أخبار سوق عمان المالي / أسهم
 سعر السهم
Sahafi.jo | Rasseen.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
  • آخر تحديث
    27-Aug-2025

الاقتصاد الأردني: قراءة في التحديات الاقتصادية الإقليمية والمحلية*د.عبير خالد مصلح

 الدستور

يقف الأردن اليوم في قلب منطقة ملتهبة تتناوب عليها الأزمات السياسية والاقتصادية منذ عقود، حيث جعل موقعه الجغرافي الحساس عند تقاطع صراعات الإقليم منه أكثر الدول تأثرًا بتداعياتها المباشرة. فالمملكة، المحاطة بجبهات مشتعلة في فلسطين والعراق وسوريا، تجد نفسها في مواجهة مستمرة مع ارتدادات الحروب والتحولات الإقليمية. وفي سياق أوسع، يظل الشرق الأوسط من أكثر مناطق العالم هشاشة أمام التقلبات، بحكم قربه من شرايين التجارة الدولية وامتلاكه احتياطات ضخمة من الطاقة، إلى جانب تاريخه المثقل بالنزاعات. هذه العوامل مجتمعة تضع الأردن أمام معادلة اقتصادية وسياسية معقدة، يتداخل فيها الإقليمي بالداخلي، بما يفرض عليه تحديات دقيقة تتطلب استجابات استراتيجية حذرة.
ومع تموضع الأردن في قلب هذا الإقليم المضطرب، لا تقتصر تأثيرات الصراعات على الجانب السياسي فحسب، بل تمتد لتطال الاقتصاد بشكل مباشر، حيث تتجلى آثار التوترات الجيوسياسية على مختلف القطاعات الحيوية.
إذ ترفع الصراعات المستمرة كلفة النقل والتأمين، وتعيق حركة التجارة، وتغذي التضخم. وتشير تقديرات إلى أن كلفة الصراعات في الشرق الأوسط تجاوزت 800 مليار دولار خلال السنوات الماضية. كما يؤدي عدم الاستقرار الأمني إلى تقويض ثقة المستثمرين وتذبذب الأسواق المالية، وهو ما يضع الأردن أمام تحديات إضافية في سعيه لخلق بيئة استثمارية آمنة.
ويبرز قطاع الطاقة كأكثر القطاعات الأردنية هشاشة. فبينما تعتمد بعض دول الشرق الأوسط على صادرات النفط والغاز، تتحمل المملكة عبء استيراد نحو 91% من احتياجاتها، ما يجعلها شديدة التأثر بأي اضطراب. وقد كشفت أزمة توقف إمدادات الغاز الإسرائيلي مؤقتًا خلال الحرب مع إيران مؤخرًا حجم المخاطر، إذ كبّد الانقطاع شركة الكهرباء الوطنية نحو مليون دينار يوميًا، قبل أن تتدخل مصر بإمدادات بديلة. مثل هذه الأحداث تؤكد الحاجة الملحة لتسريع مشاريع الطاقة المتجددة وتنويع المصادر.
أما على صعيد المؤشرات المالية، فبحسب تقديرات صندوق النقد الدولي (ديسمبر/كانون الأول 2024)، ستقفز الاحتياجات التمويلية الكلية لاقتصادات المنطقة المستوردة للنفط إلى نحو 263 مليار دولار في عام 2025، مقارنة بـ 249 مليار دولار في 2024، وهو ما يعكس صعوبة الأوضاع التمويلية وارتفاع كلفة الاقتراض في ظل بيئة إقليمية مضطربة.
أما في الأردن، يُظهر تقرير صندوق النقد الدولي أن العجز الكلّي للقطاع العام وصل إلى نحو 4.8% من الناتج المحلي الإجمالي في 2024، في حين بلغ العجز الأولي للحكومة (بدون فوائد الدين) حوالي -2.9%. وعلى صعيد الدين، تشير بيانات البنك الدولي إلى أن مستوى الدين العام بلغ 91.7% من الناتج المحلي عام 2024، مع توقعات لهبوطه تدريجياً إلى 89.2% في 2025. هذه الأرقام تكشف بوضوح أثر الاضطرابات الجيوسياسية والأمنية على المؤشرات المالية، حيث تتراجع الإيرادات وتزداد كلفة التمويل بفعل ارتفاع أسعار الفائدة العالمية، ما يضع الأردن ومعه دول المنطقة أمام تحدي الحفاظ على انضباط مالي دون التضحية بالإنفاق الاجتماعي والاستثماري الضروري للنمو والاستقرار.
وفي موازاة ذلك، شكّل ارتباك سلاسل الإمداد العالمية ضغطًا جديدًا على الأردن والمنطقة. فقد أدت الاضطرابات في البحر الأحمر إلى إطالة زمن الشحن بنسبة 45% ورفع كلف التأمين، ما انعكس مباشرة على أسعار الغذاء والدواء والمواد الخام. ووفق منظمة الأغذية والزراعة (FAO)، بلغ مؤشر أسعار الغذاء 130.1 نقطة في يوليو/2025، مرتفعًا 7.6% عن العام السابق، ما فاقم الضغوط المعيشية في دول تعتمد على الاستيراد مثل الأردن.
ولا يقف الأمر عند ذلك، فـ الاستثمار الأجنبي المباشر في المنطقة يتأثر هو الآخر بعدم اليقين. ففي السعودية، ورغم نمو الاستثمارات إلى 5.9 مليار دولار في الربع الأول من 2025، يبقى الرقم بعيدًا عن مستهدفات «رؤية 2030». أما الأردن، فقد جذب 1.637 مليار دولار في 2024 (3.1% من الناتج المحلي)، لكنه شهد تراجعًا مقارنة بالعام السابق، مع تسجيل ارتفاع طفيف في الربع الأول من 2025 إلى 339 مليون دولار. ورغم هذا التحسن النسبي، فإن المخاطر الإقليمية ما تزال تعيق التدفق المستدام لرؤوس الأموال.
ويواجه القطاع السياحي تحديات مشابهة. فعلى الرغم من نمو إسهام السياحة في اقتصاد الشرق الأوسط ليصل إلى 460 مليار دولار في 2023، ارتفعت المخاطر الأمنية التي انعكست على الأردن مباشرة. إذ انخفضت الحجوزات الجوية بنسبة 35% بعد اندلاع الحرب في غزة أواخر 2024، وتراجعت نسب إشغال الفنادق في البتراء إلى أقل من 10%، ما يؤكد حساسية القطاع لأي اضطراب إقليمي.
في المحصلة، يُظهر المشهد الاقتصادي أن الأردن، مثل باقي دول المنطقة، يواجه تحديات متشابكة تبدأ من الطاقة والعجز المالي، مرورًا بارتباك سلاسل الإمداد وتراجع الاستثمار، وصولًا إلى السياحة التي تبقى رهينة للأمن الإقليمي. ومع كل هذه الضغوط، يظل السؤال الجوهري: هل دول الشرق الأوسط، وعلى رأسها الأردن، جاهزة بما يكفي لمواجهة الصدمات الجيوسياسية المقبلة وضمان استدامة اقتصاداتها في بيئة مضطربة؟