الغد
كريس بلاكهيرست - (الإندبندنت) 2025/7/3
بينما كان معظمنا يعيش في حال من الهلع من احتمال اندلاع حرب عالمية ثالثة، بدت أسعار النفط هادئة على نحو غريب، وكأنها كانت تراهن على نزع فتيل التصعيد قبل 12 ساعة كاملة من إعلان دونالد ترامب وقف إطلاق النار. وعكست التقلبات المحدودة في أسعار النفط والأسواق غياب مؤشرات على حرب شاملة بين إسرائيل وإيران، على الرغم من الضجيج الإعلامي والقلق الشعبي. وكان المستثمرون يراقبون مضيق هرمز بوصفه الفاصل الحقيقي بين التهدئة والانفجار، ولكن ما من مؤشر على تصعيد واسع.
*
إذا أردتم أن تعرفوا اتجاه النزاع بين إسرائيل وإيران، راقبوا الأسواق. يوم الاثنين، الثلاثين من حزيران (يونيو)، ارتفع سعر النفط بعض الشيء، وإنما بنسبة طفيفة، بينما ساد شعور بالهدوء النسبي في قلب لندن التجاري وفي "وول ستريت" بنيويورك. وبينما كنا نحن الآخرين منشغلين بالقلق من التصعيد، ساد لدى أولئك الذين يفترض أن يكونوا أكثر الناس هلعاً، هدوء غريب.
ويوم الثلاثاء، مع انتشار خبر وقف إطلاق النار بين إيران وإسرائيل، انخفضت أسعار النفط والغاز، لكنها عاودت الارتفاع مجدداً حين بدأت الشكوك تحوم حول احتمال ألا يدوم الهدوء. ومع ذلك لم تكن هذه التقلبات ضخمة، بل إنها كانت بعيدة جداً عن تلك التي نشهدها عادة عند اندلاع حرب في الشرق الأوسط؛ المنطقة الأكثر تصديرًا للطاقة في العالم. كما أن الأسواق لم تدخل في دوامة التقلبات التقليدية التي كانت تحدث مع كل تطور في أزمات سابقة. فما الذي عرفه المتداولون ومحللوهم ولم نعرفه نحن؟
قد يكون من السهل القول بأنهم يتعمدون التزام الصمت، وأنهم يعتقدون أن المواجهة ستنتهي بسرعة، وأن لا شيء خطيراً يلوح في الأفق. وتخبرهم خوارزمياتهم وحساباتهم بأن يبقوا هادئين وأن لا يتصرفوا بانفعال. ليس الآن على الأقل.
لكن هذا الصراع يتغير في الحقيقة بصورة كبيرة كل ساعة تقريباً، ومحاولة اللحاق به أو استباقه كانت ستشكل مهمة عبثية. ومع ذلك تعكس الأسواق حقيقة تتجاوز الضجيج والهستيريا بشأن اندلاع حرب عالمية ثالثة: حالياً، لا يوجد مؤشر على نشوب صراع شامل وطويل الأمد. لم تكن هناك قوات منتشرة على الأرض، والقتال اقتصر على وابل من الصواريخ الموجهة في الغالب إلى أهداف عسكرية.
عادة ما تلجأ الأسواق إلى متخصصين عسكريين واستراتيجيين سابقين عندما تبدو الظروف متجهة نحو نزاع طويل الأمد، وتقوم بتوزيع تقارير تحليلية مفصلة على العملاء. وفي هذه اللحظات فحسب، تستعين بعلاقاتها السياسية والدبلوماسية رفيعة المستوى للحصول على معلومات داخلية. وفي هذه الأوقات أيضاً تطلب من الصحفيين المتخصصين في شؤون الحرب والعلاقات الدولية -الذين تكون قد بنت معهم علاقات قوية- توفير أي تفاصيل مفيدة. ولكن لا يوجد دليل على أن شيئاً من هذا يحدث الآن. عملياً، لا وجود لحشود قوات أو مدفعية، ولا تحركات بحرية عاجلة أو كبيرة، ولا جبهة واضحة -والكتاب المتخصصون يحاولون هم أيضاً اللحاق بالأحداث.
هؤلاء، مثل بقية الناس، يحصلون على معلوماتهم من منشورات ترامب على وسائل التواصل الاجتماعي ومن البيانات الحكومية الإيرانية والإسرائيلية. وهم يشاهدون الأخبار العاجلة، ويراقبون المنصات العامة كما نفعل نحن جميعاً. لكن الفرق هو أنهم يدققون في التفاصيل التي قد يغفلها الآخرون وسط الضجيج.
كانت المؤشرات كلها تدل على وجود مساع للاحتواء. وحتى الحديث عن تغيير النظام في إيران بدا فاتراً ومفتقراً إلى الجدية. وكان ما تراقبه الأسواق بقلق هو مضيق هرمز. هناك، ستثير أي إشارة فعلية إلى إغلاق هذا الممر الحيوي فوضى شاملة. وعندئذ فحسب، سنرى أسعار النفط والغاز ترتفع بصورة جنونية، وأسعار الأسهم تنهار، وأسعار الذهب ترتفع بصورة جنونية.
من المؤشرات المقلقة أيضاً، ارتفاع عوائد السندات طويلة الأجل، لكنها ظلت ثابتة. كما أن الذهب لم يتأثر. فعلياً، ظل الهدوء يسود جبهة الأسواق -خصوصاً مقارنة بما حدث عندما أعلن ترامب فرض الرسوم الجمركية، وتسببت قراراته بأكبر خسائر يومية في الأسهم منذ بداية جائحة كورونا، حيث خسر مؤشر "ستاندرد آند بورز 500" نحو 5 تريليونات دولار خلال يومين، متجاوزاً خسارة قدرها 3.3 تريليون دولار في آذار (مارس) 2020.
صحيح أن إيران هددت بإغلاق المضيق، لكن الأسواق أدركت أن المتضرر الأكبر سيكون إيران نفسها، وهي الغارقة أصلاً في أزمات اقتصادية، وكذلك حليفتاها -روسيا والصين- المستوردتان الأكبر لصادراتها.
كان المستثمرون مقتنعين بأن ترامب لا يريد هذه الحرب، ولا يرغب أبداً في أن تنجر الولايات المتحدة إليها. وقد تم انتخابه على وعد بتجنب الحروب الخارجية، والتراجع عن ذلك سيكون خيانة صارخة لقاعدته المؤيدة لحركة "جعل أميركا عظيمة مجدداً". كذلك، يعتقدون أن إسرائيل لا ترغب في صراع أوسع، وأنها استنزفت في غزة وسرعان ما انسحبت من جنوب لبنان، ولا تريد المخاطرة بإشراك حلفاء إيران في الحرب، أياً كانوا.
ومن المؤكد أيضاً أن ثمة من يرى أنه حتى مستشاري ترامب أنفسهم لا يعرفون بالضبط ما الذي قد يحدث لاحقاً. كان قد تم التخطيط لقصف الولايات المتحدة المواقع النووية في إيران بسرية تامة، ولم يعلم بالأمر سوى قلة من مساعديه الموثوقين. وبالمثل، تم إخفاء المعلومة الثمينة القائلة بأن إيران أبلغت ترامب مسبقاً بنيتها مهاجمة قواعد أميركية من دون التسبب بسقوط ضحايا، ولم يتم الكشف عنها إلا لاحقاً.
فاجأ ترامب العالم بإعلان ذلك عبر منصته "تروث سوشال"، تماماً كما فعل لاحقاً عندما زعم التوصل إلى اتفاق لإنهاء الأعمال العدائية. وعندما يدعي المتخصصون معرفتهم بما يحدث، يكون المصرفيون والوسطاء الماليون حذرين من الوقوع في فخ كذبة تهدف إلى تحقيق مكاسب ضخمة، بقدر ما هم متعطشون لمعرفة الحقيقة.
ولكن، حتى إشعار آخر، سيكون شعارهم الوحيد هو عبارة بريطانية شهيرة استخدمت زمن الحرب العالمية الثانية: "التزم الهدوء وواصل العمل".
*كريس بلاكهيرست Chris Blackhurst: صحفي متخصص في شؤون قطاع الأعمال.