أحاديث منفصلة لـ"الغد" على أن حجم المخصصات المرصودة لتسويق الفرص الاستثمارية، البالغة نحو 2.25 مليون دينار، لا يعكس حجم التحديات ولا يتناسب مع متطلبات الترويج الفعلي للفرص الاستثمارية، خصوصا في ظل المنافسة الإقليمية المتزايدة على استقطاب رؤوس الأموال.
ورصدت وزارة الاستثمار ضمن مشروع قانون الموازنة للعام المقبل 2.25 مليون دينار تحت بند خدمات استشارية لتسويق الفرص الاستثمارية.
وأجمع الخبراء على أن رؤية التحديث الاقتصادي توفر إطارا واعدا، لكن تحويلها إلى إنجازات على الأرض يتطلب تنفيذا احترافيا ومتابعة منهجية للفرص.
ويشار إلى أنه في حال استطاعت الوزارة استقطاب هذه المشاريع خلال العام المقبل فإن حجم الاستثمارات المستفيدة من قانون البيئة الاستثمارية سترتفع بنسبة 34 % مقارنة مع التقييم الذاتي الأولي المتوقع تحقيقه للعام الحالي والبالغ 1.10 مليار دينار وفق ما أظهر مشروع قانون الموازنة للعام 2026.
عوض: تبسيط الإجراءات وتفعيل النافذة الموحدة سيعزز ثقة المستثمرين
بدوره، قال مدير مركز الفينيق للدراسات الاقتصادية والاجتماعية أحمد عوض "يمكن للحكومة تحقيق هدفها في جذب استثمارات بقيمة 1.47 مليار دينار خلال عام 2026 إذا ما أحسنت استثمار التحسن النسبي في البيئة السياسية الإقليمية، خصوصا مع تراجع وتيرة العدوان وحرب الإبادة الجماعية الإسرائيلية على غزة وما يرافقه من انفراج نسبي في المشهد الإقليمي، وإجراءات تسرع تنفيذ الإصلاحات الإدارية والبيروقراطية على أرض الواقع".
وأضاف عوض أن التركيز على التنفيذ الفعلي لتبسيط الإجراءات وتفعيل النافذة الموحدة وتعزيز الشفافية سيعزز ثقة المستثمرين ويجعل الأردن أكثر جاذبية للاستثمار.
وقال: "رغم أن مخصصات الإنفاق لجذب الاستثمارات ضمن موازنة عام 2026، والمقدرة بحوالي 2.25 مليون دينار، تبدو متواضعة ولا تعكس حجم الجهود المخطط لها للترويج والتسويق الاستثماري إلا أن توزيع الأدوار بين الوزارات الأخرى والقطاع الخاص لتفعيل أدوات الترويج، وتنشيط الشراكات، واستقطاب الاستثمارات النوعية يبقى مهما".
وأضاف في هذا السياق "تشكل القطاعات الخضراء، مثل الطاقة المتجددة، والزراعة الذكية، وإدارة النفايات، والنقل المستدام، الى جانب التكنولوجيا فرصاً واعدة لجذب استثمارات ذات قيمة مضافة عالية، مستفيدة من الزخم الإيجابي الذي تحقق في عام 2025 بزيادة الاستثمارات بنسبة نحو 33 %".
وأشار عوض إلى أن الحكومة بحاجة إلى مضاعفة جهودها للوصول إلى مستهدفات رؤية التحديث الاقتصادي، مع التأكيد على أن أي استثمار جديد يجب أن يلتزم بالمعايير الوطنية في العمل والبيئة والتنمية المستدامة لضمان تحقيق الأثر الاقتصادي والاجتماعي المنشود.
أبو حلتم: جذب الاستثمارات لن يتحقق دون مضاعفة الجهود والموازنة
وقال الخبير الاقتصادي د.إياد أبو حلتم: "المخصصات الحالية لتسويق الفرص الاستثمارية ضعيفة، ولا تفي بالحد الأدنى المطلوب لتحقيق الأهداف المتوقعة خلال السنوات المقبلة". وأشار إلى أن نجاح الجهود يعتمد على رفع موازنة الترويج خاصة في ضوء رؤية التحديث الاقتصادي التي تستهدف جذب 41 مليار دينار خلال الفترة 2023–2033، بمعدل يقارب 4 مليارات دينار سنويا.
وأوضح أن هذه الرؤية ترتكز على مشاريع ضخمة 70 % منها في البنية التحتية والقطاع العام، فيما تتجه النسبة المتبقية إلى القطاع الخاص، وتشمل مشاريع في الطاقة، الموانئ، المستشفيات، والشراكة مع القطاع الخاص، إضافة إلى الصناعات المتقدمة.
وشدد أبو حلتم على أن تنفيذ هذه الخطط يتطلب موازنات ترويجية كبيرة تشمل دعم المشاركة في المعارض الدولية، والترويج للفرص الاستثمارية، والاستفادة من جهود الملحق التجاري والسفارات الأردنية في الخارج.
وأشار إلى امتلاك الأردن منظومة استثمار حديثة تضم قانونا عصريا وتعليمات جديدة، غير أن التنفيذ السليم هو العامل الحاسم في جذب الاستثمارات.
وأشار إلى أهمية البعثات الاقتصادية التي يقودها جلالة الملك عبدالله الثاني إلى دول مثل كازاخستان، أوزبكستان، رواندا، فيتنام، اليابان، إندونيسيا وسنغافورة، والباكستان معتبرا أنها تفتح أبوابا واسعة، لكنها بحاجة إلى متابعة حقيقية عبر لقاءات ومجالس أعمال لضمان تحويل هذه الفرص إلى استثمارات فعلية.
وأكد أبو حلتم ضرورة تعزيز مشاركة الأردن في المعارض العالمية من خلال جناح أردني كبير ومؤثر يعكس مكانة الصناعة الأردنية، إضافة إلى إنشاء مكاتب ومعارض دائمة في الأسواق المستهدفة لتسهيل عمليات الترويج وجذب المستثمرين.
ودعا إلى تبني خطة استثمارية سنوية للترويج للأردن كوجهة استثمارية في قطاعات محددة، بما يعزز فرص تحقيق المستهدفات الإستثمارية.
وشدد أبو حلتم على أن التركيز لا يجب أن ينحصر في المشاريع الكبرى فقط، بل يجب دعم المشاريع المتوسطة والصغيرة لما لها من أثر اقتصادي مهم، خاصة أنها تستفيد من مزايا الأردن؛ مثل الموقع الجيوسياسي المهم للمملكة، الاتفاقيات التجارية، استقرار سعر صرف الدينار، والاستقرار السياسي والاقتصادي، وهذا يتطلب الترويج لها بطريقة احترافية وفعّالة لزيادة تنافسية الأردن في جذب الاستثمارات.
إمسيح: تسويق الفرص الاستثمارية بشكل أكثر تكاملا مع القطاع الخاص
وأكد نائب رئيس جمعية رجال الأعمال الأردنيين أسامة امسيح أن استهداف وزارة الاستثمار لاستقطاب استثمارات بقيمة 1.5 مليار دينار خلال العام المقبل يعد هدفا طموحا يمكن تحقيقه إذا ما تم تعزيز بيئة الاستثمار وتسويق الفرص الاستثمارية بشكل أكثر تكاملاً مع القطاع الخاص.
وأضاف أن مخصصات تسويق الفرص الاستثمارية المقدّرة بنحو 2.250 مليون دينار تعد بداية جيدة، لكنها تتطلب توظيفها ضمن خطة وطنية واضحة المعالم، مشيرا إلى أن النجاح في تحقيق هذا الهدف الطموح قابل للتحقيق إذا تم التركيز على الجودة بدلا من الكمية في الجهود التسويقية، مع أهمية السرعة في الاستجابة والجاذبية الحقيقية للفرص الاستثمارية.
وأوضح امسيح أن الجهود يجب أن تركز على القطاعات ذات الأولوية، مع استخدام آليات تسويق ذكية منخفضة التكلفة، وتحسين بيئة الأعمال المحلية، وتوظيف الشراكات الإستراتيجية بشكل فعال، لضمان جذب الاستثمارات وتحقيق الأهداف المرجوة.
وأكد أن تحقيق مستهدفات الوزارة يحتاج إلى تعزيز الجهود الترويجية في الأسواق الإقليمية والدولية، وتكثيف التواصل مع المستثمرين الأردنيين في الخارج، إلى جانب تسهيل الإجراءات وتبسيط المسارات الإدارية للمستثمرين الجدد، بما يضمن سرعة تنفيذ المشاريع ويعزز الثقة ببيئة الاستثمار في الأردن.
وأشار امسيح إلى أن القطاع الخاص قادر على لعب دور محوري في جذب الاستثمارات، من خلال شراكات إستراتيجية مع الحكومة في مجالات التسويق والترويج وإعداد دراسات الجدوى للمشاريع الكبرى، لافتا إلى أهمية توفير حوافز استثمارية مرنة وتحسين بيئة الأعمال من حيث التشريعات والضرائب وتوافر الأراضي والبنية التحتية.
الصمادي: جذب الاستثمار يعتمد على سرعة الإنجاز وتكامل الحوافز
من جهته، أكد عضو مجلس إدارة غرفة التجارة الأوروبية في الأردن م. محمد الصمادي أن تحقيق هدف استقطاب استثمارات بقيمة 1.5 مليار دينار خلال العام المقبل، رغم محدودية مخصصات تسويق الفرص الاستثمارية البالغة 2.25 مليون دينار، يعد هدفا قابلا للتحقيق ضمن منهجية عمل أكثر دقة وفاعلية، ترتكز على استهداف الشركات العالمية ذات القيمة العالية وإعداد فرص استثمارية مكتملة وجاهزة للتنفيذ.
وقال الصمادي إن "الفجوة بين حجم الهدف وحجم المخصصات لا ينبغي أن تقرأ بوصفها تحديا ماليا، بل كدعوة لإعادة توجيه الموارد نحو أدوات أكثر فاعلية في جذب الاستثمار، وخاصة تطوير دراسات الجدوى، وتجهيز غرف البيانات، وتوفير ملفات تعريفية تفصيلية للفرص الاستثمارية يمكن للمستثمر العالمي الاطلاع عليها واتخاذ قراره بناء على معطيات واضحة".
وأوضح أن التجارب الإقليمية والعالمية تظهر أن جذب الاستثمار لم يعد يعتمد على الحملات الترويجية المكثفة، بل على سرعة الإجراءات، ووضوح المسارات التنظيمية، وتكامل الحوافز، وكفاءة المتابعة، مشيرا إلى أن دولا مثل السعودية والإمارات وتركيا حققت قفزات كبيرة في حجم الاستثمارات الأجنبية المباشرة عبر تعزيز بيئة الأعمال وتبسيط الإجراءات أكثر من اعتمادها على الإنفاق التسويقي.
وأشار إلى أن الأردن يمتلك ميزات تنافسية مهمة في قطاعات حيوية مثل الصناعات الدوائية، الكيماوية، الغذاء والتصنيع الزراعي، والخدمات اللوجستية، ما يؤهله ليكون وجهة مفضلة للمستثمرين، شريطة استمرار تطوير بيئة الأعمال وتحسين البنية التحتية الخاصة بالترخيص والتصاريح الصناعية.
ودعا الصمادي إلى تأسيس وحدة متخصصة داخل وزارة الاستثمار لإدارة وإغلاق الصفقات الاستثمارية، تضم خبراء في الشؤون المالية والفنية والتحليل القطاعي، تعمل وفق نهج "مدير الحساب الاستثماري" لكل شركة مستهدفة، بما يضمن المتابعة الدقيقة وتحويل الاهتمام إلى استثمار فعلي.
وأكد أن مثل هذه الوحدة تعد عنصرا حاسما في رفع قدرة الوزارة على تحويل الفرص إلى مشاريع واقعية.
وشدد على أهمية تعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص، من خلال الدور الذي تستطيع الغرف التجارية والصناعية والمجالس المشتركة القيام به في الوصول المباشر إلى المستثمرين الدوليين، مؤكدا أن القطاع الخاص يشكل رافعة أساسية في جهود الترويج والتواصل مع الأسواق العالمية.
وكانت وزارة الاستثمار قالت في تصريحات سابقة لـ"الغد" إنها تعاقدت مع إحدى الشركات العالمية المتخصصة في مجال ترويج الاستثمار نهاية العام الماضي، وذلك لمساعدة الوزارة في جهودها الترويجية الخارجية في الدول المستهدفة، وإيجاد سردية لمزايا الاستثمار في المملكة على الصعيد القطاعي والدولة كبيئة جاذبة وحاضنة للاستثمارات، بالإضافة إلى بناء القدرات لدى موظفي وزارة الاستثمار العاملين في هذا المجال. أوضحت الوزارة أنها تعمل على تنفيذ إستراتيجية ترويج الاستثمار للأعوام 2023 – 2026 والتي تركز على قطاعات واعدة وأسواق محددة بالإضافة إلى تعزيز التواصل مع المستثمر المحلي والأجنبي وتحفيز المشاريع القائمة على التوسع والمشاركة في الفعاليات والمؤتمرات الدولية المعنية لترويج وتسويق المملكة كفرصة استثمارية كبيرة ومهمة بالمنطقة.
وتركز إستراتيجية الترويج على قطاعات عدة أهمها، صناعة الأفلام، الصناعات التحويلية ذات القيمة العالية، تكنولوجيا المعلومات والاتصال، قطاع الرعاية الصحية، السياحة، التطوير العقاري والتعدين، الكيماويات، الزراعة، الخدمات اللوجستية فيما تستهدف دولا عدة من بينها مجلس التعاون الخليجي والولايات المتحدة وكندا وبريطانيا وألمانيا وهولندا وفرنسا وتركيا واليابان والهند والصين وكوريا الجنوبية.